احيى "الدمشقيون" والمركز الثقافي الالماني "غوته" في العاصمة السورية الذكرى المئوية الاولى لزيارة القيصر الالماني غليوم الثاني الى دمشق في العام 1898. وتمثل الاحتفال بمحاضرة القاها الدكتور جورج جبور بحضور اعضاء من جمعية اصدقاء دمشق وبعض المهتمين، يوم الثامن من تشرين الثاني نوفبر وهو اليوم نفسه الذي القى فيه غليوم الثاني كلمته في دمشق، قبل مئة عام، وعرفت باسم "بيان دمشق" وكان لها اثر مهم في رسم العلاقات الالمانية - الاسلامية آنذاك، اذ خاطب القيصر العالم الاسلامي من دمشق، وكانت منبراً اقليمياً، كما يقول جبور. كانت دمشق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تتأهب للنهوض والسلطات العثمانية تجري اصلاحات متعددة بعد انسحاب جيش ابراهيم باشا منها، وبدأت تطرح فكرة المساواة بين المواطنين بما عرف بپ"الخط الهميوني". وحاولت الدولة العثمانية تطبيقها حتى يقبلها الاوروبيون في منظومتهم، وكانت حينها اول دولة غير مسيحية في عداد الدول المتمدنة. ثم اتى وضع الدستور العام 1876 مترافقاً مع انشاء مدارس رسمية في المدن على يد والي دمشق مدحت باشا عرفت باسم "المدارس الرشيدية". اما الصداقة التركية - الالمانية فقديمة، وتوطدت العام 1882 مع ايفاد بعثة عسكرية المانية لتحديث الجيش التركي. وعندما اصبح غليوم الثاني قيصراً في المانيا، سعى الى فتح آفاق جديدة لبلاده. ولم ينحصر اهتمامه بالسياسة الاوروبية، وصيانة وحدة المانيا. وبهذا خالف آراء بسمارك وجابهه حتى استقال الاخير من حكومة المانيا. وبدأ غليوم الثاني توسعه الاستعماري، وتجسد التوسع عربياً في اربعة محاور اوردها الدكتور جبور في محاضرته وهي: "انشاء خط حديد برلين - بغداد، زيارته بلاد الشام، اقامة الخط الحجازي، زيارته طنجة". واحتلت وقائع زيارة القيصر الالماني الى بلاد الشام حيزاً مهماً في كتب التاريخ العربية، وظهر اكثر من مؤلف تناولوا تفاصيل الزيارة بدقة، ومنهم الصحافي خليل سركيس الذي رافق الزيارة ووثق وقائعها في كتاب صدر العام 1898 واعيد طبعه في دمشق خلال السنتين الاخيرتين. ومما يذكره سركيس عن رحلة غليوم انها استغرقت خمسة وعشرين يوماً في بلاد الشام، زار خلالها حيفا ويافا والقدسودمشق وبيروت وبعلبك. واكتسبت زيارته لدمشق ميزات خاصة، اذ بدأ اهالي دمشق وحكامها يحضّرون لمراسم الاستقبال قبل ثلاثة اشهر من موعد وصول القيصر، فحسنت البلدية بعض البيوت الدمشقية مثل منزل عبدالله العظم ومنزل نورالدين الشهيد، واقامت الحكومة سوراً حول نهر بردى في ساحة المرجة، وتنافس احمد باشا الشمعة مع عبدالرحمن باشا اليوسف على استضافة القيصر، لكن والي دمشق ناظم باشا قرر استقباله بدار "المشيرية" مكان قصر العدل اليوم. وفي السابع من شهر تشرين الثاني 1898 وصل القيصر الالماني الى دمشق، قادماً من القدس مع زوجته. ولقي في استقباله حشداً شعبياً ورسمياً لم يشهده الا يوم تتويجه كما قال القيصر حينها. واثناء تجواله في دمشق زار الجامع الاموي وضريح صلاح الدين وبيت عبدالله العظم ومنزل جبران شامية مدرسة البيزنسون الآن حيث كان نزل والده قبل ثلاثين عاماً، وفي آخر النهار استعرض خمسة آلاف جندي في ساحة المرجة. والقى غليوم الثاني كلمته المشهورة التي يعتبرها المؤرخون "اول تعامل اوروبي جدي مع العالم الاسلامي على الصعيد السياسي"، واعرب فيها عن سروره بما شاهده في الشام من مظاهر التوجيب والاحترام، مبدياً محبته للسلطان عبدالحميد خان والثلاثمئة مليون مسلم الموزعين في قطعات الارض والمرتبطين بالسلطة العثمانية. وفي اليوم الاخير لزيارته توجه القيصر الى الصالحية، وكانت بنيت له "المسطبة" ليرى دمشق منها، وتقبل هناك هدايا كثيرة من مصنوعات الشام والتحف الحريرية من بلدية حماة ووجهاء دمشق، وقدم هو ايضاً بعض الهدايا لهم. وارسلت زوجة القيصر اكليلاً مرصعاً بالذهب والفضة لوضعه على ضريح صلاح الدين الايوبي، لكن هذا الاكليل نهبه لورنس العرب في العام 1918 واهداه للمتحف البريطاني. وفي سياق محاضرته اقترح الدكتور جبور على المهتمين بشؤون دمشق السعي الى استرجاع الاكليل الى دمشق، او جلب نسخة عنه الى الاقل، كونه هدية لسورية ومن حقها الاحتفاظ به.