نعت بريطانيا قبل أسابيع، المهندسة المعمارية الشهيرة زها حديد، بريطانية الجنسية عراقية الأصل، ورثاها كثيرون بحزن بالغ، كان موتها مفاجئا فأحدث صدى واسعا في وسائط الإعلام البريطاني والعالمي. قد يتساءل بعض الناس لم كان لخبر موت زها حديد صدى في الإعلام أكثر من غيرها من المشاهير؟ زها حديد لم تكن مجرد نجم ساطع في عالم التصميم المعماري، زها كانت أكبر من ذلك، كانت رمزا لقدرة المرأة على الصمود في وجه المنافسة والتحدي، فعالم التصميم المعماري في العالم كله بالنسبة للنساء ليس من السهل الولوج إليه، ومن ثم فإن النجاح فيه بالنسبة للمرأة يعد من الحالات القليلة النادرة. فهناك عنصرية جنسوية تمارس ضد النساء في مجال الهندسة المعمارية، وحسب ما تقوله رئيسة الجمعية المعمارية في لندن فإن كثيرا من أصحاب المشاريع المعمارية الكبيرة يرفضون أن تتولى مشاريعهم امرأة، وهذه العنصرية هي أحد الأسباب التي تجعل نجاح المرأة في العمل في هذه المهنة من الأمور العسيرة. وفاة زها حديد، أثارت شجون المعماريات في بريطانيا، فأخذن يصرخن من جديد متذمرات من التفرقة العنصرية التي يواجهنها في مجال مهنتهن، تقريبا 61% من المعماريات يشتكين أنهن ضحايا التمييز الجنسوي ضدهن، وأن ذلك يتسبب في عزوف كثيرات عن الاستمرار في العمل في مجال التصميم المعماري، وتقول بعض الإحصائيات التي نشرتها الجارديان البريطانية، إن نسبة كبيرة من النساء اللاتي يدرسن العمارة غالبا لا يواصلن العمل في مجالها، فخلال العام الماضي انسحبت من سوق العمل نسبة كبيرة من حاملات درجة البكالوريوس في العمارة في بريطانيا، ولم تصمد لمواصلة العمل في ذلك المجال سوى 24% منهن! ربما لهذا السبب يعد نجاح زها حديد نجاحا مزدوجا، نجاح في التميز في التصميم المعماري نفسه، ونجاح في التميز في تحدي العنصرية الجنسوية وقهرها والتغلب عليها. لقد تمكنت زها من خلال فنها أن تحقق شهرة عالمية، ونفذت مشاريع كبرى في دول متعددة في الصين وكوريا وهونغ كونغ وفرنسا وألمانيا والدانمارك وغيرها، كما نالت جوائز عديدة على أعمالها كجائزة (برتزكر) المعمارية، فكانت هي أول امرأة معمارية تفوز بتلك الجائزة، التي تعد أعلى جائزة من نوعها في الهندسة المعمارية، ومن الأعمال التي نالت عليها جوائز: أكاديمية ايفلين جريس في لندن ونالت عليها جائزة استرلينغ عام 2011، والمتحف الوطني لفنون القرن الحادي والعشرين في روما عام 2010 وأيضا نالت عليه الجائزة نفسها. ومبنى المركز الرئيسي لشركة بي إم دبليو، وهي التي صممت جسر الشيخ زايد في أبو ظبي ومحطة المترو الرئيسية في الرياض. من خلال نجاح زها حديد، يمكن القول إن وجود العوائق والتحديات ليس حائلا دون النجاح، العوائق والتحديات تجعل النجاح أصعب، هذا لا شك فيه، لكنها لا تجعله مستحيلا.