بدأت عملية الاصلاح الاقتصادي في مصر عام 82، عندما دعا الرئيس حسني مبارك الى مؤتمر اقتصادي يضم جميع التيارات لصوغ برنامج يمكن من خلاله انقاذ ما يمكن انقاذه، إذ كانت وضعية الاقتصاد في هذا الوقت سيئة للغاية فمعدل النمو كان اقل من 2 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، والمدخرات المحلية متواضعة تمثل 12 في المئة، فيما كانت نسبة الزيادة السكانية تصل الى 3 في المئة، ووصل العجز في الموازنة الى 25 في المئة من اجمالي الناتج المحلي مما اضطر الحكومة الى طبع نقود اضافية اوصلت معدلات التضخم الى 27 في المئة. وفي ما يتعلق بالبنية التحتية كانت مدمرة تماما، وتوقفت عمليا بسبب الحروب الاربع التي خاضتها البلاد في اقل من ربع قرن 48 - 56 - 67 - 73 كما انهارت الخدمات الاجتماعية والتعليمية والثقافية التي احبطت الشباب وحضتهم على اعتناق افكار واهية، ما خلق صدعاً في التركيبة الاجتماعية للشعب المصري. وخطت الحكومة منذ مطلع التسعينات خطوات جادة نحو تنفيذ سياسات لإصلاح الاقتصاد بنظام آليات السوق، وعمدت الى تحرير اقتصادها كي تتمكن من متابعة المتغيرات الاقليمية والدولية. وارتكزت تلك السياسات على منهج أساسي قوامه برامج مرحلية للاصلاح، تهدف أساساً الى زيادة دور القطاع الخاص بعد ما كان هامشياً في الماضي، ومحاولة تحقيق التوازن الداخلي عن طريق زيادة مساهمة الناتج السلعي، خصوصاً الصناعي منها، في اجمالي الناتج المحلي، وبدأت مصر بالفعل أولى خطواتها في هذا الصدد من خلال تبني برنامج طموح للاصلاح خطا أولى خطواته العام 1991. وانتهت مرحلتاه الأولى والثانية بنجاح كبير. والثالثة جاري تنفيذها. وكانت اهداف الاصلاح في ظل هذه الملامح تتمثل في وجوب تحرير السوق المحلية، وتحرير القطاع العام من ملكية الحكومة وتشجيع القطاع الخاص ليلعب دورا مهما في عملية التنمية، والاهتمام بالقطاعات الفقيرة في المجتمع واقناعهم بعملية الاصلاح من دون المساس بحاجتهم الاساسية خلال التنفيذ. وأهمية ان تستفيد مصر من الدعم الاجنبي للخطوات التي تقرها لتأمين عملية اندماج الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي تدرجا من خلال الاستشارات الفنية والمساعدات والمعونات. وبعدما اقر الخبراء هذه الاهداف كانت اهمية تحديد اولوية وتوقيت التنفيذ لهذه البرامج محل خلاف بينهم، وكانت وجهة النظر الدولية تنفيذ جميع البرامج في آن الا ان الحكومة رأت اتباع المنهج التدرجي على اساس ان الطبقة الفقيرة من الشعب ستزداد معاناتها وكانت البداية شاقة ومخيفة بسبب الخوف من عدم نجاح البرنامج وحدوث انتكاسة اجتماعية. لكن مصر نجحت في قيادة السفينة على مهل بأمان، ومن الخطوات الجادة والتي نفذت في السنوات السبع الاخيرة اعادة تنظيم سوق رأس المال وتطوره، وكان لصدور القانون رقم 95 عام 1992 ولائحته التنفيذية بداية مرحلة انطلاق واسعة في السوق وظهور هيكل متكامل من المؤسسات المالية المتنوعة التي تعمل على تطبيق النظم والتقنيات الحديثة في اطار مبادئ العدالة والكفاءة. وفي الوقت نفسه قررت الحكومة توسيع قاعدة الملكية في بنوك القطاع العام وشركات التأمين وأقر مجلس الشعب "البرلمان" قراراً بذلك وسيطرح قريبا مصرفاً وشركة تأمين للبيع، وفي ما يتعلق بتطوير الجهاز المصرفي تقرر ادخال تعديلات جوهرية على القوانين المنظمة للقطاع بما يتوافق والاوضاع الاقتصادية العالمية. وتم تشكيل لجنة إعداد قانون جديد للبنوك والائتمان وإجراء التعديلات المطلوبة على القانون الحالي، وفقاً للتطور الاقتصادي الراهن. وتقوم اللجنة بدمج قوانين عدة هي القانون الرقم 163 لسنة 1975 وتعديلاته، والقانون 130 لسنة 1975، وقانون سرية الحسابات في البنوك الرقم 205 لسنة 1990. وفي اطار تطوير القوانين المنظمة للمصارف بدأت لجنة أخرى تضم لفيفاً من الخبراء في اعداد مشروع قانون يقضي بزيادة اختصاصات البنك المركزي ونقل تبعيته الى رئاسة الجمهورية، على غرار المؤسسات المهمة مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، وإطلاق يد المركزي في ادارة السياسة النقدية، كما يؤكد التشريع الجديد أن يكون تعيين محافظ المركزي ونائبه بقرار جمهوري لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد، على أن يشترط فيهما التفرغ لأعماله. وفي الإطار نفسه وضع نظام أساسي جديد لاتحاد البنوك بنقل تبعيته من وزارة الشؤون الاجتماعية الى وزارة الاقتصاد. واطلق النظام الجديد يد الاتحاد في إبداء الرأي في مشاريع القوانين واقتراح تعديل التشريعات القائمة التي تتعلق بالعمل المصرفي، وتؤثر فيه، وتسوية ما قد ينشأ بين أعضاء الاتحاد من خلافات عن طريق التوفيق أو التحكيم ورفع مستوى المهنة المصرفية في مصر وتحديثها، وتوثيق التعاون بين الاتحاد والسلطة النقدية للتنسيق بين السياسات المصرفية والنقدية. المرحلة الثالثة للاصلاح بدأت مصر تحديد معالم أهداف المرحلة الثالثة من الاصلاح الاقتصادي وأعلنت الحكومة البدء في تنفيذ مشاريع عملاقة تغير من الخريطة الاقتصادية مثل توشكي، وشرق العوينات، وترعة السلام في سيناء وشرق بورسعيد وشمال خليج السويس. واتجهت الحكومة الى تبسيط الاجراءات الادارية وإزالة المعوقات أمام الاستثمار، ويمكن ايجاز الانجازات التي تم اتخاذها في هذا الصدد في: - التأسيس الفوري للمشاريع وفقاً للأنشطة الواردة بقانون 8 لسنة 1997، من دون حاجة لاستصدار موافقات. - تخصيص أراضي المشاريع الصناعية بالمجان في المناطق الصناعية في محافظات الصعيد بدءا من محافظة بني سويف وحتى الحدود الجنوبية للبلاد، على أن تتحمل الدولة كلفة توصيل المرافق الى هذه المناطق ويتم تحرير عقود تمليك الأراضي خلال ثلاث سنوات بعدما يتم تشغيل المشروع وبدء إنتاجه. - تخفيض نسبة المسدد من رأس مال الشركات المساهمة قبل التأسيس الى 10 في المئة. - تبسيط اجراءات الموافقة على تحويل المصانع القائمة الى مناطق حرة خاصة لتشجيعها على زيادة صادراتها وهو ما انعكس في شكل واضح في زيادة عدد المشاريع المحولة للعمل بنظام المناطق الحرة الخاصة. - فتح باب التشغيل لحساب الغير في المشاريع المقامة بنظام المناطق الحرة من دون حدود. - السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في مجال إنشاء المطارات ومحطات القوى الكهربائية وإنشاء الطرق السريعة المميزة واستغلالها. - مد فترة الاقامة الممنوحة للمستثمرين الاجانب من ثلاث الى خمس سنوات قابلة للتجديد. - منح، إقامة موقتة لمدة ستة اشهر للمستثمرين غير المصريين من اتخاذ إجراءات قيد الشركة في السجل التجاري، وكذلك لوكيل المؤسسين الأجانب حين صدور الموافقة النهائية للمشروع المقدم للعمل بنظام المناطق الحرة. - اطلاق الحق لغير المصريين في تملك عقارين في البلاد بقصد السكن من دون تحويل نقد أجنبي وبمساحة تصل الى 4000 متر مربع، لكل عقار وذلك دون الاخلال بحق تملك العقارات اللازمة لمزاولة النشاط الخاص المرخص به من السلطات المختصة. - إعفاء الأسهم والسندات وصكوك التمويل وأوراق المال من ضريبة الارباح الرأسمالية تشجيعاً للقطاع الخاص على زيادة نصيبه في ملكية شركات قطاع الأعمال العام دعماً لسياسة الدولة في مجال التخصيص وانعاشاً لسوق أوراق المال. - السماح بزيادة نسبة ما يملكه غير المصريين في رؤوس الأموال المصدرة للبنوك المشتركة والخاصة أكثر من 49 في المئة على أنه لا يجوز لأي شخص طبيعي أو اعتباري أن يمتلك بغير الميراث ما يجاوز 10 في المئة من رأس مال أي بنك إلا بموافقة البنك المركزي. - السماح لغير المصريين بمزاولة نشاط التصدير. واخيراً جاء صدور قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الرقم 8 لسنة 1997 ليجمع كل المزايا والحوافز الموجودة في القوانين المتعلقة بالنشاط الاقتصادي وضمها في قانون واحد ليسهل الحصول على المزايا وضماناً لإزالة التعارض بين القوانين المنظمة للنشاط. وايقنت مصر أن التحول المدروس والواعي الى مزيد من اقتصادات السوق يتطلب إعطاء الدور الأكبر في تحقيق التنمية الى القطاع الخاص استثماراً وإنتاجاً في مختلف المجالات حتى تلك التي كانت تضطلع بها الحكومة وحدها مثل مشاريع البنية التحتية من طرق ومطارات وموانئ ومحطات قوى، وبحيث يقتصر دور الحكومة على القيام بالخدمات الاساسية والاستراتيجية ومشاريع البنية التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها أو يحجم عن الدخول فيها. ومن المقرر أن يقوم القطاع الخاص بتنفيذ نحو 69 في المئة من اجمالي الاستثمارات في خطة 98/99 مقابل 17 في المئة في السبعينات وزاد نصيبه من 20 الى 65 في المئة من مشاريع التنمية و73 في المئة من الناتج المحلي. مشاريع عملاقة تلاقي المشاريع العملاقة التي تطرحها الحكومة إقبالاً من جانب المستثمرين، إذ تم تأسيس 7 شركات في توشكى برأسمال مصدر قدره 315 مليون جنيه وبكلفة استثمارية 2،2 بليون جنيه وتوفر نحو 3 آلاف فرصة عمل، والبدء في استزراع 540 ألفاً في المنطقة نفسها كمرحلة أولى واستصلاح 200 ألف فدان في سيناء، اضافة الى 400 ألف فدان ترويها ترعة السلام. وبالنسبة الى خليج السويس تم تأسيس 17 شركة برأس مال مصدر قدره حوالى بليوني جنيه وبكلفة استثمارية 3،4 بليون توفر ألفي فرصة عمل، وفي شرق العوينات تأسست 3 شركات برؤوس أموال مصدرة قدرها نحو 41 مليون جنيه كلفتها الاستثمارية 152 مليون جنيه توفر نحو ألف فرصة عمل. وتحتل مشاريع البنية التحتية نصيبا في استثمارات القطاع الخاص، إذ تم تأسيس شركة لإقامة محطة كهرباء في سيدي كرير، كما تأسست شركة لإقامة وإنشاء مطار مرسى علم، وأخرى لمطار العلمين. اضافة الى شركات عدة تعمل في مجال تحلية المياه وأخرى لمد البنية والمرافق الى مناطق شرق بورسعيد وشمال خليج السويس، وأكثر من شركة للعمل في مجال اقامة محطات للاتصالات السلكية واللاسلكية. وتؤكد الحكومة المصرية أن الشركات العالمية يمكنها الاستفادة من الوضع المميز في البلاد والذي يتمثل في: * سوق محلية قوامها 63 مليون نسمة بالاضافة الى قربها من أسواق الشرق الاوسط وشمال افريقيا والذي تربطها به شبكة طرق حديثة. * بنية تحتية حديثة وممتدة في كل انحاء البلاد وتشمل مطارات وموانئ ومواصلات واتصالات، ومرافق من مياه وكهرباء وطرق. * استثمارات قدرها 514 بليون جنيه في خطط التنمية منها 243 بليوناً للبنية التحتية و223 بليونا للانتاج و48 بليونا للخدمات. * زيادة المساحة المأهولة من أرض مصر من 5 إلى 25 في المئة. * انفاق 14 بليون جنيه على المرافق في المدن الجديدة مع نهاية سنة 2000 تستوعب أكثر من 5 آلاف مصنع لتوفير نصف مليون فرصة عمل. * تمويل 11 ألف مشروع صغير غيرت صورة الحياة في الريف. شهادات دولية نتيجة ذلك توالت شهادات المؤسسات المالية العالمية مؤكدة نجاح برنامج الاقتصاد والمناخ المواتي، واطلق الخبراء المصريون مقولتهم ان مصر تفكر في ما بعد الاصلاح بعد اجتياز مرحلة الاصلاح. وبالنظر الى العام 98 نجد ان المعدلات مطمئنة، اذ وصل معدل النمو الى 3،5 في المئة، ويتوقع ان يصل إلى 7 في المئة سنة 2001، وانخفض معدل الزيادة السكانية الى 8،1 في المئة وانخفض العجز في الموازنة الى 4،1 في المئة. وفي ما يتعلق بالديون الخارجية انخفضت الى 28 بليون دولار وباتت في وضع امن وينتظر انخفاضها الى 18 بليونا سنة 2001، كما ان وضعية المركز المالي للبلاد جيدة، إذ بلغ اجمالي رساميل المصارف العاملة في البلاد 6،10 بليون جنيه في حزيران يونيو الماضي مقابل 7،7 بليون العام الماضي، وزاد حجم الايداعات في المصارف من 175 بليوناً عام 97 الى 216 بليوناً عام 98. وعلى رغم انخفاض دخل مصر بنحو 4 بلايين دولار بسبب انخفاض عائدات السياحة والنفط وزيادة الواردات الا انه امكن تعويض ذلك بموارد اخرى، في الوقت الذي وصل الاحتياط النقدي في المركزي المصري الى 212،20 بليون دولار وهو ما لم يحدث سابقا، ويغطي الاحتياط واردات البلاد لمدة 16 شهراً، وانخفض معدل التضخم من 8،4 في المئة الى 6،3 في المئة، وبلغت جملة الاستثمارات المنفذة في البلاد نحو 4،19 بليون دولار مقابل 10 بلايين عام 91، وتعكف الحكومة حاليا على تنشيط الصادرات وتشجيع التعاون مع الدول الافريقية والاسيوية الى جانب تفعيل المشاركة الاوروبية والاميركية للوصول بحجم هذه الصادرات الى نحو 12 بليون دولار سنة 2000.