سارعت أوساط سياسية مراقبة، للوهلة الأولى، الى احتساب عدد أصوات النواب ال31 الذين تركوا الخيار لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد اميل لحود في تسمية رئيس الحكومة المكلف، على أنه رقم لا يتجاوز العدد الى السياسة. وفي وقت أعرب رئيس الحكومة المكلف تصريف الأعمال رفيق الحريري عن خشيته أن تترتب على ذلك مشكلة سياسية. وإذا كان للحريري حق مشروع في أن يتوجس برؤساء الكتل النيابية الذين تركوا الخيار لرئيس الجمهورية وهم الآن على علاقة جيدة به، ويشاركون في حكومة تصريف الأعمال الى حين يتأكد من أن لا أبعاد سياسية غير عادية لتركهم الخيار للحود، خصوصاً ان معظم الأسماء مطروحة وفي صورة غير رسمية للاشتراك في حكومة العهد الأولى، بررت الأوساط السياسية تساؤلات الحريري. ورأت انها تنطوي على مخاوف من أن يكون موقف الكتل مؤشراً للدخول في اشتباك سياسي على رغم أن لا شيء في الأفق يوحي بذلك، مشيرة الى أنه أراد تسجيل تحفظه، الى أن يثبت له عكس ما تخوف منه. وفي المقابل أكد وزراء ونواب ان الذين تركوا الخيار لرئيس الجمهورية لا يجتمعون تحت سقف سياسي واحد وأن لا أبعاد إقليمية وبالتحديد سورية اضطرتهم الى اتخاذ موقفهم، بمقدار ما انهم ارتكزوا الى اعتبارات محلية فرضت على بعضهم البحث عن ورقة سياسية من أجل تحسين شروطهم في اللعبة أو حماية مواقعهم في المرحلة المقبلة التي لا تزال معالمها غير واضحة، ما دام البحث لم ينتقل الى مرحلة تأليف الحكومة الجديدة، وبالتالي لا يمكن احتساب موقفهم تبدلاً في المعادلة. وقال هؤلاء الوزراء والنواب ل"الحياة" ان بعض الذين تركوا الحرية لرئيس الجمهورية "أرادوا أن يرتبطوا معه في انطلاقة عهده، من باب دعم اطلالته وان كان يحظى بالتفاف شعبي وبتأييد سياسي قد لا يحتاج الى تسليفة سياسية جديدة من الذين انتخبوه رئيساً". ولفتوا الى أن الأجواء بين رئيس الجمهورية والرئيس الحريري "لا تدعو الى التشاؤم، بصرف النظر عن السجال الدائر في الوقت الحاضر الذي أدى الى تعليق حسم مصير التكليف". وأكدوا "ان ما دار بينهما في نهاية الاستشارات لا ينذر بأن العلاقة بينهما لن تكون مريحة"، وعلى رغم علامة الاستفهام التي رسمها الرئيس الحريري على بعض الحلفاء الذين تركوا الحرية لرئيس الجمهورية، فأن الأخير رغب في أن يعرض عليه نتائج الاستشارات النيابية على نحو تعدى ابلاغه تكليفه تشكيل الحكومة، الى تبيان الحصيلة النهائية للإستشارات مع أن الدستور لا يلزمه ذلك". وأضافوا "كان يمكن رئيس الجمهورية أن يبلغه أنه نال الغالبية التي تستدعي تسميته رئيساً للحكومة الجديدة وبالتالي لا شيء يلزمه أن يطلعه على عدد الذين امتنعوا عن تسمية أي مرشح أو سموا غيره لرئاسة الحكومة أو تلك الأصوات التي تركت الخيار له". ورأى الوزراء والنواب أن الرئيس لحود "أطلعه على ما يشبه المحضر المدون بنتائج الاستشارات وهو محضر لا يطلع عليه إلا رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لكن مبادرته جاءت إيجابية ولا تحمل أي خلفية، خصوصاً ان الحوار الذي دار بينهما كان ودياً جداً وعكس مدى الرغبة في التعاون". وأكدوا ان الرئيس لحود "عرض تجيير أصوات النواب الذين تركوا له الخيار لمصلحته، أو اعتبارها في حكم اللاغية رغبة منه في قطع الطريق على الدخول مجدداً في سجال يتعلق بتفسير الفقرة الثانية من المادة ال53 من الدستور الخاصة بالإستشارات النيابية الملزمة". وأضافوا ان الرئيس الحريري "اعتبر ان عدد النواب الذين سموا قد لا يكون موازياً لتسميته رئيساً لحكومة العهد الأولى، وكان رد الرئيس لحود ان لا مشكلة في العدد خصوصاً بعد توليه رئاسة الحكومة على امتداد ست سنوات". وفي هذا الصدد نقل الوزراء والنواب عن الرئيس لحود قوله "انتخبت رئيساً للجمهورية ب118 صوتاً، ومن يعرف فبعد انقضاء عام على رئاستي قد يتراجع هذا العدد؟ فأنت تتمتع بتأييد محلي وبصداقات عربية وخارجية لا أحد يتنكر لها، ولدينا كل استعداد للتعاون". وأكدوا أن الاجتماع بينهما انتهى وبقي التكليف عالقاً بعدما اعتبر الرئيس الحريري ان هناك مخالفة دستورية ترتبت على ترك الخيار لرئيس الجمهورية لا بد من تصحيحها، مشيرين الى ضرورة إيجاد مخرج من أجل الاستعجال في التكليف في ظل إبطال الرهان على من يحاول إقامة معادلة سياسية محدثة لا أساس لها، تنطلق من وقف اندفاع الأول، وتحجيم الثاني. على صعيد آخر، قلل الرئيس بري الذي يتحرك بصمت وبعيداً من الأضواء بين رئيس الجمهورية والرئيس الحريري من أهمية تسييس موقف الذين تركوا الخيار ورفضوا تسمية الأخير رئيساً للحكومة. ونقلت عنه مصادره "ان لا خلفية سياسية للتفويض الى رئيس البلاد، وبالتالي لا يجوز أن يفسح في المجال أمام الهواجس لتوضع في منتصف الطريق بين الرئيسين". وأضافت "ان من يدقق في لائحة أسماء الذين لم يسموا الرئيس الحريري لا يحتاج الى جهد ليكتشف ان لكل من النواب اعتباراته وحساباته الخاصة، وان كانوا اجتمعوا تحت لافتة حملت عنواناً واحداً"، مؤكدة ان الرئيس بري "استبعد امكان تصنيفهم على أنهم من لون سياسي واحد، وبالتالي يتمتعون بنكهة سياسية واحدة يجب التحسب لها أو أخذ الحذر منها". وكشفت أن الرئيس بري "قال هذا الكلام صراحة للرئيس الحريري الذي شكا له تخوفه من ان يتحول هؤلاء كتلة سياسية مناوئة له، مفنداً له موقف كل منهم والاعتبارات التي أملته عليهم". وفي حين توافق الرئيسان بري والحريري على ضرورة إيجاد مخرج لإخراج التكليف الى العلن في صورة طبيعية وعدم تحويله مأزقاً لا تسمح به الظروف التي يمر فيها الجنوب ولا تحبذه دمشق التي تدعم الرئيس لحود بلا حدود وتدعو الى التعاون بين أركان الدولة من خلال المؤسسات، سارع عدد من النواب الذين تركوا الخيار لرئيس الجمهورية وفي مقدمهم رؤساء الكتل الى نفي وجود خلفية سياسية لموقفهم، وقالوا ل"الحياة" ان "لكل منا اعتباراته ولا نرى ان هناك مشكلة مع الرئيس الحريري أو اننا في وارد الصدام معه"