يسعى الاقتصاد السعودي بجدية إلى التكيف مع المستجدات الطارئة على الساحتين الاقتصادية والمالية الدولية لا سيما في ما يتعلق بتداعيات الأزمة المالية الآسيوية، وانخفاض أسعار النفط نتيجة وفرة العرض في الأسواق الدولية. وبعد مرور 14 شهراً على الأزمة المالية الآسيوية، ونحو تسعة أشهر على تراجع أسعار النفط، بدأ جلياً أثر الأزمة على الاقتصاد السعودي، وإن كانت أقل ضرراً مقارنة باقتصادات دول أخرى كانت مرتبطة بدرجة أو بأخرى بدول شرق آسيا. وتركزت تأثيرات الأزمة الآسيوية على قطاع النفط، وسوق الأسهم السعودية، والقطاع المصرفي، وكذلك قطاع الصناعة لا سيما غير النفطية. القطاع النفطي في ما يتعلق بالقطاع النفطي كانت الأزمة المالية الآسيوية أحد أسباب تردي أسعار النفط التي هبطت من 16 دولاراً العام الماضي إلى 10 دولارات السنة الجارية، وأدت الأزمة الآسيوية معطوفة على عوامل أخرى إلى تراجع الطلب في تلك البلدان على النفط بدرجة كبيرة نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي والمالي فيها، فضلاً عن تقلص نمو الطلب العالمي على النفط نتيجة حال الركود التي أصابت الاقتصاد العالمي من جراء الأزمة، وتراجع معدل نموه عن المستوى المتوقع البالغ اثنان في المئة إلى أقل من 5،1 في المئة عملياً. وأدى تراجع الطلب على النفط إلى تراجع ايرادات الدول المنتجة، والسعودية في مقدمها، باعتبارها أكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط في العالم. وعلى رغم الجهود التي تبذلها السعودية بالتعاون مع منتجين آخرين للنفط من داخل وخارج "أوبك" لتقييد حجم المعروض النفطي في الأسواق، ودفع الأسعار للارتفاع، إلا أن التقديرات تشير إلى أن الموازنة العامة للمملكة السنة الجارية ستصاب بعجز قد يصل إلى 40 بليون ريال سعودي، ذلك ان ايرادات النفط تشكل 70 في المئة من الايرادات العامة السعودية. الصادرات الصناعية أدت الأزمة المالية الآسيوية إلى تراجع واردات دول شرق آسيا من المنتجات الصناعية ككل، الأمر الذي قلص فرص المنتجات الصناعية السعودية التي كانت تعتمد بشكل أساسي على دول شرق آسيا كسوق رئيسية لمنتجاتها مثل الاسمنت والحديد والصلب والكابلات والبتروكيماويات. وكانت الصناعات السعودية غير النفطية حققت صادرات قياسية العام الماضي بلغت 23 بليون دولار. وشهدت صناعة الاسمنت السعودية خصوصاً خلال الأعوام القليلة الماضية توسعاً في طاقاتها الانتاجية من 14 إلى 20 مليون طن لغرض التصدير، وقد تواجه مصانع الاسمنت السعودية مصاعب في التصدير إذا لم تنجح في فتح أسواق جديدة. ويحذر صناعيون في المملكة من أن مصانع الاسمنت ربما تتعرض لخسائر إذا اضطرت لخوض حرب أسعار للتخلص من مخزوناتها المتزايدة وبيعها بأقل من الكلفة في السوق السعودية. ويبلغ سعر بيع كيس الاسمنت زنة 50 كيلوغرام حالياً في السعودية 11 ريالاً في سوق التجزئة بعدما كان يباع بپ13 ريالاً. القطاع المصرفي يشير مصرفيون إلى أنه من الطبيعي أن يؤدي انخفاض أسعار البترول - الذي كانت الأزمة الآسيوية أحد مسبباته - إلى خفض الايرادات الحكومية وتباطؤ نمو النشاط الاقتصادي مما قد يؤدي إلى خفض نمو الودائع في القطاع المصرفي. وهذا بدوره قد يؤدي إلى تقلص السيولة التي ستؤثر على مستوى النشاط المصرفي وعملية الاقراض وربما الربحية أيضاً. وكان معدل النمو الاقتصادي في السعودية سجل 8،6 في المئة العام الماضي. وتعرضت المصارف السعودية منتصف الثمانينات إلى دورات ركود اعتادت على التكيف معها، بل وتجاوزها، وهذا ما سيضعها أمام تحد لتحسين أدائها ورفع انتاجيتها لتجاوز هذه الدورة. وكانت الحكومة السعودية تداركت التأثير المباشر لتراجع أسعار النفط باتخاذ التدابير الملائمة سواء بترشيد الانفاق الحكومي، أو بتأجيل تنفيذ بعض المشاريع المقررة في موازنة السنة الجارية، ويتوقع في ضوء هذه المتغيرات أن تتجه الحكومة السعودية إلى الاسراع في الطلب على رأس المال الخاص لتمويل مشاريع الكهرباء والاتصالات والنقل، وذلك من خلال الاسراع بتنفيذ برنامج التخصيص السعودي. وقدرت قيمة واردات القطاع الخاص السعودي الممولة عبر المصارف التجارية السعودية وفق بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي 3،17 بليون ريال بنهاية الربع الثاني من السنة الجارية، وهو ما يزيد 7،6 في المئة عن قيمة واردات هذا القطاع في الربع الثاني من العام الماضي. لكن هذا التمويل يقل بنسبة 4،4 في المئة عن قيمة واردات الربع الأول من السنة الجارية. سوق الأسهم بمتابعة أداء سوق الأسهم السعودية السنة الجارية يتضح أن السوق عكست التأثيرات الناجمة عن تراجع أسعار النفط والأزمة الآسيوية على الاقتصاد السعودي ككل، باعتبارها الميزان الذي يقيس أداء اقتصاد أي دولة والمرآة التي تعكس التفاعلات الدائرة فيه. وأظهرت الاحصاءات التي أعلنتها مؤسسة النقد العربي السعودي البنك المركزي عن أداء السوق خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية تراجعاً في حركة تداول الأسهم السعودية بنسبة 4 في المئة، إذ بلغت كمية الأسهم المتداولة 222814260 سهماً في الأشهر التسعة الأولى مقابل 231831054 سهماً في الفترة نفسها من العام الماضي قبل حدوث الأزمة الآسيوية وقبل تراجع أسعار النفط. كما سجلت السوق تراجعاً بنسبة اثنين في المئة من قيمة التداول خلال الفترة نفسها مقارنة بما كانت عليه في الفترة المماثلة من العام الماضي، إذ بلغت قيمة التداول 42 بليون حتى نهاية أيلول سبتمبر الماضي مقابل 8،42 بليون في الفترة نفسها من عام 1997. وتراجع اجمالي عدد الصفقات المنفذة خلال هذه الفترة بنسبة 15 في المئة لتصل إلى 292 ألف صفقة مقابل 344 ألف صفقة عام 1997. وتراجع معدل التداول اليومي في السوق بنسبة ثلاثة في المئة لتصل إلى 190 مليون ريال مقابل 195 مليوناً. وسجل مؤشر أسعار الأسهم مؤشر المركز الوطني للمعلومات المالية والاقتصادية لأسعار الأسهم انخفاضاً بلغت نسبته 14 في المئة خلال الفترة نفسها، إذ استقر المؤشر عند 01،163 نقطة في 30/9/1998، بينما كان مستقراً عند 47،189 نقطة في الفترة نفسها من العام الماضي. وبالطبع، فإن ما حدث من تراجع في أداء سوق الأسهم لم يكن نتيجة ارتباط سوق الأسهم السعودية بأسواق الأسهم في دول جنوب شرق آسيا، وإنما كانت نتيجة محصلة عوامل عدة أبرزها تراجع أسعار النفط وتأثر عائدات السعودية من هذه السلعة، إضافة إلى تأثير أداء الشركات السعودية التي كانت ترتبط بأسواق دول جنوب شرق آسيا كمنفذ تسويقي لصادراتها. آثار ايجابية ولم تكن الأزمة الآسيوية سلبيات كلها، إذ أن تراجع أسعار صرف عملات البلدان الآسيوية أدى إلى تراجع في أسعار صادرات تلك البلدان إلى السعودية وغيرها من أقطار العالم، وجعل هذه الصادرات في وضع تنافسي أفضل من غيرها كالسيارات مثلاً. إذ تشير مصادر تجارية إلى أن أسعار السيارات الآسيوية، لا سيما اليابانية والكورية، شهدت تراجعاً في السوق السعودية بنسب تراوح بين 15 و10 في المئة منذ بدء الأزمة الآسيوية، الأمر الذي أدى إلى زيادة مبيعات وكلاء شركات السيارات الآسيوية في السعودية بنسبة تصل إلى 30 في المئة، خصوصاً السيارات الصغيرة الحجم منذ بداية السنة الجارية.