ماذا يؤخر الاتفاق في مزرعة واي؟ المفاوضون الفلسطينيون والاسرائيليون تجاوزوا مسألة الانسحاب من 13.1 في المئة من الأرض الفلسطينية، فالانسحاب محسوم، إلا ان شروطه تكاد تكون تعجيزية، فرئيس وزراء اسرائيل لا يزال يعاند في ثلاثة أمور هي تعديل الميثاق وتسليم المطلوبين والمرحلة الثالثة. هذه المواضيع مستهلكة، وواضح ان التذرع بها ليس سوى محاولة أخرى لنسف الاتفاق كله. حزب العمل يقول ان الميثاق عدّل، ويقول ان النصوص التي تدعو الى تدمير اسرائيل عطلت أو الغيت، ومع ذلك يصرّ نتانياهو على تعديل صعب لأنه سيشمل استدعاء أعضاء المجلس الوطني من حول العالم، للبحث في موضوع قتل بحثاً، أما تسليم المطلوبين فهو كلمة حق يراد بها باطل، لأن اسرائيل تريد ان يسلمها الفلسطينيون كل مواطن تعتبره متهماً على أساس أدلة تقدم من جانب واحد، وهذا يعني تحويل السلطة الوطنية الى شرطي لاسرائيل، واثارة الشعب على قيادته إذا قبلت فعلاً تسليم كل من تطالب به اسرائيل. ثم هناك المرحلة الثالثة، وهي جزء من اتفاقات أوسلو، أو لا تكون هناك اتفاقات، ولم يطلب نتانياهو الغاءها صراحة، إلا انه فعل عملياً عندما اقترح ان تشمل المرحلة الثالثة انسحاباً من واحد في المئة فقط من الأراضي الفلسطينية، أي لا مرحلة في الواقع. في وجه هذه المحاولات الاسرائيلية لقتل المفاوضات يقف الرئيس كلينتون وحيداً بين الطرفين، وهو يحاول ان ينتزع اتفاقاً من مستوى ما انتزع جيمي كارتر في كامب ديفيد. وقد استثمر الرئيس الأميركي 50 ساعة من وقته حتى الآن، على مدى ستة أيام، ولا يزال يحاول، وهو ألغى مناسبات مقررة، كما الغى مؤتمرات حزبية واجتماعات لجمع التبرعات للحزب الديموقراطي في حملته الانتخابية. مع ذلك لا يتوقع المراقبون ان يقضي كلينتون 13 يوماً مع المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين، كما فعل جيمي كارتر مع المصريين والاسرائيليين في كامب ديفيد، فالاتفاق الحالي يجب ان تكتمل تفاصيله خلال يوم أو يومين، أو يعود كل مفاوض الى بلده. وتبقى مهمة كلينتون أصعب كثيراً من مهمة كارتر، فمناحيم بيغن كان ارهابياً مداناً، ينطوي على كل ما يكره العرب ويرفضون. أما نتانياهو ففيه صفات بيغن، إلا أنه معها كلها كذاب محترف لا يثق حزبه وزوجته بأي كلمة يقولها، ناهيك ان يثق به الفلسطينيون، وان يضمنه الأميركيون لهم. وهو احتفل بعيد ميلاده التاسع والأربعين أمس، أي 49 عاماً من الكذب المرضي المجبول بالخرافات الدينية، وبعنصرية المستوطنين وتطرفهم. هل يفترض أن يهنئه أبو عمار بعيده؟ لا ادري اذا كان فعل، ولكن يكفي "الختيار" ان يجلس وجهاً لوجه مع اريل شارون، وهذا ارهابي ومجرم حرب، مكانه محكمة لاهاي لا مزرعة واي. وقرأنا ان أبو عمار أشار الى كلام "الجنرال شارون" من دون ان ينظر إليه، وان شارون استشهد بكلام "تشيرمان" عرفات، أيضاً من دون أن ينظر اليه. وكانت قامت ضجة خلاصتها ان الرئيس الفلسطيني ألقى التحية، عن بعد، على شارون، إلا أن الوفد الفلسطيني أنكر ذلك، وبدا ان نتانياهو يؤيد كلام الفلسطينيين، ما ترك المراقب مثلي يشك في كلام هؤلاء الفلسطينيين، على اعتبار ان نتانياهو يكذب. ولكن ربما كان الأمر هذه المرة انه قال الحقيقة ليجعلنا نرجح عكسها. وفي النهاية، فالاتفاق غير ممكن من دون الأميركيين، لأن الطرفين يكرهان أحدهما الآخر، الى درجة عدم السلام، أو النظر عيناً لعين. والرئيس كلينتون لا يستطيع ان يخرج من هذا المؤتمر خالي الوفاض، فبعد نجاح وساطته في البوسنة سنة 1995، وفي ايرلندا الشمالية هذه السنة، بات يشعر بأن لعب دور وسيط سلام دولي اهون عليه من الغوص في السياسة المحلية بقدر ما هو أهم. وقد استثمرت الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط اضعاف ما فعلت في أي منطقة أخرى من العالم، لذلك فالفشل سيكون خسارة لها أيضاً، ترفض ان تتحمل تبعاتها. الفشل في مزرعة واي سيعني أن يعلن الرئيس عرفات الدولة الفلسطينية المستقلة في الرابع من أيار مايو القادم، وربما أدى ذلك الى مواجهة مسلحة مع الاسرائيليين تعيد المنطقة كلها الى اجواء الحرب. والأرجح ان نتانياهو سيمضي في الاتفاق، على مضض، اذا ضمن هذه النقطة فقط، أي اذا ضمن ألا يعلن أبو عمار دولته من طرف واحد. لذلك فالاتفاق يهمه بقدر ما يهم الرئيس كلينتون، وان اختلفت الأسباب. وهما بذلك يلتقيان مع الرئيس عرفات الذي اختار طريق السلام الى درجة الغاء خياراته الأخرى. وإذا كان هذا الكلام يعني انه سيكون هناك اتفاق، فإننا نبقى بانتظار التفاصيل.