مضت الذكرى السنوية الخامسة لاختفاء المعارض الليبي منصور الكيخيا، وزير الخارجية الاسبق، من دون ان يتحرك انسان عربي او ضمير للسؤال عن مصيره. الا ان السيدة بهاء العمري، زوجته التي لا اريد ان افجعها بالقول أرملته، تلقت الوف الرسائل من مختلف انحاء العالم هذا الشهر تعلن التضامن معها في اصرارها على معرفة مصير زوجها الذي اختفى في القاهرة في كانون الاول ديسمبر 1993 بعد حضوره اجتماعات للمنظمة العربية لحقوق الانسان. السيدة العمري كانت تلقت دعوة من منظمة العفو الدولية لحضور مؤتمر في باريس هذا الشهر، الا انها لم تستطع الحضور لان لها صغاراً في المدارس. وأرجح ان الرسائل التي تتلقاها الآن هي جزء من حملة منظمة العفو الدولية. قبل يومين تلقيت رسالة من السيدة العمري تنضح ألماً ويأساً، وهي تسأل كيف تحرك ضمير الصحافة للكتابة عن رجل اختارته مؤسسة عالمية لحقوق الانسان ضمن عشرة اشخاص جعلتهم مثالاً على موضوع "الاختطاف". وكانت السيدة كيخيا رفضت ان تلعب لعبة الادارة الاميركية بتحويل موضوع اختفاء زوجها الى حملة على ليبيا، وامتنعت عن الظهور على التلفزيون لاتهام ليبيا، الا ان موقفها الوطني قوبل بجحود في البلدان العربية المعنية، وهي لم تعد تطلب شيئاً سوى ان تعرف هل زوجها حيّ او ميت. السيدة العمري شرحت لي في رسالتها محاولاتها لابقاء ذكرى زوجها حيّة ثم شعورها بالألم والاحباط. وهي اكملت تقول: "... فوجئت منذ العاشر من هذا الشهر بوصول بطاقات ورسائل من مختلف انحاء العالم، بلغت اربعة آلاف رسالة خلال اسبوعين… شيء مخيف ومثير بالنسبة اليّ والى اولادي. فتحت معظم الرسائل ووجدتها من غرباء، من انكلترا، ومن كندا ومن اوروبا وغيرها… "يا أخي لم أجد اسماً عربياً واحداً يتعاضد ليس مع منصور، بل مع مبدأ حقوق الانسان. فرحت وشعرت بشعور لم اعهده من قبل. رسائل تشجعني ويؤكد لي اصحابها الوقوف مع كل مظلوم. اربعة آلاف رسالة خلال اسبوعين، جعلتني أكلم نفسي وأرسل رسائل وهمية الى كل عربي. "القضية ليست قضية منصور، بل هي قضية كل عربي، وكل مظلوم في العالم. وكم تمنيت ان ارسل رسالة مفتوحة الى كل عربي اذكره فيها بأن هناك عشرات الامثلة التي تؤكد ان التعاضد والكلمة الواحدة، يعطيان اثراً ونتيجة فورية. "أرى نفسي لا استطيع ان أناشد وحدي او استجدي او اطالب بالكشف عن الحقيقة. لقد فشلت. صوتي يا صديقي ضعيف وحده، ولا استطيع اجبار اصحاب الضمير، او اللاضمير على ان يضموا اصواتهم بالقوة، فنسيت الموضوع والتهيت بالرد على اكوام الرسائل المشجعة من غرباء حركوا مشاعري…". السيدة العمري امرأة عربية وطنية لم تشغلها مصيبتها الشخصية عن الانتباه الى ما يحدث في العراق، فختمت رسالتها بالحديث عن معاناة الشعب العراقي، وانتهت بالمطالبة من جديد ان تقف معها عشرة اصوات عربية ليقوى صوتها. وهي تستحق ان نقف معها كلنا، الا انني لا أضمن ان يقف معها عربي واحد، وان كنت واثقاً من ان قضية اختفاء منصور الكيخيا لن تموت، بل ربما عادت بقوة في الشهرين المقبلين، ومن مصدر رفضت الزوجة التعامل معه حتى الآن. الادارة الاميركية مصرّة على ان يسلّم المتهمان الليبيان في سقوط طائرة الركاب الاميركية فوق لوكربي للمحاكمة في هولندا. وهي تنسق مع بريطانيا لتشديد العقوبات على ليبيا في مجلس الامن الدولي في شباط فبراير المقبل، اذا لم يسلّم المتهمان. والحكومة الليبية التي فوجئت بموافقة الولاياتالمتحدةوبريطانيا الصيف الماضي على محاكمة المتهمين في بلد ثالث، اخذت تطالب بضمانات. ومع ان مثل هذا الطلب مفهوم، بل هو حق مشروع، فان الطلبات الليبية مستمرة، ما جعل مسؤولين في واشنطن ولندن يقررون ان النظام الليبي يماطل وانه لا يريد تسليم المتهمين في الواقع. وكان آخر ما سمعنا طلب ليبيا محاكمة رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ثم طلبها ان يشترك قضاة ليبيون في محاكمة المتهمين. ويبدو ان النظام الليبي لا يقدر مدى الاصرار الاميركي والبريطاني على محاكمة المتهمين، ومدى الضرر الذي سيصيب ليبيا من المماطلة، فإسقاط الطائرة كان جريمة بشعة راح ضحيتها 259 شخصاً في الطائرة و11 شخصاً على الارض. وكان بين القتلى 189 اميركياً، بينهم 35 طالباً جامعياً. واصبح الحادث اسوأ عمل ارهابي في تاريخ بريطانيا في ايام السلم. بكلمات اخرى المحاكمة ستجرى، وليبيا ستدفع الثمن اذا لم يسلم المتهمان، او اذا سلّما ودينا. وهنا تبرز قضية منصور الكيخيا، فالادارة الاميركية ستحركها عشية بدء نشاطها الديبلوماسي لتشديد العقوبات على ليبيا والسيدة العمري ترفض التعاون مع الاميركيين لانها وطنية، لا تزال تنتظر انضمام اصوات عربية الى صوتها. اما انا فواقعي، وربما كنت يوماً وطنياً قبل ان اكون واقعياً، الا انني من عمر وتجربة الآن ان انصح العقيد القذافي باغلاق ملف منصور الكيخيا قبل ان يفتح كما لا يريد. وهذا لا يعني تأييد اي اجراء اميركي ضد ليبيا فنحن نعارضه بشدة ونقف مع ليبيا، ولكن نقول ان تشديد العقوبات قادم اذا لم يتم الاتفاق على حل يرضي الطرفين.