أجرى المبعوث الأميركي ريتشارد هولبروك محادثات مطولة في كل من بلغراد وبريشتينا تتعلق بمبادرة أميركية تضمن وقف العنف في كوسوفو وتستبعد خيار التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في الوقت الراهن. ولم يتوفر موقف واضح من بلغراد في شأن هذه الاقتراحات ما تطلب عودة هولبروك للالتقاء ثانية مساء أمس الثلثاء بالرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش بعدما اجتمع مدة أربع ساعات ونصف الساعة مع الزعيم الألباني المعتدل ابراهيم روغوفا. وجاء ذلك في وقت أجرى الرئيس الروسي بوريس يلتسن اتصالات مع العديد من نظرائه الغربيين وأبلغهم "موافقة" ميلوشيفيتش على استقبال بعثة لتقصي الحقائق ترسلها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الى كوسوفو. وأفادت وكالة أنباء "انترفاكس" الروسية ان يلتسن لفت نظر الرئيس الفرنسي جاك شيراك الى انه "سيكون للتدابير العسكرية ضد يوغوسلافيا عواقب دولية خطيرة". ونقلت الوكالة عن وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف ان موسكو "ستستخدم حق النقض فيتو في حال بحث مجلس الأمن في مسألة اللجوء الى القوة في أزمة كوسوفو". وحذر وزير الدفاع الروسي ايغور سرغييف في تصريح أدلى به خلال زيارته لليونان من أن تدخل الحلف الأطلسي ضد مواقع صربية "قد يؤدي الى عودة الحرب الباردة وتأجيل التصديق على معاهدة ستارت - 2 الخاصة بالأسلحة النووية". وفي تحذير الى الغرب، اعلن آمر مديرية التعبئة في هيئة الأركان العامة الجنرال فلاديسلاف بوتيلين أمس ان القوات المسلحة الروسية "تملك كل ما يلزم لتنفيذ أي ايعاز يصدره الرئيس أو الحكومة في سياق تطور الأحداث حول كوسوفو". وأوضح ان هناك وحدات "التأهب الدائم" المجهزة بكل ما يلزم للتصرف في زمن الحرب، إلا أنه شدد على 51 "امكانات التسوية السلمية لم تستنفد". وعرض خبراء معهد الدراسات الدفاعية الروسي توقعاتهم لسيناريو الأحداث. وذكروا ان حلف الأطلسي قد يبدأ عمليات لها أهداف سيكولوجية في البداية باطلاق صواريخ "توماهوك" واستخدام الطيران لأجهزة "تورنادو" للتحريك بالليزر بهدف قمع مقرات القيادة ومنصات الدفاع الجوي. وفي اطار المرحلة الأولى تدمر خطوط الكهرباء وعقد الاتصالات وكذلك المدارس والمستشفيات التي يمكن استخدامها لتجمع المدنيين. وبموجب السيناريو يتوقف القصف لاعطاء الساسة مهلة للتفاوض من مواقع القوة. وفي حال اخفاق المفاوضات، تبدأ المرحلة الثانية لابادة المدرعات وقمع الدفاع الجوي بالكامل. وتوقع الخبراء الروس ان الضربة لن تحقق أهدافها وان الصرب سوف يستخدمون صواريخ سوفياتية الصنع مضادة للجو يمكنها اعتراض "توماهوك". وفي مينسك اعلن الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشنكو ان بلاده تتخذ موقفاً "أكثر تشدداً" من روسيا وقال انها ستعد لتزويد بلغراد بالأسلحة والمعدات العسكرية لمساندة "الاشقاء السلافيين". ويكتسب تصريح لوكاشنكو أهمية خاصة لأنه "يعفي" روسيا من مسؤولية تصدير السلاح الى بلغراد ويضع هذه المهمة على عاتق الجمهورية الحليفة لموسكو. وساطة هولبروك وفي بلغراد وبريشتينا، ظهرت بعض المؤشرات الى أن مساعي المبعوث الأميركي هولبروك أخذت تسلك منحى باتجاه تهدئة الأمور ووضع ضوابط لارغام بلغراد على التقيد بتعهداتها وهو ما يؤجل البت في خيار استخدام القوة على ضوء تطور الأمور سلباً أم ايجاباً. وأبلغ مدير المركز الاعلامي لألبان كوسوفو أنور ماليوكي "الحياة" هاتفياً من بريشتينا بعد محادثات استمرت أربع ساعات ونصف الساعة اجراها هولبروك مع الزعيم الألباني ابراهيم روغوفا، ان المناقشات "اتسمت بالسرية التامة ولا يستبعد أن تكون تناولت اقتراحاً أميركيا لحل أزمة كوسوفو". وأشار ماليوكي الى ان هولبروك سيقرر إذا كان سيعود ثانية الى بريشتينا وذلك بعد اجتماعه الثاني مع ميلوشيفيتش "لكن المعروف عن هولبروك أنه لا يعود الى بلاده فارغ اليدين". وأوضح ان هولبروك "على الأرجح سيوظف نتائج جولته نحو حض المطالبين بالتدخل على تأجيل قرارهم لبعض الوقت، استناداً الى وعود حصل عليها من ميلوشيفيتش تتعلق بوقف العنف في كوسوفو وتسوية كل الأمور المثارة بتسويات سلمية من خلال وساطة واشراف دوليين". واعتبر ماليوكي ان "الأمور تغيرت الآن عما كانت عليه قبل يوم أو يومين نحو الاتجاه السلبي في شأن تحقيق مطلب الألبان بالتدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي لوضع حد للعدوان الصربي على ألبان كوسوفو". من جهة أخرى أكدت مصادر مطلعة في بلغراد ل "الحياة" وجود مشروع أميركي جديد لحل أزمة كوسوفو ويحظى بموافقة دول مجموعة الاتصال بما في ذلك روسيا "وأن هولبروك عرضه على كل من ميلوشيفيتش وروغوفا". وأشارت هذه المصادر الى أن المشروع في اطاره العام ينص على بقاء كوسوفو كاقليم داخل صربيا ويوغوسلافيا ويحقق الحكم الذاتي للألبان ضمن مراحل تبدأ بتنفيذ المطالب الدولية بالالتزام الكامل بوقف النار في كوسوفو وسحب القوات الصربية الى ثكناتها وعودة اللاجئين الى ديارهم بضمانات دولية واجراء مفاوضات ايجابية باشراف وضمان دوليين".