اتخذت وزارة الصناعة والتجارة في ايلول سبتمبر الماضي قراراً بحل مجلس ادارة شركة "التبغ والسجائر الاردنية"، وتشكيل لجنة لتسيير العمل في الشركة التي تعثرت وتراكمت الديون عليها حتى بلغت نحو 24 مليون دينار، منها 5.5 مليون لپ"البنك العربي". وضمت اللجنة المشكلة لادارة الشركة برئاسة ممثل البنك العربي السيد مفلح عقل، ممثلين عن عدد من المصارف الدائنة الاخرى مثل "أي ان زد غريندليز" والبنك الاردنيالكويتي و"بنك الانماء الصناعي" و"بنك الاردن والخليج" و"بنك القاهرةعمان"، اضافة الى ممثلين عن وزارة العمل ووزارة المال ووزارة الصناعة والتجارة ومؤسسة الضمان الاجتماعي خصوصاً وان للحكومة ديوناً على الشركة عبر دوائرها المختلفة تقدر بنحو ثمانية ملايين دينار اردني. ومن فورها بدأت اللجنة تطبيق خطة لانقاذ الشركة وتجنيبهاخطر التصفية الاختيارية التي كانت سائرة اليها بعزمها النية على ترتيب اجتماع للهيئة العامة للشركة كان مقرراً عقده منتصف الشهر المذكور، غير ان قرار حل مجلس الادارة المخول بالدعوة لمثل ذلك الاجتماع، حال دون انعقاده. وعدا عن ان الدائنين الذين استحوذوا على الجزء الاهم من اللجنة لم يكونوا مع قرار التصفية، فان تصفية شركة مثل شركة "التبغ والسجائر الاردنية" من شأنه توجيه ضربة قاصمة للصناعة الاردنية لا سيما وهي واحدة من اعرق الشركات الوطنية وابرزها على الساحة الاقتصادية. وكانت الشركة سجلت في 1931 لتظل طوال اكثر من ستين عاماً تحتكر صناعة التبغ والسجائر في المملكة بموجب عقد امتياز وقعته مع الحكومة منذ تأسيسها. خطة اللجنة وتقوم خطة اللجنة للنهوض بالشركة اساساً على توفير السيولة النقدية لها لتمكينها من دفع مرتبات العاملين الذين لم يكونوا حصلوا على مستحقاتهم منذ شهور، اضافة الى الزيادة السنوية وارباح صندوق العاملين واجور العمل الاضافي على تلك المستحقات، ما جعل هؤلاء ينفذون اضراباً مطالبين بمستحقات وصلت الى نحو 300 الف دينار. وكانت التبغ والسجائر الاردنية قامت قبيل حل مجلس ادارتها في أيلول سبتمبر الماضي بدفع ما عليها من مستحقات متراكمة لشركة الكهرباء الاردنية اضطرت الاخيرة الى قطع التيار الكهربائي عن الاولى في فترة من الفترات. وتنص خطة اللجنة المشكلة حديثاً ايضاً على ضرورة الوصول الى تسوية مع الدائنين تضمن رسملة جزء من ديون الشركة واعادة جدولة الجزء الآخر. وبلغت الخلافات بين الشركة ودائنيها حداً جعل "البنك العربي" الذي يملك اكبر دين على "التبغ والسجائر الاردنية" ويستصدر حكماً قضائياً بتعيين "قيّم" على الشركة المتعثرة. تعثر وجاء التعثر في مسيرة الشركة بعد فشلها في تطبيق برنامج لاعادة الهيكلة بالتعاون مع شركة "آر.جي. رينولدز" الاميركية للتغلب على متاعب كانت بدأت تواجهها منذ عام 1995 اوصل خسائرها الى 5.2 مليون دينار لأول مرة في تاريخ الشركة. اعادة الهيكلة وتضمن برنامج اعادة الهيكلة عدداً من الخطوات منها تقليص النفقات الادارية والانتاجية الى ادنى حد ممكن، وتسريح الايدي العاملة الفائضة بنحو 700 عامل من اصل نحو الف عامل في الشركة، اضافة الى تخفيض رواتب العاملين. كما تضمن البرنامج انتاج اصناف جديدة من السجائر بنوعيات جيدة بالتعاون مع "آر.جي. رينولدز"، وبالتركيز على الاصناف الوطنية الاردنية بهدف تنمية الصادرات من السجائر الاردنية وفتح اسواق جديدة للشركة عوضاً عن الاسواق التي كانت فقدتها بعد حرب الخليج. وعزا التقرير السنوي للشركة عام 1996، وهو آخر تقرير سنوي صدر عنها، تعثرها وتدهور اوضاعها الى عدد من العوامل يمكن ايجازها فيما يأتي: الحالة الاقتصادية السائدة ونتائجها السلبية على القطاعات الاقتصادية كافة والتي ادت الى انخفاض القوة الشرائية لدى المستهلك الاردني في شكل ملموس. توقف تصدير السجائر الاردنية الى الدول العربية المجاورة منذ نشوب حرب الخليج. تأثر مبيعات الشركة من جراء انتشار الاصناف الاجنبية في الاسواق، سواء منها المنتجة تحت ترخيص او تلك التي يتم تهريبها الى البلاد، ما يعني زيادة العبء على الشركة لأن تنتج اصنافاً وطنية قادرة على المنافسة. توقف المؤسسة الاستهلاكية العسكرية عن طلب السجائر الوطنية بسبب امتلاء مستودعات المؤسسة بأصناف متعددة من السجائر الاجنبية المهربة والمصادرة من قبل السلطات الجمركية. ومعروف ان المؤسسة العسكرية تابعة للجيش تباع من خلال مراكزها المنتشرة في انحاء المملكة انواع السلع التموينية كافة بأسعار مخفضة للعناصر العسكرية. ولفت رئيس مجلس ادارة الشركة السابق السيد علي فريد السعد في التقرير السنوي الاخير للشركة الى ان ادارة الجمارك العامة لا تتلف السجائر المهربة التي تصادرها بل تبيعها من خلال المؤسسة العسكرية بأسعار مخفضة، ما يعني في النهاية تشجيع التهريب. وقدر السعد نسبة السجائر المهربة التي يستهلكها الاردنيون بما يراوح بين 25 و30 في المئة من سوق السجائر الاردنية. ازدهار وكانت صناعة التبغ والسجائر الاردنية مزدهرة في الخمسينات والستينات وحتى آخر الثمانينات. فخلال تلك العقود كانت شركة "التبغ والسجائر الاردنية" المنتج الوحيد لهذه السلعة وكانت منتجاتها تضاهي اجود الاصناف العالمية بسبب التشجيع الذي كانت الحكومة الاردنية توليه لزراعة التبغ وصناعته بعدم فرض اي ضرائب او رسوم على الزراعة الوطنية وتقاضي رسوم ضريبية معقولة على التبغ المستورد. وكانت "خلطة" السجارة الاردنية تتكون من نحو ثلثين من التبغ المستورد ذي النوعية الجيدة وثلث من التبغ الاردني، وهو ذو نوعية مناسبة ايضاً. وكانت النتيجة سيجارة اردنية جيدة تستحوذ على النسبة الاكبر من السوق المحلية على رغم وجود اصناف اجنبية وتحديد الدولة اسعار السجائر في السوق. لكن تطوراً مهماً حدث في الثمانينات اذ زادت الحكومة الضريبة على التبغ المستورد ما جعل المنتجين يعمدون الى زيادة نسبة التبغ الاردني في "الخلطة" على حساب التبغ الاجنبي فتراجعت نوعية السجائر الاردنية. وعندما انهار الدينار الأردني في عام 1988 و1989 وفقد نحو ثلثي قيمته هبط عدد السجائر الذي بيع من 3.265.3 بليون سيجارة في 1988 الى 2.706.6 بليون في 1989. وعلى رغم ان المبيعات حققت زيادة في 1990 فانها كانت ضئيلة ارتفع معها عدد السجائر المباعة الى 2.972 بليون سيجارة وفي العام التالي بلغ العدد نحو 2.973.5 بليون. انخفاض صادرات وسجل عام 1989 انخفاضاً في كمية السجائر المصدرة الى نحو 85.6 مليون سيجارة مقارنة بنحو 1.695 بليون سيجارة في 1982. وبعد ذلك التاريخ لم يسجل التصدير الأردني للسجائر رقماً يستحق الذكر الا في عام 1991 عندما صدر الأردن نحو 719 مليون سيجارة بسبب السماح بتصدير السجائر الأردنية الى العراق، وهو باب ما لبث ان اغلق. وفي 1992 سجلت مبيعات "التبغ والسجائر الأردنية"، التي كانت لا تزال تحتكر صناعة السجائر انخفاضاً عن مبيعات عام 1991 نسبته 15 في المئة، على رغم الآمال التي راودت الشركة بارتفاع نسبة المبيعات بنحو 10 في المئة، نتيجة عودة المغتربين الأردنيين من الكويت وبلدان خليجية اخرى بعد حرب الخليج. وكان تعليل ذلك ان التهريب الذي كان محاصراً الى حد كبير بدأ يتحول الى ظاهرة خطيرة. وبدأت صناعة التبغ والسجائر الأردنية في التراجع في الاعوام من 1989 الى 1992 اذ ادت الازمة المالية في عامي 1988 و1989 الى زيادة تكاليف انتاج الشركة نتيجة انخفاض قيمة الدينار. وفي الوقت نفسه فان الحكومة رفضت تخفيض النسبة التي دأبت على تحصيلها من السعر الاصلي للسجائر وهو سعر تحدده الحكومة نفسها تتقاضى بموجبه مبلغاً يراوح بين 550 و560 فلساً عن كل دينار اردني من سعر العلبة الواحدة من السجائر. ما ادى في صورة مباشرة الى زيادة نسبة التبغ الأردني في "خلطة" السيجارة الوطنية على حساب التبغ الاجنبي وتسبب بالتالي في تدني نوعية السجائر الأردنية. ومع تراجع النوعية للسجائر الأردنية وفقدانها اسواقها الخارجية وازدياد نسبة السجائر المهربة في السوق الوطنية منحت الحكومة ترخيصين لشركتين جديدتين لانتاج السجائر هما "شركة الاتحاد لانتاج السجائر" و"الشركة الدولية للتبغ والسجائر". والاخيرة حاصلة على امتياز من شركة "روثمانز" لانتاج بعض الاصناف محلياً. ودفعت الحالة المتردية لسوق السجائر في الأردن شركة "آر. جي. رينولدز" الأميركية لأن ترفض عرضاً من شركة "التبغ والسجائر" الأردنية للدخول شريكاً استراتيجياً في الشركة الأردنية، فالسوق الأردنية "لم تعد مغرية"، كما ردت الشركة الأميركية على دعوة الشركة الأردنية. وهكذا اتفقت الشركتان على أن تنفذا معاً برنامج إعادة الهيكلة المشار إليها والذي فشل في إعادة الشركة الأردنية العريقة إلى سابق عهدها. زراعة التبغ ومع تعثر "شركة التبغ والسجائر الأردنية" كان من الطبيعي أن تتعثر زراعة التبغ في المملكة ويتضرر مزارعو التبغ الذين دأبوا عبر ستين عاماً على تزويد الشركة التي كانت تمثل وحدها صناعة التبغ والسجائر في البلاد، بحاجتها من التبغ الخام والمفروم. وكانت تلك الزراعة مزدهرة في أيام ازدهار صناعة التبغ والسجائر في العقود المشار إليها. وتعالت أصوات تطالب بحل صندوق دعم وتنشيط زراعة التبغ الذي مضى على انشائه نحو ربع قرن. ويعود تاريخ صناعة التبغ في الأردن إلى 1925 حين افتتحت شركة فلسطينية هي شركة "فريمان وديك" ومقرها حيفا فرعاً لها في عمّان وحملت اسم "شركة الدخان والسجائر الوطنية المساهمة" بهدف الاستفادة من زراعة التبغ في إمارة شرق الأردن التي لم يكن مضى على تأسيسها أكثر من ثلاثة أعوام. اما زراعة التبغ في فلسطين فكانت مزدهرة منذ وقت طويل. وفي 1929 صدر أول قانون لزراعة التبغ في الأردن، وبقي القانون سارياً حتى عام 1952 حين تم تعديله، ثم تم تعديل القانون المعدل بدوره في 1968 وتشكلت لجنة التبغ الفنية. وفي عام 1970 تم توقيع اتفاق بين وزارة الزراعة وبرنامج الأممالمتحدة الانمائي لتحسين زراعة التبغ، جدد في 1972 لتنفيذ خطة لتطوير زراعة التبغ. وفي 1973، انشئ صندوق تنشيط زراعة التبغ بقرار من مجلس الوزراء لتستحوذ على ما مساحته 29 ألف دونم او ما نسبته واحد في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في الأردن. غير ان الصندوق بدأ في تحمل فروق الزيادة في أسعار التبغ. وهي الفروق التي كانت تتحملها الشركة. وازداد حجم ما يدفعه الصندوق مع مرور الزمن ليتحول معها إلى ما يشبه صندوق معونة مهمته تقديم الدعم إلى مزارعي التبغ. أما لجنة التبغ الفنية فأنيط بها تقسيم التبغ إلى درجات بحسب المواصفات، فقسمته إلى أربع درجات وأوصت بتحديد سعر السجائر وفق هذا التصنيف. وفي ما بلغت المساحة الاجمالية المزروعة تبغاً نحو 90 ألف دونم في السبعينات وفق دراسة أعدتها وزارة الزراعة الأردنية، تقلصت المساحة إلى أن أصبحت 29 ألف دونم فقط في بداية التسعينات. وبدأت مشكلة مزارعي التبغ وعددهم نحو 1500 مزارع تكبر مع دخول شركات جديدة إلى السوق، إذ رفضت تلك الشركات شراء التبغ المحلي من المزارعين، لأنها، عدا على أنها غير ملزمة بالشراء، ترتبط مع موردين أجانب لشراء التبغ لاستخدامه بنسب معينة في صناعة سجائرهم. ولأن مزارعي التبغ ممنوعون من تصدير محصولهم إلا بعد تصنيعه، تفاقمت مشكلتهم وبلغت ذروتها في صيف العام الماضي عندما نفذوا اعتصاماً لهم أمام وزارة الصناعة والتجارة وقابلوا الوزير آنذاك، الدكتور هاني الملقي الذي أبلغهم ان الحل يكمن في اقناع الشركات بشراء محصول التبغ المحلي الذي يقدر بنحو 2900 طن سنوياً مع توضيح ان الحكومة لا يمكنها ان تضغط على الشركات لشراء المحصول المحلي. وحلت مشكلة محصول التبغ العام الماضي، أما في السنة الجارية فأعلن رئيس اللجنة المشرفة على إدارة شركة "التبغ والسجائر" الأردنية السيد مفلح عقل ان الشركة، وبالتعاون مع وزارة المال، تسلمت انتاج المزارعين من التبغ العام الجاري، وأنها، أي اللجنة، طالبت بالترخيص لزراعة عشرة آلاف دونم إضافية بالتبغ في السنة المقبلة. وأكد السيد عقل أن اللجنة تحرص على الوفاء بحقوق مزارعي التبغ، مثلما هي مهتمة بمشاكل الشركة ومستقبلها.