شهدت العاصمة الأميركية، أمس، حالة غير عادية بل غير طبيعية في حياتها السياسية، فبينما كانت صواريخ كروز والطائرات الحربية في طريقها إلى مواقع عراقية، كان أعضاء مجلس النواب، للمرة الثانية في تاريخ البلاد، يناقشون موضوع إطاحة القائد الأعلى للقوات الرئيس بيل كلينتون. وبدأ مجلس النواب صباح أمس، رغم معارضة الأقلية الديموقراطية، مناقشة التهم الأربع التي وجهتها اللجنة القضائية التابعة له الأسبوع الماضي، بخرقه الدستور تمهيداً للتصويت عليها اليوم السبت. وترأس راي لحود، النائب الجمهوري الأميركي من أصل عربي، جلسة الاتهام التي ظهر الانقسام الحزبي الكبير فيها واضحاً وحاداً. فليس مصير رئيس الولاياتالمتحدة على المحك فحسب، وإنما نظرة العالم إلى الدولة الكبرى الوحيدة التي تشن حرباً في العراق وتعمل في آن على إطاحة رئيسها في البيت الأبيض. ووجه اعضاء الأقلية الديموقراطية من النواب الاتهامات إلى زملائهم الجمهوريين بالعمل على الإضرار بالمصلحة القومية الأميركية وتثبيط عزيمة المقاتلين ضد العراق بإصرارهم على المضي في عملية الاتهام. ودافع الجمهوريون عن إسراعهم في طرح الموضوع بأن ما يقومون به، على حد تعبير رئيس اللجنة القضائية هنري هايد، هو اظهار أهمية الديموقراطية الأميركية أمام العالم، وبأنه ليس هناك ما يمنع المضي في العمليات العسكرية فيما يقوم الكونغرس بواجباته الدستورية. وأعطى آخرون حججاً أخرى منها ان عملية محاكمة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون تمهيداً لعزله تمت فيما كانت الولاياتالمتحدة تخوض الحرب في فيتنام. وفي بداية الجلسة، حذر رئيسها النائب لحود زملاءه من استخدام الكلام السيئ في المناقشة، سواء ضد الرئيس كلينتون أو ضد الأعضاء الآخرين، أو التحدث عن خصوصياتهم. وكان لحود يشير بطريقة غير مباشرة إلى المأزق الذي وقع فيه رئيس مجلس النواب المقبل روبرت ليفينغستون، الذي اعترف مساء الخميس أمام زملائه الجمهوريين بأنه لم يكن وفياً لزوجته وسبق له أن أقام علاقات جنسية مع عدد من النساء. وجاء اعترافه تحسباً لتسريب معلومات إلى الصحافة عن هذه العلاقات. وأكد ليفينغستون، الذي كان يفترض ان يرأس جلسات مجلس النواب وامتنع عن ذلك، أنه خان زوجته في مناسبات عدة، لكنه لم يكذب تحت القسم كما فعل الرئيس كلينتون. وعلى رغم اعترافه هذا، أكد الأعضاء الجمهوريون اختيارهم له رئيساً للمجلس. وسبق لليفينغستون ان صرح بأنه "مرشح لرئاسة المجلس وليس لكي يطوّب قديساً". واتفقت القيادتان الجمهورية والديموقراطية في المجلس، أمس، على تنظيم المناقشات، لتستمر 12 ساعة من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساء على أن تؤجل الجلسة إلى صباح اليوم السبت للتصويت على بنود الاتهامات. وأجرت شبكة "سي ان ان" استقصاء لآراء حوالى 430 نائباً أظهر ان 210 نواب يؤيدون اتهام الرئيس، علماً أن المطلوب 218 من أصل 435 نائباً لتوجيه الاتهام. وتوقعت أن يتمكن الداعون إلى اتهام الرئيس الحصول على أصوات ثمانية نواب آخرين. ولم يظهر الرئيس كلينتون، أمس، ولم يدلِ بأي تصريحات سواء بشأن العراق أو الأزمة الدستورية، لكن زوجته هيلاري ظهرت أمام الصحافة وأدلت بدلوها في دعم زوجها الرئيس كلينتون. وقالت: "ان الأميركيين يشاركونني الافتخار والموافقة على العمل الذي يقوم به الرئيس لبلادنا، وأعتقد ان هذا الرأي ليس محصوراً فقط بغالبية الأميركيين وحسب، بل بالناس حول العالم، كما شهدت ذلك خلال الرحلة إلى الشرق الأوسط". وأضافت انه "خلال مناسبات الميلاد وحانوكا ورمضان، علينا ان نمارس المصالحة، وان نوحد بلدنا وننهي الانقسام لأننا سنكون عندئذ قادرين على فعل الكثير"