الكتاب: "العنصرية كما شرحتها لابنتي " المؤلف: الطاهر بنجلون ترجمة: نبيل محسن الناشر: ورد للطباعة والنشر - دمشق 1998 يهرب الطاهر بن جلون في كتابه "العنصرية كما شرحتها لابنتي" من الكثير من المفاصل والاسئلة التي تشكّل خلفية للظاهرة العنصرية، متجاوزاً بذلك الاسئلة التي قد تتبادر الى ذهن الطفل او حتى البالغ لان الكتاب موجه للبالغين على الغالب، كطرح ملح لتفسير ظاهرة استحقت من بن جلون ان يفرد لها منشوراً كاملاً… مفضلاً عليها الاجابة على اسئلة اخرى تطفو على سطح الظاهرة العنصرية، كشرح لكلمات متداولة في القاموس العنصري الاعلامي. وتظهر في هروبه هذا عقدة المهاجرين الاعتيادية والتي تحاول تفسير الظواهر على اساس فردي او افرادي في محاولة لتبرئة "الانا" من عقابيل الهجرة الجماعية الى العالم الاول. اللاعنصرية التي يراها بن جلون ويعتمد عليها في الرد على الظاهرة العنصرية نظرياً هي احدى نتائج تطور المجتمع المدني الغربي الجدلية مثلها مثل العنصرية، حيث تبدو اللاعنصرية كمنتج مجتمعي يتطلع الى الدفاع وصيانة مصلحة المجتمع العليا عبر الممارسة الحقوقية للأفراد والجماعات في مجتمعات العالم الاول. ويرى بن جلون ان ما يثير ويعزز العنصرية هي قيم المجتمع المدني المعاصرة، مؤكداً الافتراق الحضاري في النظر الى ما انجزته المجتمعات كوحدات انتاج متكاملة من جهة وبين متطلبات الفرد المنسلخ عن مجتمعه لاسباب تتعلق بفردانية وجوده ويريد تكريس هذه الفردانية عبر نجاحه بالاستفادة من المنجز الحضاري من جهة ثانية، اما عن طريق الاندماج الفردي او عن طريق تأسيس للغيتو تحت مظلة فوائد الاختلاف الجدلية. لذلك نرى بن جلون ينحو في مناهضته للعنصرية منحىً طوباوياً نظرياً من جهة ووعظياً برانياً من جهة اخرى، بحيث يتوازى تماماً مع الطرح المعادي للنازية بمعناه الاعلامي الاميركي محولاً بذلك المجتمعات المستقبلة للمهاجرين الى ما يشبه الاراضي الاميركية من دون الخوض في الخلفية التاريخية للنزوح، وبالتالي مناقشة الاسئلة حول العنصرية التي يواجهها المهاجرون من منطلق اراضٍ مستقبلة وليست مجتمعات مؤسسة عبر الزمان والمكان. وبالتالي فان الدخول في سياقها لا يشبه تماماً الحصول على قطعة ارض في الغرب الاميركي حيث الموارد والمكتسبات تستوعب الجميع. فالاوروبي ليس مضطراً لأن يقاسم المهاجر قطعة الحلوى لاسباب تتعلق بالمساواة بين جميع اصناف البشر على رغم ان قطعة الحلوى ذاتها شارك في صنعها وتقديمها له المهاجر كعامل او كمواطن من الدول الفقيرة التي ساهمت في بناء العالم الاول كمستعمرات سابقاً وكسوق حالياً، وتدفع ثمن الفعالية العالية لمؤسسات العالم الاول غالياً، وليس مضطراً طالما هو قادر على الرفض. وبالتالي فان مقولات مثل "البشر متساوون" او "ان الاختلاف جميل ومنتج" تبدو طوباوية تماماً. عند تفسيره للحالات الاستعمارية تبدو الجزائرالمحتلة تماماً مثل فرنسا المليئة بالمهاجرين، وكذا فلسطينالمحتلة مثل اميركا عندما يمارس الهنود الحمر العنصرية بحق المهاجرين. وتبدو العنصرية التي تكلم عنها بنجلون عمومية وفي اتجاه واحد، مؤكداً ان العنصري هو من يظن نفسه افضل او لنقل متفوقاً. ولكن الحقيقة ان العنصري هو الشخص او الجماعة غير القادرة على الاندماج لاسباب اكثر تنوعاً وعمقاً من الشعور الفردي بذلك، لذلك نشعر بأن اللاعنصرية التي تكلم عنها الكاتب هي صفة خيرية يجب على الآخر ان يتصف بهالأسباب اخلاقية. فالعنصري هو "شخص مفرد" بائس ومريض، انه كالجحيم، وهو "مختلف" ولكن بطريقة "لا تُقبل" ممايؤهل لحضور عنصرية مقابلة قد تكون اشد فتكاً نظراً الى احتكامها الى قيم اخلاقية فردية مثل الخوف والجهل والغباء! لا شك في ان ما طرحه بن جلون في كتيبه رداً على ما افترضه من تساؤلات ابنته لا يجانب الصحة بالمعنى العام، ولكن من الواضح ان هذه الابنة كانت تنتظر اجابات بما يتعلق بحياتها كمهاجرة، اجابات تتناول هويتها مقابل هوية الآخرين الذين قد لا يكونون فرنسيين مثل جان ماري لوبان الذي يدعي بأنه ليس لديه مشاعر عنصرية تجاه الشعوب الاخرى في بلادها ولكن موقفه واضح تجاه المهاجرين وهو ما يعتبره المواطن حقاً من حقوقه. ولكن لو قررنا ان هذه النظرة عنصرية لوجب علينا ان ننظر الى كل قوانين الدول النظرة ذاتها لانها تتضمن فقرات تفصل بين المواطن والمستوطن او المهاجر، خصوصاً اذا نظرنا الى الدول المستقبلة للهجرات الجماعية الموقتة والدائمة اذ تصبح ممارسة العنصرية يومية ومقننة والامثلة على ذلك كثيرة جداً. ان استنباط مقولات لمواجهة العنصرية يحتاج لاكثر من استذكار بعض القيم الاخلاقية او استخدام فقرة من التوراة كي نثبت ان المطلوب من اليهودي ان لا يكون عنصرياً لان عليه ان يستقبل اياً كان في بيته من دون الشعور بالعداء. وهو مثال مقلوب ومجزوء على كل حال، فالتوراة مليئة بالتعليمات العنصرية والعنيفة تماماً. ومع هذا فان تقاليد الضيافة لا تكفي لتفسير حالة البطالة، او اجتياح عصابات الاجرام والمخدرات للاحياء التي يقطنها المهاجرون، هذا بالاضافة الى الاحياء الغيتو غير المندمجة مع المجتمع الاصلي والمنتشرة في مدن اوروبا. اذن هناك مأزق وجودي مطبق على مستويات عدة، وهنا يكمن سؤال الابنة او - ابناء المهاجرين، ولذلك يبدو شرح بن جلون للظواهر العنصرية استعادة لردود كثيرة ومعروفة قيلت في حق النازية، حاول الكاتب تبسيطها كي تناسب اليافعين. ولكنه عبر هذه الاستعادة حلّق في الفضاء الوعظي الخيري والنظري من جهة، وانكمش على الفردي الاسري من جهة اخرى، لتتحول المجتمعات بين يديه الى مجرد تجمعات سكانية يجمعها اصرارها على الاختلاف. لذلك تبدو مقولة الانسان المنتمي الى اي مكان وأي زمان فضفاضة كأنها صادرة عن "هيبيز" الستينات على رغم جمالها وعفويتها، لكنها غير صالحة للجدل في المعطيات المستجدة للمجتمعات الغربية. وكان على البحث ان يذهب لتحليل ظاهرة العنصري في ظل الهجرة او الهجرات وليس الاكتفاء بالنظر اليها وهي معلقة في الفراغ