رفعت حاجبي حين رأيتها علىّ وفي يدها الورود، لا بد أنني فتحت فمي أيضا لأن يدها ارتجفت وظلت عيناها على عينيّ طويلا، لكنها أخيرا قالت: - في أي حجرة يوجد مروان؟ لم أستطع ان أمنع نفسي حينها من الابتسام: - تعالي ورائي، هنا لا توجد سوى حجرة واحدة، لا بل حجرتان. كنا وصلنا أمام الباب المفتوح والاضاءة الخافتة تخرج لتنير الطرقة قليلا، انزحت من أمام الباب فتعلقت عيناه بالورود، ورود حمراء قانية لها أوراق خضراء شديدة الخضرة، ومحاطة بشريط سلوفان أبيض لامع يحكم الورق الشفاف الملفوفة فيه. يا الله كيف أتت بها ناضرة هكذا رغم انها لا بد سافرت مسافة طويلة. قلت: أطمئني هو بخير. تقدمت تنظر اليه وتتلفت في الحجرة قالت: - أريد شيئاً أضع فيه الورود. خرجت مسرعة لا بدأنها حيلة لتختلي به، حين يحدث أن يأتي هنا مريض يأتون ومعهم البرتقال واليوسفي في الشتاء أو العنب في الصيف، وابتسمت، وحدة على الطريق الصحراوي تشهد مجيئ الورود، لو لم يأت كنا سنتحدث طوال الليل، أقدم له اللبن الدافئ المحلي بالسكر، كنت سأضمد جراحه مرات، وأستعير منه سيجارة، عربة أنيقة، لا بد أنه كان ذاهبا الى الاسكندرية. دخلت أحمل "كوز" فارغ، كانت تجلس على الكرسي الخشبي لا حظت أن مكانه لم يتغير، تناولت الكوز وصبت فيه بعض الماء من الاناء الموجود بجوار السرير ثم حلت الشريط، وأطلقت الورود من إسارها ووضعتها في الكوز. شكل مضحك قلت لنفسي، حوائط بلا لون تقريبا لا تستطيع وضع يدك عليها من حرارة الشمس طوال النهار، وسرير حديدي قذر يرقد فوقه رجل مغيب وأرضية كالحة متسخة وورود حمراء بلون مغيب الشمس حين تضرب الحمرة السماء منذرة بالرحيل، تعجبت من صمتها، ناديته: - مروان، مروان، لقد بعثت أستدعى الدكتور طارق اذا لم يأت سأشير لأي عربة لتنقلك الى المستشفى الكبير ... أنت بخير. لماذا تفوت على الفرصة، دائما يكون هناك ليل طويل أتحدث فيه معهم بعدها أهلهم يصلون، إنهم في الليل يقولون أشياء مدهشة، تلك الحكايات التي اضحك عليها بعد ذلك أو أبكي. فزَّ من رقدته ودفع بدماء قانية في لون الورود من فمه فاحمرت الملاءة، جريت مسرعة وأحضرت زجاجة جلوكوز وعلقتها له، لعنت طارق، هرولت الى الخارج، الطريق خالٍ ولا أثر لعربة واحدة، عدت أهرول فتحت الثلاجة وأعطيته حقنة لوقف النزيف، رأيتها تداعب الورود الحمراء، جريت الى الخارج، لا أحد، عدت اليه مسست جبينه فوجدته كالثلج، ففعلت كما علموني قربت خدي من انفه حتى كاد يلمسه، رفعت يده وتحسست النبض، أتيت بملاءة جديدة غطيته بها ثم سحبته للحجرة الأخرى فيما كانت هي تنثر وريقات الورود الحمراء. * كاتبة مصرية