تكفّل بضعة من مرشحي دائرة دمشق الى انتخابات مجلس الشعب البرلمان السوري بتعليق نحو 30 ألف لافتة يصل طولها الى 180 كيلومتراً، سهر الخطاطون الليالي لتلوين بياضها بأكثر من 4،2 طن من الدهان. وتبلغ الكلفة التقديرية لهذه "العملية الدعائية" أكثر من 420 ألف دولار أميركي. واذا اضيفت كلفة الصور وثمن الحلويات والسندويتشات والولائم وأجور الطاقة والعمال سيتضاعف المبلغ مرات عدة. ويتنافس اكثر من سبعة آلاف شخص لدخول المجلس واحتلال الپ250 مقعداً التي يذهب 65 في المئة منها الى ممثلي الاحزاب المنضوية في "الجبهة الوطنية التقدمية" بقيادة حزب "البعث" يمثله 135 نائباً. وهناك 458 مرشحاً يتنافسون على 29 مقعداً مخصصة لدائرة دمشق. وطالما ان القيادة السياسية اختارت ال 16 ممثلاً عن أحزاب "الجبهة الوطنية"، فإن المنافسة تدور على 13 مقعداً مخصصة للمستقلين. لذلك فإن التجار تفننوا في شن الحملات والحملات المضادة، أرضاً في سوق "الحريقة" معقل التجار، وجواً في سماء شوارع دمشق... وهم مستعدون لتحمل الكلفة. بالتأكيد فإن المرشحين في انتخابات دول أخرى يصرفون اضعاف التكاليف السورية، لكن "الميزة" التي يقدمها معظم المرشحين أنهم مدّوا مئات الكيلومترات من الأقمشة لتكرار ذكر اسمائهم وليس لتقديم بيانهم الانتخابي وطموحاتهم في الدور التشريعي السابع الذي ينتخب في 30 الجاري. تلك "الميزة" على علاتها، فإنها تشكل موسماً اقتصادياً ينتظره الناس كل اربع سنوات، وهذه المرة جاء الموسم في محله ليحرك اسواق الاقمشة والحلويات والمطاعم والكهرباء والصوتيات. ولعل انشط الاسواق حالياً هو "سوق الخطاطين"، الذين أخذوا على عاتقهم القيام بالدور من وراء الكواليس، إذ أن اسماءهم تضيع حجماً ولوناً في زحمة الاسماء المتكررة. ومن التواقيع التي تحملها اللافتات: "عزت" و"لبابيدي ورياض" و"عبد" و"فارس". وقال الخطاط زهير عزت كويفاتي ان الخطاطين "ينتظرون موسم الانتخابات كل اربع سنوات لأنه يضاعف مدخولنا بضع مرات". وكان زهير ارتبط منذ انتخابات الدور السادس ببضعة مرشحين للقيام بپ"الحملة الكتابية". وهو اتفق مع رجال الاعمال نبيل سليم داوود وهاشم العقاد ومحي الدين حبوش وبديع فلاحة لتخطيط لافتاتهم. ويعلق أحدهم اكثر من ثلاثة آلاف لافتة في شوارع دمشق. واتفق زهير مع خطاطين آخرين لتلبية "بضعة مرشحين" من اصل 458 من مرشحي دمشق، يعلقون اكثر من 30 ألف لافتة بمساحة قدرها 180 كيلومتراً مربعاً. وقال زهير إن الدخل الشهري لكل خطاط عنده يساوي ما قيمته اربعة آلاف دولار اميركي مقابل مئتي دولار في الشهور الاخرى، لافتاً الى ان هذه الايام تشهد مضاربات في اسعار اللوحات مع ان "جمعية الحرفيين" التي يتبع لها الخطاطون أصدرت نشرة سعرية يفترض ان تكون ملزمة للجميع. وتنتج ورشة "عزت" 150 لافتة يومياً وتضم ثمانية اشخاص اضافة الى اخوته الثلاثة الذين ورثوا هذه "المهنة" عن والدهم عزت وهو "اول من اوجد فن اللافتات في هذا البلد في الخمسينات". وتحولت ورشته التي تقع في منطقة شعبية وراء سينما السفراء وسط دمشق، الى "مدرسة خرجت عشرات الخطاطين الذين يوقعون حالياً باسمائهم". ويراوح طول اللافتة بين أربعة وثمانية أمتار يفضل الخطاط زهير ان يشتريها بنفسه من تجار الاقمشة، وذلك كي يشتري افضلها من الذي يتحمل الامطار والرياح و"غزوات المنافسين" التي تشن بعد منتصف الليل. ويراوح سعر المتر المربع بين 20 و35 ليرة سورية الدولار يساوي خمسين ليرة. كما انه يختار الدهان، ما يوصل كلفة اللوحة الواحدة الى 400 ليرة