فاز الكولونيل السابق هوغو تشابث 44 عاماً في الانتخابات الرئاسية في فنزويلا التي جرت يوم الاحد 7 كانون الاول ديسمبر الجاري، وحقق نسبة 56 في المئة من مجموع اصوات الناخبين ليصبح بذلك اصغر رئيس لبلاده، وهو الهدف الذي فشل في تحقيقه بانقلاب عسكري قاده عام 1992 ضد الرئيس السابق كارلوس اندريس بيريث. وبعد عامين من السجن افرج عنه الرئيس كالديرا، الذي خلف اندريبيريث ليؤسس بعد الافراج عنه حزب "الجمهورية الخامسة"، ويعلن الكولونيل ان الهدف من تشكيل حزبه الجديد القضاء على النظام الحزبي القائم باعتباره سبب الفساد المستشري في البلاد. وحصل المرشح المستقل واستاذ الاقتصاد انريكي سالاس على نسبة لا تتعدى 39 في المئة، على رغم انسحاب مرشحو الاحزاب التقليدية التي قررت دعم المرشح المستقل حتى لا يصل الكولونيل الى مقعد الرئاسة، وينفذ برنامجه الانتخابي المعلن الذي تهدف اول بنوده الى الدعوة الى عقد جمعية تأسيسية لانجاز دستور جديد على أسس مختلفة عن النظام الحالي، والقضاء على الشكل الحزبي الثنائي الذي تناوب على حكم البلاد، وتسبب في الوضع الاقتصادي المتردي، واذا قام الكولونيل السابق بتنفيذ هذه الخطوة فهذا يعني اختفاء الحزبين الرئيسيين. يبدأ الشعب الفنزويلي، بعد هذه النتيجة، مغامرة جديدة في تاريخه، ربما تكون محفوفة بالمخاطر نظراً للخبرة السياسية الضحلة التي يتمتع بها الرئيس الجديد، ويدل عليها برنامجه الانتخابي الغامض، الذي يحتوي على شعارات اكثر من احتوائه على نقاط عمل محددة. ويبدو هذا البرنامج كنوع من "المانفستو" اليساري الثوري، يؤكد فيه الكولونيل الانقلابي السابق ايمانه بنظرية "الطريق الثالث" التي يدعو اليها رئيس الوزراء البريطاني العمالي توني بلير، وهي نظرية تحاول ان توفق بين السوق المفتوحة ورقابة الدولة للحفاظ على حد ادنى يحمي الجماهير في مواجهة سيطرة رأس المال. من الوعود التي قطعها الرئيس الفنزويلي الجديد على نفسه، خلال الحملة الانتخابات، ان تستعيد الطبقة العاملة قدرتها الشرائية خلال سنوات قليلة، وذلك من خلال عدد من القوانين لم يحدد نوعيتها، ولا كيفية تطبيقها. وطالب ايضاً بإقامة عدد من التنظيمات الشعبية شبيهة بتنظيمات الثورة الكوبية لمراقبة العمل السياسي بشكل مباشر، وايضا ان تكون هناك محاكم شعبية تكون السلطة الرئيسية التي تنظر في قضايا الرشوة والفساد. ودعا بشكل واضح الى اقامة علاقات "ممتازة" مع الولاياتالمتحدة، لأنها المشتري الرئيسي للنفط الفنزويلي، إضافة الى سيطرتها الواضحة على الانظمة الحاكمة في منطقة وسط اميركا اللاتينية وجنوبها، باعتبارها احتكاراً خاصاً بالسياسة الخارجية الاميركية منذ زمن الحرب الباردة. ويرى البعض ان التحول ربما يسفر عن إقامة نظام حزبي جديد يحد من الفساد في البلاد الذي تسبب في خسارة الطبقة المتوسطة 70 في المئة من قدرتها الشرائية خلال العشرين عاما الماضية، وتعاني من ثلاث أزمات اقتصادية في السنوات الخمس الاخيرة، حتى اصبحت فنزويلا احدى افقر الدول في اميركا اللاتينية على رغم انها احدى الدول الرئيسية المصدرة للنفط. ويرى بعض المراقبين ان وصول الكولونيل السابق الى الرئاسة ليس مغامرة ولم يكن وليد المصادفة، ولا بسبب الشعارات الرنانة التي كان يلقيها هنا وهناك اثناء الحملة، التي بدأت مع الانتخابات المحلية الشهر الماضي، بل ان الحزبين الرئيسيين - حزب العمل الديموقراطي اليميني وحزب يمين الوسط الديموقراطي المسيحي - كانا السبب الرئيسي في توجه الناخبين الى انتخاب هذا البديل، على رغم ماضيه الانقلابي القريب، لانهما حكما فنزويلا بالتناوب طوال اربعين عاما، عم فيها الفساد وانتشرت البطالة وتضم عدد الفقراء في البلاد. ويرى المراقبون السياسيون ان الرئيس الجديد لا بد ان يواجه عدة مشاكل رئيسية، اولها وقف التدهور في الوضع الاقتصادي الذي ازدادت حدته خلال الاشهر الاخيرة بسبب انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية، وأدى الى انخفاض دخل فنزويلا من 17 بليون دولار الى 11 بليوناً، وثانيها وضع قوانين جديدة للضرائب تجبر رجال الاعمال والشركات الاجنبية على دفع ديونها المتراكمة منذ سنوات، وتقدر سنوياً بما يزيد على 4 بلايين دولار، والتي كانت السبب في عجز الموازنة العامة، وعجزها عن تغطية الخدمات العامة. ويرى المراقبون ان الاستفتاء الشعبي على الدعوة الى جمعية تأسيسية لإجراء تغييرات اساسية في الدستور والنظام السياسي القائم في فنزويلا يعتبر الطريق الوحيد نحو الخروج تدريجيا من الأزمة الراهنة. لكن هذا الطريق - في رأيهم - تحيط به عدة اخطار رئيسية، اولها ان الدعوة الى عقد جمعية تأسيسية يعني سلب البرلمان الحالي، الذي لا تزال الاحزاب التقليدية تتمتع فيه بغالبية واضحة، سلطته وتجريده من دوره التشريعي. ومثل هذه الخطوة يمكن ان تحتوي على مخاطر منح الرئيس سلطات واسعة تجعله اقرب الى الدكتاتورية منه الى رئيس دستوري. وثانيها قبول العسكريين لأي نظام جديد تتوصل اليه الجمعية التأسيسية، خصوصاً وان بين صفوف القوات المسلحة جنرالات يرتبطون بعلاقات حميمة مع الاحزاب القديمة والقوى الاقتصادية الرئيسية والمؤثرة في البلاد، وبعضها يعرف انه الهدف الرئيسي للرئيس الجديد، الذي يتطلع الى التخلص من عدد من تلك القيادات التي رفضت الانضمام اليه في انقلابه العسكري الفاشل عام 1992. وعلى رغم هذه التحفظات هناك مؤشرات تدل على ان الكولونيل السابق قام في الخفاء بإجراء اتصالات مع مختلف القوى الاقتصادية الوطنية والاجنبية المؤثرة، حاول خلالها طمأنتها على استثماراتها، وإمكان سحب اموالها من دون عوائق اذا رغبت في ذلك. ويدلل المراقبون على هذا، بأن عدداً كبيراً من اصحاب الشركات المحلية والاجنبية تبرعوا لحملته الانتخابية، بعد ان بيّنت كل استطلاعات تقدمه على منافسيه في الحملة الانتخابية. وربما كان هذا هو السبب وراء ارتفاع الاسهم في بورصة كاراكاس في اليوم التالي لإعلان نتائج الانتخابات