يظن القائمون على تدوير عجلة التعليم أن عمليات «الشد» و«الشفط» و«التكبير والتصغير» ستعيد لمناهجنا روح الشباب. نظامنا التعليمي أشبه بعجوز لا يجدي معها شيء، مهما سكبنا فوقها أطنان المساحيق التجميلية. تبدو الكتب اليوم أجمل بحلتها القشيبة وبألوانها الزاهية مما كانت عليه قديماً، ولكنها لا تزال كما كانت عليه متخشبة ومظلمة من الداخل. لم أذهل لمطالعة عناوين «منهج الحديث» للمرحلة الثانوية. أدرك ملياً أن رعاة الجمود والتقليد لن يفرطوا في التعليم لمصلحة قوى التغيير والمعاصرة من أجل الحفاظ على ديمومتهم وضمان تغلغل أفكارهم داخل تلافيف المجتمع، وجدت في «منهج الحديث» مفاهيم وعناوين لم تكن مطروقة في مناهجنا أيام الطفرة الصحوية والمعجزات الجهادية على الأراضي الأفغانية، وجدت مفاهيم معاصرة، مثل: «العولمة، حقوق الإنسان، التعددية، الليبرالية»، ما لم يتغير هو موقف المؤلف مما يهب من جهة الغرب، المؤلف في بدايات الألفية الثالثة هو ذاته في نهايات الألفية الثانية، لا يزال المؤلف يؤمن بأن كل ما في هذا العالم من أفكار وفلسفات ونظريات ليست إلا فوهات مدافع مسددة نحوه، لا يزال المؤلف ومن ورائه الملايين يظنون ألا هم لهذا الغرب «المتأبلس» سوى نصب الفخاخ وحبك المؤامرات للنيل من بنين وبنات وخيرات ومقدرات ومعتقدات خير أمة أُخرجت للناس! يقول وزير التربية والتعليم رداً على تلميحات صحافية حول حجب الوزارة الموقرة لأسماء مؤلفي الكتب الدينية إن «العبرة بالمحتوى وليست بهوية الكُتّاب». اتفق تماماً معه، فالعبرة بالمحتوى لا بالشكل. في رأيي الشخصي، أنا لا تهمني أسماء المؤلفين، لأنهم ببساطة شديدة يحملون الأفكار والقناعات ذاتها، ويردون المشارب والقراءات نفسها، ولكن، هل يعجب وزير التربية والتعليم مما جاء في منهج الحديث من أفكار ظلامية؟ أنا متأكد أن رجلاً مستنيراً وطموحاً مثله لا يقر بمثل هذه الأفكار القروسطية التي لن تجد لها نظيراً إلا في «كتاتيب» جماعة طالبان المتوحشة. ما أدهشني في هذا الكتاب هو تبني «مؤلفوه المجهولون» لرفض شبه صريح لأهداف برنامج «خادم الحرمين الشريفين للابتعاث»، طبعاً، لا تدهشني ممانعتهم ومخاوفهم من الابتعاث للدراسة في بلاد «عبدة الصليب وأكلة الخنزير»، ما يدهشني حقاً هو جرأة المؤلفين على تدوين مواقفهم وبث مخاوفهم، وكأنهم يجاهرون برفضهم وتحديهم لتوجهات الدولة، المصيبة هنا ليست في مقاومة سياسات الحكومة علناً، ولكن في حقن الطالب بهذه السموم الفكرية، خصوصاً أن الطالب لا يملك الحق في المحاججة والتشكيك! وعلى رغم رفضي المطلق لما جاء في الكتاب من أفكار متشنجة ومن رؤى أحادية يغلب عليها وهم الاصطفائية والخوف المرضي من الغرب، إلا أني أجد أن مخاوف المؤلفين من آثار الابتعاث لا تخلو من المبالغة. يقول الكتاب محذراً من الابتعاث: «... وجود المرء مدة طويلة في مجتمع منحرف في عقائده وقيمه وسلوكه يجعله يتأثر بأعراف ذلك المجتمع وقيمه وعاداته... وأن نسبة الذين يسلمون من هذا التأثير قليلة، ما يؤكد خطر الابتعاث». ذهب مئات الألوف من المبتعثين منذ السبعينات الميلادية وإلى اليوم من دون أن يتطبع هؤلاء بطباع الغرب ومفاهيمه الحضارية. أعرف أشخاصاً عادوا من هناك وهم أكثر تشدداً مما كانوا عليه. هل يحسب المؤلفون أن الناس في أميركا وبريطانيا وغيرهما يتربصون بالسعودي الغض عندما يطأ أراضيهم؟ أكثرية الناس هناك لا تحفل بدين السعودي، ولا يشغل عقلهم التآمر على قيم السعودي وعقيدته، أكثر الناس هناك لا يعرفون حتى موقع السعودية من خريطة العالم، ما يملكه الناس، بمن فيهم خاصتهم، عن السعودي من معلومات تتصف في معظمها بالبلاهة والسذاجة، مثل: أنه يملك في بيته بئر نفط، ويستمتع بالزواج من أربع نساء، ويركب الجمل في تنقلاته! وإذا أضيف إلى ما سبق صفة الإرهاب والتفجير، فالبركة في ابن لادن وأشياعه! يقول الكتاب «إن كثيراً من المبتعثين عادوا مشبعين بروح الغرب ويتنفسون برئته ويفكرون بعقله»، أين هؤلاء الأشباح؟ أنا لم أرَ لهم وجوداً ولم أسمع لهم صوتاً، لا أذكر سعودياً ذهب إلى هناك وعاد إلينا أميركياً أو فرنسياً، لا فارق بين السعودي قبل البعثة وبعدها إلا في اللسان والشهادة، وماعدا ذلك فالأفكار والمفاهيم والتصورات لا تتبدل، لا حاجة إلى هذا التهويل والتخويف، فما يتعلمه السعودي في صغره يبقى خالداً خلود النقش في الصخر! [email protected]