قضية تخصيص المطارات المصرية تطرح نفسها من جديد هذه الايام، مذ اعلنت الهيئة المصرية العامة للطيران المدني فتح الباب أمام الشركات العالمية والمستثمرين للتقدم بعروضهم بقصد إنشاء وادارة المطارات التي تم طرحها على القطاع الخاص. والمطارات المعنية هي: العلمين ودهب وشرق العوينات والداخلة والفرافرة والواحات البحرية. وعلى رغم طرح هذه المطارات على القطاع الخاص منذ ما يزيد على عام عمدت خلالها نحو 25 شركة استثمارية مصرية وعربية واجنبية الى سحب كراسات الشروط الخاصة بالمطارات، إلا انه لم يتقدم بعرض جدي لمطار دهب سوى شركة سعودية. كما لم يتقدم لمطار العلمين سوى شركة أخرى كويتية. وهي الشركة نفسها التي ستنشئ مطار "مرسى علم" لكنها انسحبت فجأة من تنفيذ انشاء مطار "العلمين" لتثير عددا من علامات استفهام حول مستقبل برنامج تخصيص المطارات في ظل عدم تقدم المستثمرين لانشاء المطارات الخاصة. ويبقى السؤال لماذا هذا التراجع من جانب القطاع الخاص؟ وزارة النقل والمواصلات المصرية في تطبيقها للفكر الجديد حول التخصيص، طرحت مطارات مرسى علم والعلمين ودهب والوادي الجديد على القطاع الخاص. ووضعت هيئة الطيران المدني البنود الأولى لانشاء مطار دهب مع احدى الشركات السعودية، إلا أن العراقيل التي تواجه هذا العرض تسير بالاتفاق نحو الفشل، مثلما فشل اتفاق الشركة الكويتية في تنفيذ مطار مرسى علم منذ نحو عام. أما مطارات العلمين والوادي الجديد فلم تكن هناك أي عروض في شأنها ومن هنا فإن الحكومة المصرية لم تقف مكتوفة الأيدي في انتظار عروض مستقبلية، بل بدأت في انشاء مطار الداخلة، ليتم الانتهاء منه بالفعل. ثم بدأت في العمل في مطار "شرق العوينات" بالإضافة الى إعلان الحكومة استعدادها لإنشاء مطارات أخرى في المواقع التي تسهم في دعم حركة التنمية. وعن احجام المستثمرين عن الاستثمار في انشاء مطارات خاصة أكد رئيس هيئة الطيران المدني اللواء طيار عبدالفتاح كاطو إن الأمر ليس احجاما بل عملية تحتاج الى دراسة متأنية لكي يتأكد المستثمر من حجم العائد الذي سيحققه من المطار وهذا يقتضي التفكير الطويل قبل الاقدام. ويشير إلى أن الدولة قدمت الكثير من التسهيلات للمستثمرين باعطائهم مساحات من الاراضي حول المطار لإقامة مشاريع تجارية وسياحية يمكن أن تدر ارباحا اضافية لرفع قيمة الاستغلال، وذلك في ظل القانون الخاص بالسماح للقطاع الخاص بإنشاء وإدارة المطارات بنظام B.O.T وهو يعني تحمل المستثمر كلفة انشاء وإدارة المطار واستثماره لمدة محددة على أن يؤول المطار إلى الحكومة المصرية بعد انتهاء المدة، وهذا النظام أقره مجلس الشعب البرلمان المصري. ويضيف ان مشروع المطارات الخاصة يعد الأول الذي ينفذ في مصر بنظام البناء والتشغيل والعودة الى الحكومة. وعدم اقبال المستثمرين يرجع الى أن عائد الاستثمار في هذه المشاريع "طويل" الأجل، ليس سريعاً، بينما المستثمر يريد ربحاً سريعاً ومن هنا يأتي تردد المستثمر عن دخول مشروع مثل المطارات الخاصة التي تحتاج الى "خبرة استشارية واسعة غير متوافرة في مصر، ما يترتب عليه عدم القراءة المتأنية لكراسة الشروط". ويؤكد كاطو انه ستتم "اعادة" طرح مطار العلمين ومطارات الوادي الجديد على القطاع الخاص. بنود إلزامية وعن قلة العروض المقدمة لانشاء المطارات وامكان تعديل كراسة الشروط لجذب المستثمرين، يقول كاطو ان المستثمرين يعتقدون ان كراسة الشروط فيها بنود "إلزامية" وتعجيزية كثيرة، على رغم ان قراءتها جيدا تبين أنه ليس هناك الزام أو تعجيز للمستثمر بتفاصيل محددة، لذلك فهو يدعو المستثمر الى إعادة دراسة كراسة الشروط بتمعن على أساس ان المطارات الخاصة تعد من المشاريع ذات المخاطر الكبيرة، وأرباحها لا تتحقق إلا على المدى البعيد. وفي شأن شكوى مستثمرين عدة من بنود بعينها في كراسة الشروط يقول كاطو، إنه بالنسبة الى اشتراط توفير سكن العاملين في المطار الخاص الذي يتم انشاؤه في منطقة نائية مثل مطارات الوادي الجديد ومرسى علم ودهب والعلمين، فإن ايجاد مكان لإقامة العاملين ضرورة لا غنى عنها، لا سيما وأن طبيعة العمل في الطيران تحتاج الى حضور الموظفين والفنيين على مدار الپ24 ساعة، وهذا يحتم اقامة "مدينة سكنية" لكن الأمر "لا يعني اننا نلزم المستثمر بمدينة تسع عشرة آلاف عامل على سبيل المثال، لكننا افترضنا انشاءها على مراحل لتستوعب العاملين في المطار، وهذا لمصلحة العمل داخل المطار ولتأمين سلامة الطيران المدني". أما في ما يختص بالاستعانة بخبرات العاملين في الطيران المدني فيقول كاطو: "من أين سيأتي المستثمر بعمالة لتشغيل برج المراقبة الجوية أو المساعدات الملاحية في المطار، هذه النوعية من الاعمال تتطلب فنيين غير موجودين إلا في هيئة الطيران المدني. وبالتالي فإنني اعطي للمستثمر نقاطا اشاردية - وليست شروطا - لمصلحة العمل في داخل المطار، إلا ان المستثمرين وجدوا ان هذه النقاط تحتاج الى كلفة مالية ضخمة وهو ما لا يريدونه". برنامج مدروس وعن عدم طرح مطارات قائمة بالفعل للقطاع الخاص، يقول اللواء كاطو إنه لا يمكن بيع المطار القائم بأصوله حاليا، ولكن خطوة من هذا القبيل تبقى مرحلة متقدمة جدا. ويشدد على ان الأهم حالياً هو تنمية المناطق الجديدة النائية التي تحتاج الى استثمارات، وبالتالي لا بد من وجود مطارات فيها لجذب حركة الاستثمارات. ويختم بالقول ان المطارات التي تم طرحها للقطاع الخاص مختارة بطريقة علمية ومقسمة وفق برنامج مدروس يسهم في دعم حركة التنمية.