صناعة الإعلام من أغنى الصناعات وتشكل امبراطوريات مالية وإعلامية ذات نفوذ وتغلغل في مختلف الأوساط السياسية والاقتصادية والفنية وتملك تأثيراً في تشكيل ذهنية التقبل والرفض لمختلف الأشياء، إذ أن قوة الدعاية، كما يقول الناقد الاجتماعي ايفان ايلليتش، ساخراً: "جعلت العطش مرتبطاً على نحو مباشر بالحاجة إلى الكوكاكولا". وأخذت مجموعة من الماركات والأسماء في عالم الأزياء أو العطور أو السيارات أو الأفلام وغيرها تسود العالم وتطبع الأفكار الاجتماعية الخاصة بالأجيال الجديدة من الجنسين. يساعد ذلك استخدام الشركات المئة العالمية الكبرى لوسائل الدعاية والاعلان على نحو مكثف وبلغت موازنة صناعة الدعاية والاعلان في الولاياتالمتحدة 250 بليون دولار، فيما تنفق صناعة الأفلام الأميركية بالمتوسط 59 مليون دولار على الفيلم الواحد. وكانت تجربة دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا دافعاً لتوسيع عولمة شاشة التلفزيون، فشاهد ثلاثة بلايين ونصف البليون من سكان المعمورة الاحتفال بافتتاح الدورة الأولمبية في مدينة أتلانتا عام 1996. وبسبب القدرة الاحتكاية لسوق الإعلام التلفزيوني تحاربها هيئات مكافحة الاحتكار من دون جدوى كبيرة، فإن القنوات التلفزيونية الخمسمئة لا تحقق تنوعاً ولا منافسة، إذ يتم شراء حقوق نقل الفعاليات الرياضية على سبيل المثال من المسوقين العالميين للاعلانات وهي الشركات الكبرى التي تدعم نفسها الفرق الرياضية التي تنقل مبارياتها. وفي هذا المجال تسعى قناة "سكاي" التلفزيونية لشراء أغنى وأشهر النوادي الانكليزية، وهو نادي "مانشستر يونايتد"، لكن المشجعين يقاومون هذا المسعى. وتقول إحدى الصحف الألمانية في معرض نقدها جبروت الاعلان إن تسعين ثانية في اعلان تلفزيوني عابر للقارات تكلف ما يكلفه في المتوسط فيلم سينمائي أوروبي. وتقول مجلة "دير شبيغل" إن في "المانيا عشر شركات كبرى تنفق بمفردها ربع الانفاق الكلي على الاعلانات التلفزيونية". ويؤكد قوة هذه الشركات وتداخل صناعاتها مع قوة الاعلان عالمياً وجود 358 متمولاً في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه 5،2 بليون إنسان من سكان العالم يتحكمون بمصائر الشركات عبر الدمج أو الشراء، إذ أصبحت الشركات الصناعية العالمية تخطو خطوات ذات نتائج خطرة على الاعلام، فقد اشترت شركة "سوني" للالكترونيات شركة "كولومبيا بيكثرز" للأفلام، واشترت شركة "سيغرام" للمشروبات الغازية شركة "ام سي اي" التلفزيونية. وأصبحت لشركة "ديزني" محطة تلفزيون خاصة، كما يقوم الفرع التلفزيوني لديزني المسمى "بوينا فستا" بتمويل مسلسلات تلفزيونية، خصوصاً الكوميدية، مثل ألن، وهوم. واشترت شركة "نيوز كوربوريشن" التي يملكها امبراطور الإعلام الاسترالي روبرت مردوخ شركة "فوكس نت وورك"، وهذه بدورها اشترت حقوق نقل الدوري الوطني لهوكي الجليد في أميرما. ويملك مردوخ فرقاً لرياضات كرة السلة والبيسبول والكرة الأميركية. وافتتح فريق "مانشستر يونايتد" محطة تلفزيون رياضية خاصة به بعدما نجحت تجربته في تسويق وبيع ملابسه وشعاراته وصور لاعبيه وغيرها من منتجات تجارية ناجحة. أما المنطقة الواقعة بينم الخليج العربي وكوريا فيسيطر روبرت مردوخ عليها عبر محطة ارساله بواسطة الأقمار الاصطناعية "ستار تي في" الموجودة في هونغ كونغ، حيث تغطي أربع مناطق مختلفة يسكنها نصف سكان العالم عبر بث يأخذ في الاعتبار الاختلاف الزمني وبعد المسافة الجغرافية، تقوم به ست قنوات تقدم برامجها فتيات صينيات وهنديات وماليزيات ومن جنسيات أخرى. هذا الواقع الجبروتي للإعلان والدعاية والاعلام الذي يخدم السوق وبالعكس، يصنع العولمة الاعلامية المسيطرة التي تبث ما تريد من اتجاهات، الأمر الذي دفع باحثاً أميركياً في شؤون المستقبل إلى القول إن زغاريد مادونا ومايكل جاكسون أصبحت اذان النظام العالمي الجديد. وهناك ما يزيد على خمسمئة قمر اصطناعي تدور حول الأرض توحد المشهدين في العالم عبر ما تنقله على شاشات التلفزيون وتربط المشاهد الجالس على ضفاف نهر الدانوب بالمشاهد الجالس على ضفاف الامازون والمشاهد الجالس على ضفاف نهر الفولغا بالمشاهد الجالس على ضفاف النيل.