لم تفعل تركيا، من خلال الضغط على سورية لإبعاد عبدالله اوجلان، سوى نقل المشكلة الكردية من الحيز الأمني الى الحيز السياسي. وما أرادت تفاديه، عبر ملاحقة زعيم حزب العمال الكردستاني، وقعت في ما هو اسوأ منه بالنسبة اليها. ولا يبدو ان الإدارة التركية، على رغم ان أياماً قليلة تفصل عن انهيار حكومتها الحالية، توقفت لحظة أمام الأبعاد الجديدة التي اتخذتها المشكلة الكردية. فالرئيس ديميريل يهدد ويتوعد. والجيش التركي ينفذ عملية واسعة في الأناضول بعد حملة اعتقالات واسعة في كل أنحاء البلاد طاولت الناشطين الأكراد. التحرك التركي في شمال العراق لا يستهدف ملاحقة أنصار أوجلان وحسب، انه يستهدف أيضاً الاتفاق بين طالباني وبارزاني. وهذا يعني ان تركيا التي تقول انها تكافح الارهاب تربط بين انتعاش هذا الارهاب والتطلعات الكردية. لكن عدم اعترافها بهذا الربط، وعدم ترجمته في سياستها إزاء المشكلة الكردية يجعلها تقع في ما تحاول ان تتفاداه، أي إظهار سياستها القمعية ضد الأكراد، وعدم التمكن من الخروج من هذه السياسة. يمكن لأنقرة ان تهدد الاتحاد الأوروبي، خصوصاً ايضاً، اذا لم تتسلم أوجلان من روما. ويمكنها ايضاً ان تلجأ الى عقوبات اقتصادية ضد مصالح ايطالية وأوروبية. لكن هذه الاجراءات، مثل الخطوات العسكرية والحملات الأمنية في الأناضول وشمال العراق، سترتد خسارة سياسية على المدى الطويل، خصوصاً ان أنقرة هي التي تستجدي عضوية الاتحاد، هذه العضوية المرفوضة نظراً الى الممارسات القمعية والاحكام العرفية التي تلجأ اليها أنقرة كلما واجهت أزمة داخلية. ومع وجود أوجلان في أوروبا التي تحتضن أكثر فأكثر الحقوق الكردية، وتطالب أكثر فأكثر بالاعتراف بالهوية الكردية، يبدو التركيز التركي على مكافحة الارهاب خارج الزمن الأوروبي الساعي الى انعاش ثقافات قومياته والحفاظ على تراثها اللغوي والثقافي. وتزداد قدرة الاقناع التركية صعوبة مع اعلان اوجلان تخليه عن العنف والمناداة بالحل السياسي في اطار تركي. لقد دفعت أنقرة، من غير ان تدري، المشكلة الكردية الى التدويل، بعدما فعلت المستحيل لإفشال التدويل في شمال العراق. كما أنها حولت، على رغم ارادتها، قضية اوجلان من "إرهابي مطارد" الى تحدٍ أوروبي للدفاع عن الاكراد في تركيا.