مهما كانت الصور الأولية للحياة الجامعية المفترضة في اذهاننا شديدة في قربها من الواقع وملامستها للشأن الجامعي، الا انها تراوح في عمومها بين الحلم والأمنية. كانت الجامعة بالنسبة الينا آمالاً عريضة وتطلعات آسرة تدفعنا لبذل الكثير من العطاء والجهد قصد بلوغها كمرحلة متقدمة نستطيع من خلالها الحصول على مكانة ومقام اجتماعي مرموق، لم نكن ندري ما اذا كانت الشهادة الجامعية وسيلة ام غاية، نهاية ام بداية، غير اننا بالطبع نستعظم للجامعي دوره الذي تصورناه ابعد من مجرد متلق للمعرفة وشارب لها بل ساع لإثرائها ومجادلة النظريات العلمية في أرقى مستوياتها. تخيلنا الجامعة في اشكال عديدة ومختلفة لكنها ظلت في النهاية ذلك المجهول الذي لم نعلم من محتواه الا بقدر ما ينقله لنا بعض الاصدقاء وبعض وسائل الاعلام. وكانت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن دون غيرها الأقرب الى عقولنا وقلوبنا لقربها اولاً ولصيتها الذائع ثانياً، فهي محل الاطراء وخريجوها موضع التقدير في معظم المؤسسات الأهلية والحكومية. الى ان دارت الأيام بنا فانضممنا الى هذه المؤسسة التعليمية وبدا ذلك الخليط من الصور المتراكمة في المخيلة في الانزياح مفسحاً المجال للعقل في التقاط صور اكثر واقعية للجامعة بمتعلقاتها عبر الممارسة والملامسة اليومية، حتى بدأت الجامعة تأخذ حجمها الطبيعي في تصوراتنا وانطباعاتنا. أعادت الحياة الجامعية ترتيب اهتماماتنا وطرق تعاملنا مع الناس والوقت والمدرس وغير ذلك ما اسهم في صياغة شخصياتنا وفق قوالب اكثر جدية والتزاماً، وهذا كما اعتقد العلامة الفارقة بين الجامعي الحق وغيره. فما تغير بالنسبة الينا ليس المبنى الدراسي او المنهج التعليمي ولا حتى المدرسون - وان كان في كل ذلك شيء من الاختلاف عن ما قبل الجامعة - بل نظرتنا نحن تجاه العالم والمعرفة، وتجاه المجتمع الذي ينتظر منا الكثير والكثير، لذلك فالذي ما زال يحمل نفس النظرة ونفس الانطباع لمرحلة ما قبل الجامعة هو بالتأكيد لم يعش الحياة الجامعية كما ينبغي ان تكون. أدركت حتى الآن ان الجامعة ليست مجرد فصول دراسية بل هي، وبتعبير اكثر دقة، ما بعد الفصول تلك، اي الشعور بالانتماء الجامعي بكل معانيه في اتجاه تقديم كل ما هو ممكن لاستحقاق لقب طالب جامعي. طالب في كلية الادارة الصناعية، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن - الظهران.