في أحد لقاءات المرشح الفلسطيني للرئاسة ، لم يتمالك أبومازن نفسه أمام هتافات الجماهير فراح يخطب على طريقة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بل إنه استخدم واحدة من أبرز جمله المتطلعة إلى الوعد التاريخي باستقلال فلسطين وتحرير القدس عبر "شبل من أشبالنا وزهرة من زهرات شبابنا..ملوحاً بالعلم الفلسطيني على مآذن القدس.." ولم ينقص أبومازن سوى استشهادات ياسر عرفات الشهيرة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، عن النصر المحقق للفلسطينيين بعد غلبة اليهود المؤقتة!! أبو مازن ليس نسخة من أبوعمار.. وهو لا يريد ذلك.. بل إنه أعلن الاستقلال بشخصيته في حياة عرفات.. على خلفية صراعه الشهير مع الرئيس، بعدما انتزع منه رئاسة الوزارة بتشجيع أمريكي وأوروبي وإسرائيلي، تحت عنوان ممارسة الإصلاح الداخلي في البيت الفلسطيني، وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية. لم تكن مهمة محمود عباس سهلة. خاصة وأن العراقيل بدأت معه منذ استلم موقعه.. بل إنه سمع في أوساط الرئيس الراحل وصفه بكرزاي فلسطين، جاء على غير رغبة من شعبه.. ومن جهة أخرى فإن الأمريكان كانوا قد تخلوا عن محاولاته ممارسة دوره، بعد القمة الأمريكية العربية الشهيرة بين شرم الشيخ والعقبة. اليوم وبعد ما انزاحت العقبة الكأداء أمام عملية التسوية السلمية في نظر شارون برحيل ياسر عرفات.. باتت بعض الأوساط الإسرائيلية تراهن على استتباب الأوضاع، بمجيء محمود عباس رئيساً جديداً للفلسطينيين.. فهل سيتم تنفيذ خريطة الطريق هذه التي حاولت ضخ الحياة في أوصال اتفاقية أوسلو المجهز عليها من قبل الإسرائيليين؟! يأخذ هؤلاء - وهم بطبيعة الحال الأمريكان - بأن ياسر عرفات أضاع فرصة تاريخية، حين كانت الإدارة الإسرائيلية بقيادة حزب العمل، فهو لم يستجب لتنازلات أيهود باراك في محادثاته الطويلة مع الرئيس الفلسطيني الراحل، في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، هذا الذي حاول الدخول إلى التاريخ من أوسع أبوابه، لو أنه تمكن من جمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة واحدة للتوقيع على معاهدة سلام، في كامب دايفيد.. كما تمكن سلفه الديموقراطي الرئيس جيمي كارتر من ذلك بين أنور السادات ومناحيم بيجن سنة 1978م.. يأخذ هؤلاء وأولئك على ياسر عرفات أنه فوت على شعبه الفرصة، حتى أصبح رهين سجنه الرئاسي في رام الله إلى آخر يوم في حياته.. إلا أنهم ينسون أو يتناسون.. بأن ما قدم لياسر عرفات، في كامب دايفيد وفي طابا، لا يعدو أن يكون في نهاية المطاف حكومة بلدية !! أي هو نفس ما ذهب إليه مناحيم بيغن، في محادثاته مع الرئيس المصري الراحل.. مجرد حكم ذاتي للفلسطينيين منزوع السيادة.. فلا عاصمة فلسطينية في القدس ولا عودة للاجئين.. في الأقل للمهجرين بعد كارثة 67لا المهجرين بعد نكبة .48.ولا إزالة للمستوطنات والطرق الالتفافية التي اخترقت المدن الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو!! هذه المطالب التقليدية لأي مسؤول فلسطيني.... كررها الرئيس الفلسطيني المرشح في لقاء جماهيري قبل أيام، استعداداً لخوض الانتخابات التي تحتاج عادة إلى شعارات شعبوية.. أحسب أن هذا ما خطر في ذهن محمود عباس حينها.. واستتبع ذلك أن يصف إسرائيل بالعدو الصهيوني كوصف استهلاكي يقال في مثل هذه المناسبة!! فالرجل يقوم برنامجه السياسي على نزع العسكرة من الانتفاضة، والتوسل بالإجراءات المدنية في الصراع مع عدو الفلسطينيين والعرب التاريخي.. ومع ذلك انزعجت واشنطن بانزعاج تل أبيب من هذا الوصف العابر.. واعتبرته مؤشراً سلبياً على توجه محمود عباس!! حقيقة الأمر أنهما يستخدمان مبدأ بوش في الضربات الاستباقية! فلا يريدانه أن ينطلق من أي ثابت من ثوابت السياسة الفلسطينية، تلك المتعلقة بالقدس وحق العودة وتقرير المصير.. فالخطة مرسومة منذ أمد، وهي لا تتجاوز ما رسمه رواد الصهيونية من بن غوريون إلى بيغين وليس آخراً شارون.. أو بيريز.. لا فرق بين يمين ويسار في المسألة الفلسطينية.. أي مجرد حكم ذاتي بلدي لا أقل ولا أكثر! هل فهمت يا أبا مازن.. وإلا فمصيرك مصير أبي عمار؟!