إذن، لن تصادق الحكومة الإسرائيلية غداً على مذكرة واي ريفر. وقد يمر وقت طويل قبل أن يقدم نتانياهو على هذه الخطوة، ما دام يملك التبرير لعدم تنفيذ الشق الإسرائيلي من المذكرة، وما دامت السلطة الفلسطينية تجتهد، أيّما اجتهاد، لتنفيذ الشق المتعلق بها. ويعرف الجميع، في الولاياتالمتحدة وأوروبا والدول العربية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، ان تطبيق المذكرة في اتجاه واحد يعني زيادة الانقسام في أراضي الحكم الذاتي ولا يوفر أي عنصر من عناصر السلام. كما أن رسائل حسن النيات الكثيرة الموجهة إلى إسرائيل من أجل أن تعيد النظر سريعاً في وقف المصادقة على المذكرة لن تقنع نتانياهو. ويعرف الجميع أيضاً أن حجته للتأخير، وربما للتنصل نهائياً من الشق الإسرائيلي من المذكرة، لم تكن تحتاج إلى عملية انتحارية من النوع الذي حصل في القدس أول من أمس. وجاء التأخير الجديد، بعد تأجيل مرتين بموافقة عرفات، ليعطيه مزيداً من الوقت حتى يعكس اتجاه الغالبية، في الحكومة والكنيست، فيكون رفض التنفيذ حصيلة عملية ديموقراطية ؟ لا تستطيع معها واشنطن إلا الرضوخ. وفي حين تتواصل عمليات الملاحقة، في أراضي الحكم الذاتي، لمعارضي المذكرة، تنفيذاً لمطلب نتانياهو زيادة الجهد في "مكافحة الارهاب"، وتتواصل الاجراءات العملية لإلغاء الميثاق، يبدو المناخ السياسي العام في إسرائيل غير مهتم كثيراً بالسلام وبالمذكرة، ولا حتى بالحدود الدنيا التي حصل عليها الفلسطينيون لتشجيعهم على الاستمرار في اتجاههم الحالي. داخل الحكومة التوازن معروف. غالبية صوتين أو ثلاثة لمصلحة المذكرة، من دون حساب صوت شارون الذي لم يحسم أمره بعد. داخل الكنيست، غالبية نواب "ليكود" وحلفاؤه يعارضون المذكرة، ومن دون أصوات نواب حزب العمل، لا أمل في المصادقة على المذكرة. وبين احتمالات انتخابات اشتراعية مسبقة، وحكومة ائتلاف وطني، وهي احتمالات يلعب عليها نتانياهو للتأجيل وكسب الوقت وخلق أوضاع جديدة يرتاح فيها من أي ضغوط خارجية حقيقية، يزداد بروزاً الارتباك الذي يعانيه حزب العمل. فهو، كحزب معارض، يعمل لإسقاط نتانياهو من جهة، ومن جهة أخرى مضطر إلى انقاذه في الكنيست. وحتى في حال سقوط نتانياهو سيكون حزب العمل مضطراً، من أجل تشكيل غالبية، إلى التحالف مع أكثر الأحزاب الإسرائيلية عداء للمذكرة. أي أن التزام تنفيذ التعهدات الإسرائيلية، وفق هذه المذكرة، سيكون الضحية الأولى للألاعيب السياسية الداخلية. ومثل هذا الوضع يكشف مأزق السياسة المرتبك لحزب العمل المفترض أن يكون اغتيال زعيمه السابق اسحق رابين بهدف توقف العملية السلمية، حافزاً لانتزاع المبادرة من "ليكود" في هذا المجال. ولولا بعض التحركات الاستعراضية وغير المؤثرة ل "حركة السلام الآن" تكاد تنعدم أي تظاهرة حزبية أو شعبية مناهضة للحال التي يريدها نتانياهو. وهذا يظهر الحدود التي يمكن أن يصل إليها حزب العمل في تنظيم حال شعبية، كما فعل "ليكود" في معارضته لرابين وخليفته بيريز. وكما يفعل الآن مع نتانياهو. وتبقى المبادرة في يدي نتانياهو ما دام حزب العمل قاصراً في التأثير الذي افتقده منذ تولي ايهود باراك زعامته. وللمناسبة أين باراك؟