منذ ايام دراستي الثانوية في اواخر الثلاثينات ومطلع الاربعينات، كانت هناك اقتراحات متكررة بضرورة وجود شرطة دولية تتصدى لاعمال العنف والظلم والنزاعات على الصعيد الدولي. وجرى الاقرار عادةً بانه لا يتوقع لقوة كهذه ان تملك القدرة او تُناط بها مهمة التعامل مع نزاعات كبيرة بين دول متخاصمة قوية وعزومة مثل تلك التي ادت الى الحرب العالمية الثانية وشملت القوى العظمى في العالم. لكن عشرات النزاعات - الداخلية والعالمية على السواء - تهدد في اي لحظة بان تُفجّر نزاعات دموية اكبر او تبقى مشتعلة طوال سنوات من دون تسوية. وتتبادر الى الذهن النزاعات والصدامات الاتنية والقومية في يوغوسلافيا السابقة، والمسألة الايرلندية المستديمة، والنزاع الفلسطيني الاسرائيلي، وموجات "الارهاب" التي تعكّر الهدوء والسكينة في اجزاء مختلفة من العالم. ويتركز الاهتمام الدولي في الوقت الحاضر، حسب ما يبدو، على الاسلوب الافضل للرد على اعمال ارهابية مثل تفجير السفارتين الاميركيتين في افريقيا. وفي الواقع، ردت الولاياتالمتحدة بتوجيه ضربات جوية ضد اهداف منتقاة في افغانستان والسودان. ولقيت هذه الضربات إشادة من بعض البلدان، ومعارضة بلدان اخرى، مع تساؤل عام عما اذا كانت مثل هذه الاجراءات العقابية هي فعلاً مسؤولية وصلاحية أي قوة بمفردها. وفي بعض الحالات، مثل احتلال صدام حسين للكويت عام 1990، يبدو ان الولاياتالمتحدة وحدها كانت تملك القوة العسكرية والمرونة التكتيكية والصدقية السياسية لمواجهة احتلال صدام. في تلك الحالة، سعى الرئىس جورج بوش بحكمة الى الحصول على موافقة ودعم المجتمع الدولي كله تقريباً، بما في ذلك العالم العربي، قبل ان يشن الحرب على صدام. لكن هناك امثلة كثيرة على اعمال عنف وظلم تستدعي القيام بتدخل خارجي عندما يبدو انه لا توجد اي دولة مستعدة او قادرة على قيادة التحرك. ولا يريد الرأي العام الاميركي قطعاً ان تتولى الولاياتالمتحدة بشكل دائم وتلقائي مهمة ارسال شرطة دولية رداً على حدوث مشاكل. وتزداد صعوبة الحصول على تأييد شعبي في اي بلد لزج قواته المسلحة - خصوصاً القوات البرية - للقيام بمهمة التصدي لمعتدين وقتلة ومسببي مشاكل. وحتى ديكتاتور وحشي وبغيض مثل الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش لا يدفع الحكومات على ارسال قواتها لملاحقته اذا كان ذلك يعني سقوط قتلى من شبابها. احسب ان الحرب لا تزال العوبة اشرار يعوزهم حس المسؤولية مثل ميلوسيفيتش، لكنها ليست الفعل المفضل او حتى المقبول بالنسبة الى معظم الشباب حول العالم - او لعائلاتهم. وفي مرات كثيرة خلال العقدين الماضيين اثناء التدريس في جامعات اميركية، كان احد الطلبة يسألني لماذا لا نلاحق صدام حسين او ميلوسيفيتش او اسامة بن لادن مرتكبي جرائم الابادة في رواندا. وعندما كنت اطلب حينها من الطلبة المستعدين للمجازفة بارواحهم في مثل هذه الحملة ان يرفعوا ايديهم، يندر ان تجد يداً مرفوعة. واتوقع ان يحصل المرء على النتيجة نفسها وسط طلبة في الهند او روسيا او فرنسا او المكسيك. ومع ذلك، يدرك معظمنا ان هناك حاجة الى قوة دولية على مستوى جيد من التجهيز والتدريب تكون مستعدة للتعامل بحزم وفاعلية مع بؤر الاضطراب حول العالم. وقد حان الوقت لتقوم الاممالمتحدة، بدعم نشيط من الولاياتالمتحدة، بتشكيل مثل هذه القوة وإدامتها. وينبغي تشجيع اكثر ما يمكن من البلدان لامداد مثل هذه القوة، التي يمكن ان يبلغ قوامها 50 الف رجل، بالجنود. ويفترض ان يكون هولاء كلهم متطوعين يبدون استعدادهم للمشاركة في عمليات قتالية تحت قيادة دولية. ويميل بعض الاميركيين، لاسباب سياسية احياناً، ولاسباب ترجع الى مشاعر غرور قومي احياناً، الى التأكيد بانهم لن ينفذوا اوامر اي قائد إن لم يكن اميركياً. هذا هراء. فالجنود الاميركيون قاتلوا ببسالة وبصورة جيدة في ظل قيادة دولية في الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية على السواء. وسيقاتلون بدرجة لا تقل بأساً تحت قيادة جنرالات من بلدان اخرى. فنحن لا نحتكر النبوغ العسكري. وينبغي بلا شك ان يجري تغيير القائد الاعلى لهذه القوة من حين الى آخر والتناوب على إشغال هذا الموقع للاستفادة من الخبرة والتنوع في المجتمع الدولي. وستبرز الحاجة الى طائرات ومروحيات ودبابات ومدفعية وآليات وامدادات ومعلومات استخبارية - وبعض الموارد البحرية وسفن انزال. ويمكن للدول المشاركة ان تبحث الجوانب المتعلقة بامداد الموارد وتشغيلها، مع الاستفادة من افضل قدراتها. ولابد من التمسك دائماً بمبدأ الطوعية. فالمطلوب هو قوة تتألف من رجال مهنيين يؤمنون باهمية وجود شرطة دولية تمتاز بنوعية رفيعة وتكون متأهبة. اما اولئك الشباب الذين لا يملكون اي حماس لاداء مثل هذه الخدمة - ربما يشكلون غالبية شبيبة العالم - فينبغي غض النظر عنهم. ويُتوقع ان تساهم كل البلدان في تقاسم كلفة هذه القوة كجزء من موازنة الاممالمتحدة. وسيكون مجلس الامن بعد توسيعه، ليعكس بدرجة افضل العالم كما هو عليه في الوقت الحاضر، قادراً على النهوض بمسؤولية الاشراف على الشرطة الدولية وتقرير مهماتها. * المرشح الديموقراطي للرئاسة في انتخابات 1972. حالياً سفير الولاياتالمتحدة الى وكالة الغذاء والزراعة الدولية في روما