انتهت الاستشارات النيابية الملتزمة التي أجراها أمس الرئيس اللبناني أميل لحود إلى تسمية الوزير السابق فؤاد السنيورة تشكيل الحكومة اللبنانية بشبه إجماع نيابي، للمرة الأولى منذ تطبيق اتفاق الطائف في العام 1990م، حيث رشحه 126 نائباً من مجمل عدد أعضاء المجلس النيابي البالغ 128 نائباً. ولفت الانتباه خلال هذه الاستشارات جملة أحداث، تأتي في صدارتها زيارة العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا بعد 15 سنة من إخراجه منه عنوة. وكذلك زيارة وفد من كتلة نواب «القوات اللبنانية» برئاسة السيدة ستريدا جعجع للمرة الأولى إلى قصر بعبدا منذ دخول زوجها سمير جعجع إلى السجن منذ إحدى عشر سنة. وكذلك لفت الانتباه تكريس المقاطعة بين قريطم وبعبدا، بعد قرار رئيس كتلة «تيار المستقبل» النائب سعد رفيق الحريري عدم ترؤس وفد الكتلة إلى هذه الاستشارات، وكذلك فعل رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط. أما النائبان الوحيدان اللذان لم يسميا أحداً، فهما الرئيس حسين الحسيني والنائب أسامة سعد. وكانت السمة الأبرز في الاستشارات الملزمة إجماع الكتل البرلمانية الكبرى المشاركة على تسمية الوزير السنيورة صديق ورفيق الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتأليف الحكومة الجديدة، لاحظت مصادر مطلعة أن العماد عون حضر في الموعد المحدد مع الرئيس لحود، أي في العاشرة والربع صباحاً، بصفته رئيساً سابقاً للحكومة إلى قصر بعبدا الذي كان قد أُخرج منه عنوة وبالقوة منذ 15 سنة، نتيجة عملية عسكرية قادها الجيش السوري بمشاركة وحدات من الجيش اللبناني - الذي كان قائده في حينه الرفيق أميل لحود. ولم يدل عون إثر خروجه من بعبدا بأي تصريح باستثناء قوله إنه سيسمي الرئيس المكلف عندما يأتي ثانية مع أعضاء كتلة «الإصلاح والتغيير» حيث سمت الكتلة الوزير السينورة انسجاماً مع الأغلبية النيابية. ورشحت كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري (17 نائباً) السنيورة لتأليف الحكومة وأيضاً فعل نائب رئيس المجلس الحالي فريد مكاري، ونائب الرئيس المجلس السابق ميشال المر. وكانت كتلة نواب «المستقبل» الوزير السنيورة، وهي تمثلت في هذه الاستشارات باثني عشر نائباً يمثلون مختلف الطوائف اللبنانية. ولم يشارك رئيس الكتلة سعد الحريري شخصياً في هذه الاستشارات التي تغيَّب عنها أيضاً رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، وحضر وفد يمثل هذا اللقاء (17 نائباً) وقال باسمه النائب مروان حمادة: «لقد حضرنا بموجب المادة 53 من الدستور لتسمية السنيورة رئيساً للحكومة لإكمال مسيرة المصالحة الوطنية ومسيرة إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي وحماية المقاومة وتفكيك النظام الأمني المخابراتي. وتنص الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور «إن رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة» وهذا النص يدحض الزعم بأن من حق رئيس الجمهورية المشاركة في الحكومة عبر تسمية وزراء مرشحين من قبله. وكان الرئيس لحود بدأ استشاراته في العاشرة صباحاً بلقاء رئيس مجلس النواب الذي عاد مع كتلته النيابية (17 نائباً بعدما انضم إليها نائب حزب البعث قاسم هاشم). وقال باسم الكتلة النائب اندر الخليل إن الرئيس بري أكد أمام الرئيس لحود على أن تكون الحكومة الجديدة حكومة اتحاد وطني تجمع كل اللبنانيين، حتى إذا أراد الوزير السنيورة تشكيل حكومة تضم برلمانيين فلا مانع في ذلك، حتى يكون التعاطي وفقاً للمحاسبة والمساءلة.في حين أوضح الرئيس حسين الحسيني أن الحديث مع رئيس الجمهورية اقتصر على موضوع الحكومة وتشكيلتها ومهماتها، لأن موضوع التسمية حسمه قول الأغلبية النيابية. ولفت إلى أن مهمة رئيس الجمهورية في الشق الأول هو التسمية، وهو بلورة ما هي الأغلبية التي تريد التسمية. أما الآن فلم يعد هناك مجال للتسمية أصبحت هناك أغلبية سمت والنظام البرلماني يفوز. إن رئيس الجمهورية يكرس تسمية الأغلبية. وعمّا إذا كان سمى أحداً، أجاب: لم أسم لأنه لم يعد هناك لزوم للتسمية، وسوف نرى البيان الوزاري. وسمت كتلة الوفاء للمقاومة (14 نائباً) الوزير السنيورة، وقال باسمها النائب محمد رعط نأمل من الحكومة أن تحفظ الثوابت الوطنية التي أنجزت لتحرير وحماية المقاومة وتطبيق اتفاق الطائف والشروع في برنامج متكامل لمكافحة الفساد. وعن تمثيل «حزب الله» في الحكومة المقبلة قال: إن هذا الأمر متروك للمشاورات مع الرئيس المكلف. وكذلك سمت «الكتلة الشعبية» برئاسة النائب ايلي سكاف التي تضم 6 نواب السنيورة، لكن المتحدث باسمها جورج قصارجي قال إن الكتلة اشترطت أن يكون سكاف وزيراً في الحكومة المقبلة. أما كتلة نواب القوات اللبنانية (6 نواب) فقد سمت السنيورة وتحدث باسمها النائب ستريدا جعجع التي قالت إنها متوجهة للقاء «الحكيم» في وزارة الدفاع لكن الأكيد هو المبدأ الذي طرحه الحكيم بأن تمثل القوات اللبنانية بوزير لا يكون من النواب الستة. وأوضح النائب محمد الصفدي باسم التكتل الطرابلسي (4 نواب) إن الكتلة سمت السنيورة وفاء ل14 آذار (مارس) وحلفائهم وأشار إلى أن لا تعقيدات في ولادة الحكومة الجديدة، مؤكداً على ضرورة أن تتمثل الكتلة في الحكومة بوزير. وكذلك سمى النواب بيار الجميل ومصباح الأحدب والياس عطاالله الذي وصف لقاءه مع رئيس الجمهورية «بالجيد والصريح». ورداً على سؤال عمّا إذا كان طالب الرئيس لحود باستقالته أجاب عطا الله على الجملة ذاتها: «كان اللقاء جيداً وصريحاً». ولم تشذ من التسمية أيضاً كتلة الحزب القومي السوري، وعزا النائب اسعد حروان إلى أن التسمية أخذت بالاعتبار التمسك باتفاق الطائف واستكمال تنفيذه. وأشار إلى أن مشاركة الحزب القومي في الحكومة يبحث مع الرئيس المكلف. ولفت نائب حزب الكتائب نادر سكر إلى وجود إجماع حول السنيورة، لكن النائب سعد لم يسم أحداً. في حين سمى بدوره النائب روبير غانم السنيورة، وكذلك فعل النواب صولانج الجميل. جبران تويني، نائلة معوض، بطرس حرب، سمير فرنجية، وجواد بولس. كما أدلى الرئيس المكلف، بعد اجتماعه إلى الرئيس لحود في قصر بعبداً بالبيان التالي: بناءً على الاستشارات الملزمة بحسب الدستور، ابلغني رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي نتيجة هذه الاستشارات، بانني قد حصلت على 126 صوتاً من أصوات اعضاء مجلس النواب، وعلى هذا الأساس فقد كلفني الرئيس بتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات. إن استشهاد الرئيس رفيق الحريري هو الذي أوقفني هذا الموقف، لكن احداً لن يحل محل الرئيس، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وقال السنيورة خلال كلمته: «اؤكد حرصي على القيام بالمسؤوليات التي يوليني إياها الدستور تجاه وطننا ومجتمعنا، كما اؤكد التزامي بنهج الرئيس الشهيد في تحمل المسؤولية مهما كانت الصعوبات والتضحيات، نحن مؤتمنون عن الأحداث الكبرى للشعب اللبناني، كل الشعب اللبناني، مؤتمنون على نضاله من أجل الحرية والاستقلال وتعزيز الاستقرار بشتى جوانبه، الذي نعتبر اولى دعائمه، كشف حقيقة وهوية الجناة الذين اغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والوزير باسل فليحان ورفاقهما، واغتالوا المفكر الدكتور سمير قصير والمناضل الوطني جورج حاوي، والذين حاولوا قبل ذلك اغتيال الشهيد الحي مروان حمادة. وأكد السنيورة: «ليست اللحظة لحظة للتجاذب السياسي، ولا لتجديد النزاعات والاختلافات، ولذلك نشارك الأستاذ سعد الحريري يده الممدودة لسائر فئات الشعب اللبناني، ولسائر الجهات السياسية من أجل السير قدماً في برنامج اصلاحي شامل، بدءاً باستكمال تطبيق الطائف والدستور، وبالقانون الجديد والدائم للانتخابات واللامركزية الإدارية، وخطة النهوض التربوي الشامل، والخروج تدريجياً من آثار الطائفية بما يحفظ الوحدة الوطنية والعيش المشترك، وتعزيز استقلالية القضاء وترشيد حجم إدارة الدولة وتعزيز كفاءتها، وتصويب عمل المؤسسات، ومكافحة الهدر والفساد، وتعزيز النمو والتنمية والتصدي للمشكل الاقتصادي بمعالجات تعتمد على قدرات اللبنانيين وعلى ما بناه الرئيس الشهيد وما بناه من انجازات وخيارات وصلات بالأشقاء والأصدقاء.