ماذا حققت الضربة العسكرية الاميركية والبريطانية للعراق؟ أمامي تقارير عسكرية اميركية لا يتفق اثنان منها على رقم واحد، فتقرير يقول ان اقل من ثلث 97 هدفاً للضربة العسكرية دمّر، والجنرال انطوني زيني، قائد القوات الاميركية في الخليج يعلن ان 85 في المئة من الاهداف دمر او اصيب في حين ان تقريراً لوزارة الدفاع اوضح ان 43 هدفاً من اصل "مئة" هدف للغارات دمر او اصيب بأضرار بالغة ، وان 30 هدفاًَ أصيب بأضرار متوسطة، وان 12 هدفاً اصيب بأضرار خفيفة، و13 هدفاً لم يصب بالمرّة. ولا بد ان القارئ لاحظ ان تقرير البنتاغون تحدث عن مئة هدف لا 97 وانه اذا جمع الاهداف الواردة لطلع برقم 98 لا 97 او مئة. وفي حين اعترفت السيدة مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية، في برنامج تلفزيوني بأن من الصعب تقدير مدى الخسائر التي لحقت بأسلحة الدمار الشامل التي يملكها العراق، فان الجنرال زيني لم يجد ما يقول في مؤتمر صحافي سوى ان يؤكد ان اعضاء حزب البعث تركوا من دون مقر لهم يعملون منه، وان جنوداً عراقيين، باتوا في العراء بعد تدمير ثكناتهم. هل كان هذا هدف حرب الساعات السبعين؟ الرئيس كلينتون لن يقنع احداً مهما حاول بأن الضربة لا علاقة لها بالتصويت في الكونغرس لعزله. وفي الاهمية نفسها ان محاولات عزله لم تكتمل فصولاً بعد، فمجلس النواب حوّل قراره الى مجلس الشيوخ لمحاكمة الرئيس والمحاكمة قد تجري او قد يسبقها اتفاق على توجيه توبيخ رسمي الى الرئيس، ويغلق ملف فضائحه الجنسية بعده. السؤال هنا هل يعود الرئيس الاميركي الى ضرب العراق، مع افتتاح محاكمته في مجلس الشيوخ، او اذا تعقدت المفاوضات على مشروع قرار توبيخه؟ المسؤولون الاميركيون اكدوا، وهم يتراوحون في تقدير نجاح الغارات بين الثلث و85 في المئة، ان الضربة قد تتكرر، فهل تكون الادارة تركت نافذة مفتوحة لتعود الى ضرب العراق في كل مرة تتعقد فضائح الرئيس امام مجلسي الكونغرس؟ سنعرف الرد على هذا السؤال عندما يعود مجلسا الكونغرس الجديدان الى الاجتماع في السادس من الشهر القادم، اما اليوم فما نعرف هو ان الضربة اوقعت ازمة كبيرة مع روسيا، وعارضتها فرنسا والصين، ودول العالم كافة. وتعرضت الحكومة البريطانية ولا تزال الى حملة انتقاد متعاظمة لتأييدها الولاياتالمتحدة واصبح مصير التفتيش الدولي في مهبّ الريح. وفي حين أصرّت الادارة الاميركية على تأييد دول عربية الضربة، فإن هذا الكلام كان في صدق تقويم نتائج الغارات، لان الشعوب العربية والحكّام والحكومات عارضت الضربة بشدة، او لم تؤيدها. واعترفت جريدة "كريستيان ساينس مونيتور" المعتدلة بحقيقة الموقف العربي وسألت في تحقيق رئيسي عن اسباب الغضب العربي على الغارة، وربطت ذلك بتعثر عملية السلام. الربط الاصدق والاوضح هو بالموقف الاميركي المنحاز انحيازاً كاملاً لاسرائيل، واسراع الولاياتالمتحدة الى معاقبة اي دولة عربية او اسلامية السودان على ارهاب مزعوم، وباكستان على انتاج قنبلة نووية، ثم غضّ الطرف عن اسلحة الدمار الشامل في اسرائيل وعن جرائم اسرائيل المتكررة ضد الفلسطينيينواللبنانيين. وعبّر مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني كابو عن رأي كثيرين بالقول في بيان له: فيما كانت القنابل تتساقط على العراق لانهاء "تهديد" مزعوم لامن المنطقة، كانت اسرائيل تقصف جنوبلبنان من جديد فتقتل مدنيين لبنانيين. وعلى الرغم من اكثر من مئة غارة هذه السنة، فلم يجر انتقاد لهذه الاعمال، كما لا يوجد بحث في انسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية والسورية المحتلة…". واعودة الى نقطة تفرض نفسها عليّ عندما اكتب عن العراق واميركا، هي انه يصعب جداً الدفاع عن نظام الرئيس صدام حسين، فلا احاول، وانما ارجو ذهابه مع خوفي من انهيار العراق بعده، فهو لم يدمر البلد فقط، وانما دمّر اي خليفة محتمل له، ليبقى الناس مع "النحس" الذي يعرفون بدل المغامرة مع "نحس" مجهول. هذا نصف النقطة، اما نصفها الثاني، فهو ان الدفاع عن السياسية الاميركية في الشرق الاوسط اصعب من الدفاع عن صدام، فهي سبب البلاء المستمر من فلسطين الى العراق، وبالعكس. يكفي ان الرئيس كلينتون قال مبرراً الضربة العسكرية ان الرئيس العراقي وعد بعد الازمة السابقة بالسماح للمفتشين الدوليين بممارسة عملهم من دون اي عائق، ثم كذب وتراجع عن وعوده. كلينتون يتهم صدام حسين، او غيره بالكذب. لو كان كل من يكذب يقصف، لما بقي في البيت الابيض حجر على حجر