عندما يكون الحوار مع نجم مثقف بل متعدد الثقافات ومشواره الفني طويل وحافل في شتى الفروع سينما، مسرح، تلفزيون، وإذاعة. فإن المرء لا يعرف من أين يبدأ معه، النقاط التي يمكن أن نتحاور فيها كثيرة. ولذلك فلا مفر من أن تكون البداية عن آخر النشاطات لتكون مدخلاً لبقية الحوار... يقول محمود ياسين: "أصور الآن مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان "ريح الشرق" كتبتُ قصته منذ حوالي 9 سنوات، وتدور أحداثه في الأندلس في مرحلة لم يتعرض لها أحد من قبل، وهي السنوات السبع ما بعد سقوط قلاع الأندلس كلها في أيدي الإسبان، وهي الفترة التي عاش فيها بعض المسلمين تحت الضغط العنصري والإرهاب الفكري، ونصب محاكم التفتيش في غرناطة، آخر القلاع التي سقطت في أيدي الاسبان. ويعرض المسلسل موقف المغرب العربي وتعامله مع المضطهدين، الأمر الذي يلقي بظلاله الواضحة على قضية الأراضي المحتلة والقدس. وحين كتبت القصة كنت رسمت لنفسي شخصية قائد الثوار الأندلسيين موسى بن أبي الغسان لأجسدها، ولكن مشروع المسلسل توقف حينها وظل الورق حبيس الأدراج حتى قررتُ خروجه وأسندت مهمة كتابة السيناريو والحوار للكاتب والشاعر عزت الجندي الذي يقتني موسوعة تاريخية كبيرة، أما الإخراج فوجدت في المخرج الشاب الدكتور خالد بهجت الحماسة والفكر والوعي الذي يؤهله لمهمة تولي إخراج هذا العمل الضخم. وقمت بعد مرور هذه السنوات بتغيير الشخصية التي أجسدها من الثوري موسى بن أبي الغسان إلى خامنيس دي سيزاروس وهو شخصية عنصرية إسبانية يعتبر نموذجاً يجتمع فيه كل أشكال العنصرية. وكان ذلك الرجل وراء التصفية والقهر الذي شهده أهل الأندلس، والسبب في أسبنة الجزيرة الأيبرية - اسبانيا حالياً - وتزعم حركة إبادة الحضارة العربية بعد أن استفادوا منها في أعمال الفارابي وابن رشد وأبي حامد الغزالي وابن سينا". ولماذا قمت بتغيير الشخصية؟ - خلال السنوات التسع التي مضت على كتابة القصة حدث تطور يستدعي ذلك، ففي شهر رمضان قبل الماضي قدمت مسلسل "الإمام أبو حنيفة النعمان" الذي جسدت فيه شخصية ذلك الإمام الجليل، فأصبح حتمياً تغيير الشخصية قمت باختيار شخصية شريرة لتغيير القالب الفني. مؤلف "الإمام أبو حنيفة النعمان" الدكتور بهاء الدين إبراهيم عندما كتب بعد ذلك مسلسل "عصر الأئمة" كان قد رسم في ذهنه تجسيدك لشخصية الإمام أحمد بن حنبل لكنك لم تحبذ ذلك؟ - هذه محاولة للتكرار النوعي خطيرة، فالأئمة الأربعة كانوا أصحاب علم وفقه، أخذوا الحياة مأخذ الجد ونالوا تعذيبا في أجسادهم وتعرضوا للسجن، وهنا يكون التكرار النوعي، لذلك خشيت تقديم شخصية أحمد بن حنبل بسبب قاعدة ستانسلافسكي التي تفيد أن الممثل يستطيع تقديم كل الشخصيات ولكن يحده في النهاية طبيعته وهي النبع الذي يستقي منه أبعاد الشخصية التي سيقدمها. * سينما الغد: بعد غياب ثلاث سنوات توقفت خلالها عن العمل السينمائي عدت بفيلم "ظل الشهيد"، فلماذا كان التوقف؟ ولمَ اخترت العودة بهذا الفيلم؟ - بعد تاريخي الطويل في السينما أصبح تركيزي على تقديم العمل المختلف والمبشر وليس مجرد الوجود. وهذا الفيلم هو أول عمل أعجبني بعد "قشر البندق". فالمخرج إيهاب راضي شاب يقدم رؤية جديدة يمكن أن نطلق عليها إسم سينما الغد الذي ننشده، والفيلم يناقش قضية شديدة الأهمية حول الصراع العربي - الإسرائيلي في ظل الشعارات والمناورات الدائرة حول قضية السلام وتعنت إسرائيل وعدوانها المستمر على الأرض العربية. لماذا أطلقت لحيتك أثناء التصوير؟ - أجسد في الفيلم شخصية مدرس تاريخ مصري أحيل الى المعاش، فرسمت لهذه الشخصية صورة في ذهني ورأيت أنه اعتاد أثناء عمله في المدرسة حلاقة ذقنه كل يوم وبعد إحالته للمعاش بدأ في تغيير نمط حياته فتصورت أنه أطلق لحيته. ما هو الخط الدرامي للشخصية في أحداث الفيلم؟ - هذا الرجل استشهد ابنه في حرب تشرين الاول اكتوبر 1973، ولديه ابن آخر في السن نفسه الذي استشهد فيه الأول، فذهب الى طابا مع زوجته وابنه في رحلة ليستمتع بالطبيعة الجميلة والجو الهادئ متخيلاً أنه في ظل هذا الجو سيسرق لحظات من السعادة والبهجة، لكن ذلك لا يستمر طويلاً لاكتشاف الأسرة وجودها بالقرب من النزعات العنصرية الذي راح ضحيتها الشهيد، حيث يدخل الابن في قصة حب مع فتاة إسرائيلية. ويستطرد الفيلم في الحديث عن السلام والعنصرية والعدوان الإسرائيلي وتعنته وغطرسته في المفاوضات مع الفلسطينيين ومحاولة تهويد الأرض العربية، وهنا يلتمع "ظل الشهيد". أتبعت "ظل الشهيد" بفيلم آخر بعنوان "حائط البطولات" يناقش أيضاً القضية نفسها، فكيف تفاديت الوقوع في خطأ التكرار النوعي؟ - ليس هناك أية شبهة للتكرار النوعي بين الفيلمين أو الشخصيتين اللتين أجسدهما فيهما، ففي "حائط البطولات" تبدأ الأحداث في أعقاب نكسة حزيران يونيو 1967 بفترة إعادة بناء القوات المسلحة حيث تقوم قوات الدفاع الجوي ببناء حائط الصواريخ الذي استطاع أن يحمي مصر من غارات الطيران الإسرائيلي، وذلك من خلال تكتيك عسكري مبهر، وقد تم بناء هذا الحائط بصعوبة بالغة وتضحيات كبيرة حيث استشهد عدد كبير من الضباط والجنود والعمال الذين اشتركوا في بنائه. والفيلم يظهر عزيمة الشعب المصري وإصراره على البقاء بقوة أمام العدو الصهيوني فيتعرض لأنماط كثيرة من الضباط والجنود على جبهة القتال ومع عائلاتهم في الجبهة الداخلية. وتبرز الأحداث كيف تحمل هذا الشعب المشاق الكثيرة في سبيل تحرير الأرض حتى إن الحائط عندما اكتمل بناؤه في 30 تموز يوليو 1970 أطلق عليه "حائط البطولات" لأنه أصبح سداً منيعاً أمام العدو الصهيوني. كما أطلق على الاسبوع الأول من عمر هذا الحائط "اسبوع تساقط الفانتوم" حيث تم اسقاط عدد كبير من طائرات الفانتوم للعدو ما دفعه الى قبول مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار. أما الشخصية التي أجسدها في الأحداث فهي شخصية المشير محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي في حرب تشرين الأول أكتوبر الذي لعب دوراً مؤثراً في هذا العمل البطولي وعندما وُضع محل اختيار بين واجبه الوطني وبين واجبه كزوج حينما اصيبت زوجته عضو الهلال الأحمر بأزمة قلبية نتيجة الإرهاق في العمل الذي تبذله لرعاية الجنود والجرحى مما يتطلب سفرها للعلاج بالخارج فضّل الوجود في أرض المعركة وترك زوجته تذهب بمفردها الى الخارج للعلاج. وبالتالي فلا يوجد أية شبهة للتكرار بين الفيلمين وبين الشخصيتين ... حقيقة لا بد أن أشير الى الجهد الكبير الذي بُذل في فيلم "حائط البطولات" من كل العناصر. فاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري والمنتج المنفذ الدكتور عادل حسني وفرا كل الامكانات المادية لإنجاح الفيلم الذي وُضعت له ميزانية مبدئية قدرها 20 مليون جنيه مصري. وللقوات المسلحة المصرية دور كبير في دعم الفيلم بالمعدات الحربية والذخائر وكل ما يتطلب تنفيذ النواحي العسكرية والقتالية في الفيلم. وأعد السيناريو والحوار بكفاءة عالية السيناريست مصطفى محرم عن قصة العميد إبراهيم رشاد، وفوق كل هذا الجهد الرائع والشاق المبذول للمخرج محمد راضي. متى تكرر تجربة الإنتاج التي كان آخرها فيلم "قشر البندق" منذ أربع سنوات؟ - لا استطيع أن أخوض تجربة الإنتاج الآن، لأنه بقدر ما أنصفتني الجماهير في مصر إذ حقق الفيلم ايرادات أعلى مما كنت أتمنى، بقدر ما عانيت الكثير في الخارج. فالسوق العربية مليئة بالمشاكل والأسعار قليلة وهناك عمليات سرقة. وبالتالي فإن التسويق الخارجي أرهقني كثيراً ولم أحصل منه على نصف ما توقعته، وهذا نفسه ينطبق على 90 في المئة من الأفلام المصرية التي انتجت في الوقت نفسه. أتمنى أن أقدم جديداً، لكنني في انتظار تحسن الأوضاع كي اتحمس لتقديم الجديد. عودة لاختياراتك، لماذا تحرص على اختيار أدوار تاريخية ودينية؟ - حبي للتاريخ هو السبب فمعظم الشخصيات التي قرأت عنها تمنيت أن أقوم بتجسيدها على الشاشة وبالفعل كانت أدوار الإمام ابو حنيفة النعمان وجمال الدين الأفغاني وسيف الدولة الحمداني وامير الشعراء أحمد شوقي وقمت بأدائها في مسلسلات تلفزيونية، وأنا اعتز جداً بهذه الشخصيات وأتمنى تقديم المزيد منها. هل اختياراتك الفنية تختلف مع مرور الزمن؟ - بالتأكيد.. الفنان يمضي عبر المراحل العمرية دون أن يشعر أحد، وهو انتقال طبيعي وتلقائي والنجم هو الذي يستطيع اختيار الدور المناسب لسنه حتى يحافظ على نجوميته ولا يهدمها. بصراحتك المعهودة، ما رأيك في ظاهرة التفوق الكاسح للممثل الكوميدي محمد هنيدي واقترابه من النجومية خصوصاً بعد تحقيق فيلمه "صعيدي في الجامعة الاميركية" أعلى الايرادات واجتذابه عدداً كبيراً من الجماهير بمختلف ثقافاتهم وطبقاتهم الاجتماعية؟ - للنجومية مواصفات خاصة، أهمها أنها لا تأتي من عمل واحد وإنما تأتي لصاحب تاريخ طويل ورصيد كبير من الاعمال الفنية. ولذلك أرى أن محمد هنيدي ممثل يمكن أن يكون محبوباً لدى بعض الشباب لكنه لا يمكن ان يطلق عليه لقب نجم سينمائي لنجاح فيلم واحد أو فيلمين، فمازال الطريق أمامه طويلاً وشاقاً. برأيك هل تختلف معايير النجومية... من مرحلة لأخرى؟ - للنجومية حسب معايير السوق التي استوردناها من بين ما استوردنا من السينما الهوليوودية معايير سخيفة وبلهاء وهي السر الأساسي وراء انهيار المستوى الابداعي. والفنان يحقق نجوميته من خلال أن يكون صادقاً ومن خلال تقديمه لاعمال نظيفة ذات مستوى جيد. في رأيك ما السبب الذي يجعل السينما العربية غير عالمية؟ - السينما العربية لن تصل للعالمية بسبب سوء التوزيع والتسويق بمعنى أن الفيلم الاميركي له صفة العالمية بسبب توزيعه وتسويقه في كل دول العالم بما يملكه من ميزانيات ضخمة تساعده على اقتحام هذه الدول، على عكس الفيلم العربي الذي يكاد يعرض في الدول العربية وبعض دول افريقيا والعالم الثالث فقط. محمود ياسين رئيس مجلس ادارة جمعية فناني وكتاب وإعلاميي الجيزة، ماذا قدمت الجمعية على مدى 16 عاماً؟ - الجمعية لا تقدم شيئاً لأعضائها، وفي اعتقادي أن الجمعية نجحت في تحقيق بقية أغراضها التي أعلنت عنها منذ إنشائها، كخدمة البيئة في المنطقة التي نعيش فيها، ثم توسعنا الى منظور أكبر يتخطى نطاق محافظة الجيزة ويصل الى بقية محافظات مصر بل ومناقشة الحياة الثقافية والفنية بشكل مؤثر، وللجمعية احتفالية سنوية تشكل عيداً لأهل الفن يتم فيها تكريم الرواد في المجالات الفنية والإعلامية والاجتماعية، وتكريم المجيدين والمتميزين في اعمالهم السنوية وتكريم الشباب من أوائل خريجي الاقسام الفنية والإعلامية في الجامعات المصرية، بحيث يصبح ملتقى للفكر بين ثلاثة أجيال وتشجيعاً للجيل الجديد من الشباب الذي يستعد لتحمل الراية.