يعاود رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود اليوم الإستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية تتولى تشكيل الحكومة الاولى في عهده، بعدما قبل اعتذار الرئىس رفيق الحريري عن عدم قبوله المهمة، في ضوء نتائج الإستشارات الأولى التي أجريت الأسبوع الماضي. وصدر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية البيان الآتي: "إستناداً إلى أحكام الفقرة الثانية من المادة ال53 من الدستور، وبعد الإستشارات النيابية الملزمة التي أجراها فخامة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود بتاريخ 26 و27/11/1998، دعا دولة رئىس المجلس النيابي نبيه بري وأطلعه رسمياً على نتائجها بتاريخ 27/11 الساعة الثالثة، ثم دعا دولة الرئىس رفيق الحريري في التاريخ نفسه الساعة الرابعة لتكليفه فاعتذر. قبِلَ فخامة رئىس الجمهورية إعتذار دولة الرئىس الحريري ودعا إلى إستشارات نيابية جديدة بتاريخ 1 و2/12/1998 يعمم برنامجها في جدول لاحق". وفور صدور البيان الرئاسي توجه الرئىس الحريري إلى قصر بعبدا واجتمع مع الرئىس لحود، وغادر بعد ربع ساعة من دون تصريح. ثم أصدرت المديرية العامة للرئاسة برنامج الإستشارات الجديدة التي ستجرى اليوم وغداً، وحددت ربع ساعة لكل من بري والحريري بدلاً من نصف ساعة، وعشر دقائق لكل من الرؤساء السابقين والكتل النيابية بدلاً من ربع ساعة، و5 دقائق لكل نائب بدلاً من 10. وكان إعلان إجراء إستشارات جديدة حرّك النواب والكتل النيابية مجدداً. فبدأت الإتصالات والإجتماعات تتكثف بدءاً من ظهر أمس. وفي هذا الإطار ترأس الرئىس بري إجتماع كتلة "التحرير والتنمية" التي اتخذت قراراً بالتفويض إلى رئيسها نقله إلى رئىس الجمهورية. وقبل انعقاد الكتلة نقل نواب عن بري قوله "لا يجوز أن يفوّض النواب إلى رئىس الجمهورية في الإستشارات النيابية الملزمة، بل عليهم أن يسمّوا مرشحاً أو يعتذروا أو يمتنعوا. فالتفويض يعتبر بمثابة ورقة بيضاء ويصنّف في خانة الإمتناع". ولفت بري رداً على إستفسارات النواب إلى أن "في إمكان النائب تسمية أكثر من مرشح مثل الرئىس الحريري أو الرئيسين سليم الحص أو عمر كرامي". وكشف أنه اتصل مراراً بالحريري "لإقناعه بألا يعتذر. لكن هذه المحاولة لم تؤدِ إلى نتيجة"، مؤكداً أن "الإستشارات ستكون سريعة ليتم التكليف غداً". وقال النائب محمد عبدالحميد بيضون "ما دام رئيس الجمهورية أعلن أنه تحت القانون، فعلى كل البلد أن يحترم المؤسسات. والمجلس النيابي عندما يعطي رأيه يجب أن يحترم". وأوضح النائب محمد فنيش أنه ضد مبدأ التفويض، معتبراً أن "موقف كتلة "حزب الله" لن يختلف عن السابق، أي عدم تسمية أي مرشح بل تقديم مواصفات". وأعلن النائب طلال المرعبي أنه يدرس "إمكانات ترشيح نفسه إلى رئاسة الحكومة". ومساء إجتمعت كتلة الحريري برئاسته مثمّنة موقفه ومؤكدة الأهمية القصوى لاحترام الدستور وخصوصاً المواد الميثاقية التي يعتبر احترامها العمود الفقري للوفاق الوطني. وقررت الإمتناع عن تسمية أي مرشح إلى الحكومة المقبلة. وفي المواقف، رأى رئيس الجمهورية السابق أمين الجميّل أن "عملية الإنتقال من حكم الأشخاص إلى حكم المؤسسات التي يقودها الرئيس لحود، لا بد من أن تصطدم بالكثير من العقبات". واعتبر أن "الإحتكاك لا بد من أن يحصل بين المنطق الذي كان سائداً قبلاً، والمنطق الجديد، خصوصاً أن الرئيس الحريري كان يقوم مقام مؤسسة مجلس الوزراء ومقام الوزراء، وأحياناً مقام رئىس الدولة بالذات. والمسألة ليست في عدد الأصوات التي نالها في الإستشارات النيابية، ولا هي في تفسير هذه الإستشارات وتحليل نتائجها، إنما هي في مدى مقدرة المعنيين على التزام المؤسسات التي تحدد للأشخاص أحجامهم وأدوارهم". وقال "أنا متأكد أن الرئيس لحود أعدّ للأمر عدّته، فهو عارف مسبقاً أن العودة إلى العادات السياسية التي نشأت على هامش الدستور ستجعل المؤسسات تصطدم بالأشخاص والأمزجة والأحجام التي كبرت على حساب المؤسسات، وما حدث لا يفاجئه، وهو سيتصدى لأي عابث بالسوق المالية أو محاول إشاعة جو إضطراب على المستوى الإقتصادي والمالي، ولا بد من أن يكون أعدّ له الخطوات الرادعة وفي أي حال الإنتقال من حكم الأشخاص إلى حكم المؤسسات سيمر حتماً بمثل ما تمر فيه مسألة تسمية رئيس الحكومة، فالدرب شاقة لكنها ستؤدي إلى دولة القانون والمؤسسات". ورأى النائب السابق الخبير القانوني حسن الرفاعي في اعتذار الحريري "غنجاً سياسياً". واعتبر أن "المسألة سياسية ولا تقارب لا من بعيد ولا من قريب الدستور أو القانون". وأضاف "لا يحق لرئيس الجمهورية بعد اعتذار الحريري وقبول الإعتذار اللجوء إلى تسمية رئيس حكومة جديد، بل عليه إجراء إستشارات جديدة". ولفت إلى "ان اعتراض الحريري على تفويض 31 نائباً إلى لحود تسمية رئيس الحكومة يجب أن يتبع إذا كان مصدره حرصاً على الدستور باعتراض على تفويض كلتة رئىس المجلس النيابي نبيه بري إليه تسمية الرئيس، وهذا يعني أنه رضي بالتفويض حين جاء لمصلحته". وأضاف أن "على رئيس الجمهورية أن يحمل السيف ويبدأ برقاب الذين يتفلسفون، ويطبّق الدستور ويقوم باستشارات جديدة".