أسئلة كثيرة... وأجوبة قليلة. أسئلة واضحة... وأجوبة يكتنفها الغموض. أسئلة من مواقع قومية... وأجوبة ملتبسة بين التبعية المخجلة والصدامية المتسرعة. أسئلة عربية... وأجوبة غربية. أسئلة ملحة... وأجوبة متباطئة. الأسئلة: لماذا يريد نظام العراق أن يفتعل أزمة من شأنها إلغاء التباينات والتناقضات بين أعضاء مجلس الأمن في هذا الوقت بالذات؟ لماذا تندفع الولاياتالمتحدة نحو القيام بهجوم عسكري على العراق من دون أن يكون قد تم استنفاد الخيارات الديبلوماسية أو مداخلات الأمين العام للأمم المتحدة؟ لماذا يصر نظام العراق على خطاب استفزازي من شأنه أن يؤدي إلى "عزله" في حين أنه يدرك بلا شك حقيقة موازين القوى التي هو فيها الأضعف؟ لماذا لا تكذّب الأقطار العربية مقولة - أو ادعاء - وزير الدفاع الأميركي وليام كوهين بأن المواقف العلنية للدول التي زارها أخيراً لا تندرج في سياق المواقف المؤيدة - أو المسهلة - لضربة عسكرية يقوم بها المحور الأميركي - البريطاني؟ لماذا لا يتم تفعيل آليات العمل العربي المشترك وجعل رفع العقوبات عن شعب العراق أولوية مطلقة؟ لماذا يشهد العرب النزيف الحاصل داخل مجتمع العراق من دون المبادرة إلى اتخاذ الاجراءات اللازمة الممكنة لتفرض على المجتمع الدولي وضع الشأن العراقي ضمن أولوياته؟ لماذا لا يوجد حكماء عرب يحاولون اخراج الحال العربية من التشرذم باتجاه التنسيق؟ لماذا لا نجابه سياسة الاحتواء المتبادل باتخاذ مبادرة للحوار بالعمق مع إيران؟ لماذا لا تقوم دولة الكويت بمبادرة عربية شاملة لإنقاذ شعب العراق، يكرس المفهوم الأعمق لسيادتها على كامل أرضها؟ لماذا يصر نظام العراق على منع المفتشين الدوليين من التحقق في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة العراقية أنه لم يعد لديها أسلحة للدمار الشامل؟ لماذا تصر الولاياتالمتحدة - وبريطانيا - على عدم رفع العقوبات عن الشعب العراقي إلا إذا امتثل العراق لقرارات مجلس الأمن، وفي الوقت نفسه تصر الحكومة العراقية على أنها لن تمتثل للقرارات الدولية إلا إذا رفعت العقوبات؟ لماذا هذا الاقفال لخيار ايجاد مخرج؟ لماذا لا تتم صياغة مشروع عربي شامل يتضمن ايجاد آلية تفصل بين امتثال الحكم العراقي للقرارات الدولية وأخرى تعنى بإعادة بناء الروابط المجتمعية وتعيد الحيوية للإنسان العراقي المرهق والمعذب؟ هل كتب على العراق أن يبقى خارج الإطار القومي الذي ينتمي إليه لأن عودته معافى تعني اسهاماً في معادلة تعيد نوعاً من التوازن؟ أليس من مجال لإيجاد فسحة للأمين العام للأمم المتحدة ليكرر تجربة شباط فبراير الماضي في الديبلوماسية الوقائية التي مارسها بنجاح؟ لماذا يعمل كل من النظام العراقي والإدارة الأميركية على احراج الأمين العام، وكأنهما متفقان على عدم الخروج من المأزق والانسحاب المتبادل من شفير الصدام؟ * * * هذا في ما يتعلق بالعراق... أما فلسطين فالأسئلة متكاثرة ومتواصلة. لماذا لم تصر القيادة الفلسطينية على أن يكون الوضع القانوني للأراضي المحتلة على أنها أرض محتلة؟ ألم تدرك القيادة الفلسطينية أن عدم تثبيت هذا المنطلق القانوني يعرض حقوقها الوطنية للتصرف بصورة مغايرة لما رسخته القرارات الدولية وما يمليه القانون الدولي؟ لماذا تستمر السلطة الفلسطينية في وصف "إعادة الانتشار" وكأنه انسحاب وعودة للأرض؟ لماذا لم تحرص القيادة الفلسطينية على ابقاء مرجعيتها العربية، على رغم ما يعتري هذه المرجعية من ضبابية وفقدان البوصلة؟ ألم تكن القضية الفلسطينية محور التعبئة لهذه المرجعية؟ هل استبدلت القيادة الفلسطينية مرجعيتها العربية بالمرجعية الأميركية؟ هل صحيح ان هذا الاستبدال جاء بعد دعوة فلسطينية إلى قمة عربية مصغرة، قبلت ثم ارجئت، أو بالأحرى رُفضت، بعد مداخلة من المرجعية الأميركية؟ هل صحيح ان القيادة الفلسطينية تعتبر أن المرجعية الأميركية القوية أضمن لحقوقها الوطنية والإنسانية من المرجعية العربية المستضعفة؟ هل تعي القيادة الفلسطينية بدقة معاناة شعبها وان ما تقوم به الآن من محادثات ومساومات سيجلب بعثرة غير مسبوقة لأي كيان فلسطيني؟ هل تدرك القيادة الفلسطينية ان مستلزمات "الأمن الإسرائيلي" تدفع السلطة الفلسطينية بوعي أو بلا وعي نحو انقسامات خطيرة - وخطيرة جداً - بين مختلف شرائح الشعب الفلسطيني؟ ألا تدرك القيادة الفلسطينية أن المقاومة المشروعة للاحتلال هي وحدها الضامنة ضد عمليات فردية وارهابية؟ ألا تعلم القيادة الفلسطينية أن الكبت يولد الانفجار؟ كيف توفق السلطة الفلسطينية بين إمعانها في "المفاوضات" مع إسرائيل في حين تستمر الطائرات الإسرائيلية بضرب القرى والدساكر والمخيمات في لبنان، خصوصاً جنوبه؟ ألا تعي القيادة الفلسطينية ان فصل المصائر بين لبنانوفلسطين سبّب المهالك التي كادت تودي بكل من لبنانوفلسطين؟ هل من المعقول أن تقتنع السلطة الفلسطينية بأن هناك فرقاً جوهرياً بين حزبي العمل والليكود؟ وهل من المعقول أن تقتنع السلطة الفلسطينية أيضاً بأن الليكود بزعامة نتانياهو وشارون أفضل من اليمين "المتطرف" داخل إطار التحالف الليكودي الحاكم؟ هل كتب على القيادة الفلسطينية أن تستمر في الاختيار بين السيئ والأسوأ متذرعة بواقعية مزورة؟ لماذا ترضخ السلطة الفلسطينية لمفهوم إسرائيل في تفسير مقتضيات أمنها؟ أليس صحيحاً أن استمرار وجود المستوطنات المستعمرات وتوسيعها هو بمثابة ارهاب منظم؟ ومن المسؤول يا ترى عن أمن أرض فلسطينالمحتلة ومواردها؟ لماذا اقتصار الاتفاقات المعقودة على تأمين الأمن للإسرائيليين، في حين ليس من تبادلية في توفير الأمن للشعب الفلسطيني من تهديدات المستوطنين وعمليات الضم والتهويد في القدس العربية؟ لماذا لا يُعاد إحياء إطار الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني بين الرازحين تحت الاحتلال وفلسطينيي الخارج والمخيمات؟ لماذا لا نفكر بإقامة سلطة محلية في الأراضي المحتلة لها مصداقية وهيبة مقبولة، فيما تتفرغ القيادة إلى إعادة التعبئة لربط شرائح الفلسطينيين بعضها ببعض؟ لماذا تعمل القيادة الفلسطينية على حصر علاقاتها العربية بالدول المطبّعة مع إسرائيل، وعلى رغم اننا لا ندعو إلى فك هذه العلاقة إلا أنه لم يعد جائزاً أن تبقى محصورة بها. لماذا تبدو عمليات إسرائيل العدوانية والتوسعية وكأنها مفاجآت للقيادة الفلسطينية، وتستوجب بالتالي الشكوى إلى المعنيين بالأمر وحضهم على التدخل ومن ثم الشكوى إلى المنسق الأميركي؟ كثيرة كثيرة هي الأسئلة المتعلقة بالشأن الفلسطيني. لعل آخرها الحاح إسرائيل على حذف أكثر من عشرين بنداً من ميثاق منظمة التحرير! لماذا لا تصر السلطة الفلسطينية بدورها على "التبادلية" التي يقول بها نتانياهو، بحيث تطلب السلطة من إسرائيل إلغاء القانون المؤسس الذي يعطي كل يهودي مؤهل الحق في المواطنية الإسرائيلية، في حين أن حقوق اللاجئين المعترف بها غير قابلة للتنفيذ؟ ألا يجب على القيادة الفلسطينية أن تطالب بالحقوق المدنية والقومية الكاملة للمواطنين العرب داخل "إسرائيل"، بدلاً من "توجيه" لفلسطينيي الداخل العطاشى لمساعدة قومهم أن يستنسبوا دعم أية حكومة إسرائيلية تتبنى اتفاقيات أوسلو وواي؟ لماذا لا ترد السلطة الفلسطينية على التشويه الإسرائيلي الذي يدعي ان الميثاق يدعو إلى "تدمير إسرائيل" ما يعطي انطباعاً بأن هذه حقيقة قائمة؟ لماذا لا توضح ان ما دعا إليه الميثاق هو تفكيك المنشآت الصهيونية العنصرية مثل المستوطنات، والقوانين التي تميز بين اليهود وغيرهم كما هو حاصل في كل فلسطين، خصوصاً في القدس العربية؟ ثم ان الميثاق يدعو إلى حق العودة في حين ان إسرائيل تمنع ذلك كسياسة عامة نابعة من المشروع الصهيوني الذي جعل التمييز العنصري مؤسسة قائمة؟ * * * هل كُتب على القضية الفلسطينية الكبرى أن تتحول إلى مسلسل من المشاكل الصغيرة المتناثرة لا رابط يجمعها ولا أرض تمارس فيها سيادتها المستحقة؟ * * * لو كانت هذه هي كل الأسئلة لكان بالامكان الإجابة على بعضها، لكن أسئلة متكاثرة في مختلف أرجاء الأمة العربية تفتش بدورها عن أجوبة، وكأنها بحالة يمكن وصفها ب "لا حياة لمن تنادي". ... ثم نتذمر ونشتكي ونتظلم من استكبار وغطرسة من يعملون على إملاء اراداتهم علينا... لأننا في ما نقوم به نفضل أن يطبطب على اكتاف قادتنا مقابل وصفهم ب "المعتدلين" على حاجتنا إلى انتزاع احترام الغير لنا. هل هذا كثير علينا؟ أسئلة من دون أجوبة هي وصفة لانتفاضة ممكنة... ومطلوبة تفرز طلائع قادرة على الاجابة. * مدير مركز دراسات الجنوب في الجامعة الأميركية في واشنطن.