بعد خطاب أمس الذي تميز بالتزامه الشفافية، يمكن القول أن اربعة هموم راهنة تشغل بال الرئيس اللبناني الجديد العماد اميل لحود، منذ انتخابه ومباشرته الغوص في الملفات اللبنانية الشائكة. الاول هو تشكيل الحكومة الاولى التي ستكون على الارجح برئاسة الرئيس رفيق الحريري. ويخشى لحود من ان تفرض عليه المقتضيات السياسية اللبنانية، ان تضمّ التشكيلة الحكومية أسماء لا تتناسب مع صورة التغيير التي جاء بها، وان يكون عدد الوزراء الذين يوحون بالتجديد وبالثقة وبتصحيح التمثيل، قليلاً بالمقارنة مع من يسمون ب "الثوابت"، الذين يسعى الى تغييرهم. بل ان لحود يخشى ان تهبط اسهمه لدى الرأي العام اذا اضطر لمراعاة بعض الاسماء. ومن الطبيعي ان يتخوّف لحود من تشكيل الحكومة. فالمهمة لن تكون سهلة، لأن ما يجري تداوله في شأن عدد الوزراء واسمائهم يدلّ الى ان عقبات تتعلق بالتمثيل الطائفي والسياسي ستبرز امام التأليف، اذ ان اختيار الاسماء يجب ان يلائم بين قدرة اصحابها على التمتع بالصفة التمثيلية من جهة ونظافة الكفّ والسمعة الطيبة من جهة ثانية. والهمّ الثاني هو اتخاذ قرار بوضع مجموعة من المديرين العامين وموظفي الفئة الأولى من الذين تحوم حولهم الشبهات أو غير الاكفاء في التصرّف لابعاد هؤلاء عن العمل اليومي في الادارة تمهيداً لتفعيلها. والهم الثالث مباشرة خطة فعلية للإصلاح الاداري. اما الهمّ الرابع لدى لحود، فهو تعديل خطة الانماء والاعمار على الصعيد الاقتصادي في اتجاه اتخاذ اجراءات فورية تؤدي الى دعم القطاعات الانتاجية، لا سيما الصناعة والزراعة. ويخشى لحود من ان تكون خطوات الرئيس الحريري الاعمارية والانمائية غير قابلة للتكيف مع رغبته هذه. واذا كانت الهموم الاربعة هي الرئيسية في نظر الرئيس الجديد، على الصعيد الداخلي، فلأن الازمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد تتمحور حول مشكلة جوهرية، تتفرع منها المشكلات الاخرى كلها وهي العجز في الموازنة، الذي خططت حكومة الحريري الاخيرة للعهد المنقضي لخفضه الى حدود 37 في المئة، وسط مخاوف من الا تتمكن من ذلك عندما تحين عملية قطع الحساب في نهاية العام، وفي ظل القلق من ان تتراكم المستحقات على خزينة الدولة في العام المقبل في شكل يجعل السيطرة على العجز خاضعة لاجراءات وخطوات جذرية ومختلفة كلياً عن تلك التي اتّخذت حتى الآن. ان الهموم الاربعة التي يطرحها الرئيس الجديد على نفسه وتلك التي سيطرحها الآخرون خلال الولاية الجديدة، تتطلب قرارات سياسية كبرى. وهذا ينطبق على الحكومة المقبلة، مروراً بالاصلاح الاداري انتهاءً بالخصخصة. وتلك القرارات تحتاج اول ما تحتاجه الى وضعها في اطار خطط يتبناها مجلس الوزراء والمؤسسات المعنية. وهذا يعني ان الشراكة السياسية في السلطة هي السبيل الوحيد الى حسم الخيارات. وهي شراكة حددها الدستور الجديد واتفاق الطائف الذي يسبب الخروج عليه توتراً سياسياً يحول دون القرارات الكبرى المطلوبة في ادارة الوضع اللبناني ومعالجة ازماته المتعددة الأوجه.فالرأي العام، والدول المعنية بلبنان لا تدعم سياسات افراد واشخاص، بل تساند سياسات يشترك في احراجها المعنيون في المؤسسات الدستورية