سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الثالثة والعشرون . بوش : أحببت طريقة ميتران في اتخاذ القرارات والاستماع الى تحليلاته التاريخية . سألته عن إعادة توحيد ألمانيا ... قال انها لن تحدث ما دام الاتحاد السوفياتي قوياً
} في هذا القسم الاخير من الفصل الثالث من كتاب "عالم تحوّل" وعنوانه "قيادة الحلف" وصف للمحاولات التي بذلتها ادارة بوش لضمان وجود موقف موحد لحلف شمال الاطلسي من قضايا خفض الاسلحة النووية والاستراتيجية في اوروبا، ولما دار بين بوش والرئيس الفرنسي ميتران من أحاديث عندما لبى الاخير دعوة الاول لزيارة منزل عائلته في كينيبنكبورت في ولاية مين. استغل السوفيات الخلاف ضمن حلف شمال الأطلسي بشأن خفض عدد الصواريخ النووية القصيرة المدى في أوروبا بعرض تخفيضات من جانبهم استمالت الحكومة الألمانية الغربية. ويصف برنت سكوكروفت المستشار الألماني هيلموت كول بأنه كان "ماكراً" عندما ارسل وزير دفاعه ستولتينبيرغ إلى واشنطن لأنه ستولتينبيرغ "كان أكثر تعاطفاً بكثير من غينتشر مع موقف الولاياتالمتحدة، وكان قد انتقد وزير الخارجية في الآونة الأخيرة لإساءته معالجة القضية. وكان الموقف الألماني هو أنه يجب على "ناتو" ان يوافق على محادثات بشأن القوات النووية القصيرة المدى بمجرد أن يظهر السوفيات أنهم جديون بخصوص تخفيضات عميقة في الأسلحة التقليدية، خصوصاً في ما يتعلق باتفاق على مستويات متساوية في أعداد الدبابات. غير أنه لم يكن هناك ذكر لانتظار حدوث تخفيضات قبل التفاوض على الصواريخ...". ويقول سكوكروفت إن إدارة بوش طورت موقفاً يقضي بعدم البدء بمفاوضات حول القوات النووية القصيرة المدى إلى أن تكون معاهدة قد اكملت بشأن خفض القوات التقليدية وبدأ تنفيذها. واشترطت الخطة الأميركية أيضاً بقاء بعض القوات النووية القصيرة المدى بعد المفاوضات. لم يتشاور الأميركيون في ما يتعلق باقتراحهم مع رئيسة الوزراء البريطانية. ويقول سكوكروفت: "كانت حقيقة الأمر أننا كنا نعلم ما كان سيكون عليه رد فعل ثاتشر وقررنا ألا نقول أي شيء قبل الاوان. واعتقدنا أن علينا أن نبدي هذه اللفتة تجاه الألمان، وان فائدتها أكثر بكثير من ضررها، ولو شاورنا البريطانيين لكان من المحرج جداً التقدم في وجه اعتراضاتهم القوية...". ويرى سكروكروفت أن "اقتراحنا كان مفيداً، ولكن من المحتمل أنه لم يكن كافياً، في حد ذاته، لحل الانقسام في الحلف. كنا بحاجة إلى خطوة داعمة في مفاوضات القوات التقليدية...". اقترح بوش، بعد الاطلاع على اقتراحات وأوراق كثيرة، "خفضاً نسبته 25 في المئة في عدد الجنود الأميركيين في ناتو، وكان تقريباً 320 ألفاً، مع خفض سوفياتي إلى عدد مساوٍ. وحسبت أن هذا الخفض كبير ما فيه الكفاية لإظهار اننا جديون وملتزمون بالاستجابة للتغييرات الايجابية التي نشهدها في سياسات الاتحاد السوفياتي. دعوت إلى اجتماع في 19 أيار مايو، في كينيبنكبورت، مع ديك، وبرنت، والادميرال كرو، وآخرين لأقدم أفكاري، أبدى كرو ذعراً في رد فعله. أعلن ان تخفيضات بهذا الحجم ستفرض تغييراً جذرياً في استراتيجية ناتو. بعد نقاش طويل، طلبت منه أن يعود إلى رؤساء هيئة الأركان المشتركة لمعرفة مدى عمق التخفيضات التي يمكننا أن نجريها من دون ايقاع الفوضى في الحلف. "لم يكن رؤساء هيئة الأركان المشتركة متحمسين لتخفيضات من أي حجم، ولكن عندما أوضحت لكرو انني مصمم، عادوا باقتراح لاقتطاع 30 ألف جندي، أو حوالي 10 في المئة... كنت مصمماً على ألا ارغم العسكريين على الصمت أو أجرهم إلى موافقة.... وافق كرو على أخذ التخفيضات من القوات المقاتلة وليس قوات المساندة التي كانت تشكل نحو نصف المجموع الكلي للقوات. وسمح لنا ذلك بإعادة تقديم الحساب لندعي خفضاً أكثر جدارة بالاحترام نسبته 20 في المئة، بفضل استبعاد العنصر غير المقاتل". يشير سكوكروفت إلى أن الأميركيين اقترحوا أيضاً جعل مدة التفاوض على الأسلحة التقليدية ما بين ستة أشهر و12 شهراً بدلاً من سنتين وتغيير الوقت الفعلي للتخفيضات من 1997 إلى 1992-93. وآمل الأميركيون بذلك حل المشكلة السياسية داخل الحلف وإظهار جديتهم لكل من السوفيات والأوروبيين وكذلك استعدادهم للإقدام على بعض المخاطر لنقل العلاقات بين الشرق والغرب إلى صعيد جديد. جورج بوش "وسط جيشان الحلف بسبب خفض القوات، اقتطعت وقتاً لاستضيف فرانسوا ميتران في 20-21 أيار مايو. كان هذا سيكون لقاءنا الأول منذ غداء في طوكيو وقت تشييع جنازة الامبراطور هيروهيتو في شباط فبراير. دعوته إلى كينيبنكبورت تحديداً لأعطي العلاقات الأميركية - الفرنسية بداية جديدة، لأنها كانت في السنوات الأخيرة تحت قدر من الضغط. وكثيراً ما كان هناك احتكاك بين وزارة خارجيتنا ونظيرتها الفرنسية، لكن بعض الرسميين في إدارة ريغان شعروا بأن ميتران، أيضاً، كان صعباً. وبصراحة، لم يحبوه وشعروا أنهم أكثر حرية للتحدث ضده لأنه وريغان لم يكونا وثيقي الصلة. أردت أن أغير ذلك، وكان من الممكن ان تتيح عطلة نهاية أسبوع خاصة وهادئة في كينيبنكبورت الفرصة لذلك...". فكر جورج بوش في دعوة ميتران إلى كامب ديفيد حيث يمكن ان يتيح مشهد الأحراش والنشاطات الرياضية المتنوعة فرصة لمعرفة الضيوف على أساس شخصي. ثم قارن ذلك بأجواء بلدة مين حيث الهواء المشبع بالملح، والأسماك، والأمواج التي تلطم الصخور، وصيد الأسماك أو ركوب الأمواج في زورقه السريع "فيديليتي". لم يكن ميتران رياضياً، وكان من المستبعد أن تستهويه نشاطات مثل صيد الأسماك، والتنس، والغولف والرحلات في الزوارق، وما إلى ذلك. وقرر بوش وزوجته باربرا في نهاية الأمر وضع ميتران وزوجته في بيت والدة بوش، وهو بناية منفصلة من طابق واحد بجوار منزلهما. "غير اننا سرعان ما شعرنا بأن الترتيبات قد لا تكون مناسبة". ويشرح بوش أن منزل والدته لم تطرأ عليه أي تجديدات منذ ثلاثين عاماً، وأن المكان الذي لم يكن قد فتح منذ سنة بدا متسخاً نوعاً ما ورطباً. وكان سرير والدة بوش الطبي ما يزال هناك، ولكن زوجته باربرا نظمت تغييره وعملية تنظيف المكان. وتم تركيب خطوط هاتفية خاصة. "وفي النهاية، ما كان يجب ان نقلق بالمرة. إذ أحب ميتران وزوجته محيط البيت وتمتعا، كما قال لي عندما زرته في باريس في حزيران يونيو 1995، بالجو العائلي...". يقول بوش "نميّت صداقة مع ميتران في حلول وصولي إلى المنصب الرئاسة، لكنها لم تكن وثيقة مثلما صارت عندما تركت المنصب. وتساءلت في البداية عما إذا كان يشتبه في انني، كمحافظ، سأكون أكثر تعاطفاً مع الديغوليين أكثر من التعاطف معه. كان يعلم انني صديق لأحد منافسيه، جاك شيراك، الذي كان آنذاك رئيس بلدية باريس، واني أكن له احتراماً صادقاً. لكني وجدت علاقتي مع ميتران شيقة ومجزية. "أحببت الطريقة التي اتخذ بها ميتران قراراته. وعندما كنت اتصل به بشأن مشكلات صعبة، كان يعطيني جواباً مباشراً. كان يبلغني بما سيفعل، ثم يمضي فيفعله. وقد تمتعت أيضاً بالاستماع إلى تحليلاته التاريخية. وفي لقاءات رؤساء الدول، كان يحب أن يشرح بأمثلة كيف يمكن أن يساعدنا التاريخ في تفسير الأحداث الحالية. كانت لديه روح نكتة هادئة ولمعة في عينيه تظهر دفئاً لم يكن معروفاً به علناً. "خلال سنوات ريغان، بدا البروتوكول والترتيبات الرسمية، عقبة أمام العلاقات. كان للرئيسين الفرنسي والأميركي، بصفتهما رئيسي دولتين، مكانة بروتوكولية مختلفة عن مكانة زملائهم الآخرين من الدول الصناعية السبع الكبرى، بمعنى أن رئيساً للجمهورية أرفع رتبة من رئيس للوزراء. وطور مرؤوسهما تنافساً قوياً في دفع أسبقية رئيسيهما إلى أمام في الاجتماعات الدولية. لم آبه بذلك كله، وإذا كان بوسعي أن أبدي احترامي لميتران في مسألة بروتوكولية ما، كان يسعدني أن أفعل ذلك، كان أكبر عمراً، وكان في منصبه أقدم مني، فلم لا أبدي احترامي؟ وجهة نظري هي أنه إذا كانت هناك خلافات، كن حازماً بشأنها، ولكن لا تتورط في مسائل "المنزلة" أو رتبة البروتوكول. عاملني ميتران بمودة لا تفتر. ولم ينفذ حسن النية كل المسافة عبر الحكومتين، ولكننا عملنا على المسألة ولم نسمح للخلافات بالخروج عن نطاق السيطرة. وقد تمتعت دوماً بوقتي مع هذا الزعيم الفرنسي الحكيم، الذي كانت سياساته الداخلية الاشتراكية بعكس وجهات نظري، لكنه أثبت أنه حليف وصديق يمكن الاعتماد عليه. "في كينيبنكبورت، ناقشنا، فرانسوا وأنا، مشكلات ناتو في ما يتعلق بالتخفيضات. وكان قبل أيام من ذلك قد دعم الموقف الأميركي - البريطاني القائل بأنه يجب على الحلف أن ينتظر ليرى تقدماً في موازنة القوات التقليدية قبل التفاوض على الصواريخ...". "عبر فرانسوا عن اعتقاده بأن كول، برغم أنه شخصياً قريب من الولاياتالمتحدة، مدفوع بالرأي العام الذي يرفض الأسلحة النووية في المانيا. وأضاف: "هناك عوامل كثيرة، لكن شعبية غورباتشوف عامل رئيسي. هناك أيضاً الحرب العالمية الثانية، تدمير المانيا، الشيوعيون، الحياديون، الخضر و"الواقعيون". وبرغم أنه لا يوجد اتفاق في السياسة، فقد شكلت هذه الجماعة جبهة مشتركة غير رسمية لتقول لا. وقال: "هذا أدى إلى موقف مثالي يندد بالأسلحة النووية ويقترح ان من الممكن أن يكون هناك اتفاق سوفياتي - ألماني يؤدي إلى إعادة التوحيد. هذا حلم بالنظر إلى أن الأوروبيين والسوفيات طالما تخوفوا من التوسع الألماني. إن السياسة التوسعية الألمانية يعود عهدها إلى القرن الثاني عشر والفرسان التيوتونيين في الذهن السوفياتي. إنهم متشككون شكاً عميقاً". "قال فرانسوا إنه على رغم أنه صديق للاشتراكيين الألمان، فإن من الصعب جداً اقناعهم بالحجة والمنطق في إطار ناتو. وهو يفضل العمل مع كول ويجب علينا ان ندعمه. قال: "أقول بصراحة تامة" إن المشكلة هي العداء بين كول وثاتشر. وأسر لي أن "يسميها تلك المرأة". كانت ثاتشر مغتاظة أيضاً من المحور الفرنسي - الالماني. "عملت بريطانيا العظمى لقرون على منع تحالفات قارية في أوروبا. وما زال هذا في الوعي الباطن لبريطانيا العظمى". تابع قائلاً: "مع ذلك، من المهم ان ننظر في ما نريد في بروكسيل، من الناحية التقنية. الطلب السوفياتي يتعلق بپ"صفر" ثالث. وبالنظر الى الوضع الراهن، فإن هذا أمر لا يمكن قبوله بسبب التفوق السوفياتي في القوات التقليدية، والكيماوية، والنووية. وليس من شأن صفر ثالث ان يعزز التوازن، كول يوافق على ذلك، لكنه لا يستطيع قول الشيء الكثير. لذا فإنه يقول، فلنتفاوض. يجب ان نساعده في حفظ ماء الوج. انه يوافق على رفض صفر ثالث. وهذا هو السبب في انه يجب علينا أولاً تخفيض القوات التقليدية". وقال ان الحاجة للتحديث ليست مستعجلة الى هذا الحد - ويمكن ان تنتظر حتى 1992. متابعة لملاحظته عن الموضوع، سألت فرانسوا عما يعتقد في شأن اعادة توحيد المانيا. قال متنبئاً: "ما دام الاتحاد السوفياتي قوياً، فإن هذا لن يحدث. منذ 1917 توجد لدى السوفيات عقدة بشأن التطويق. ومنذ حربهم الأهلية، صارت لديهم عقلية حصار. والآن لديهم مشكلات أوروبية شرقية، مشكلات بلطيقية، الخ. لن يغامروا بخصوص اعادة الوحدة". "وسألت: بماذا يمكن ان ترد على أسئلة عن اعادة التوحيد؟". قال: "إذا أرادها الشعب الالماني، فلن أعارضها، ولكن لم يتغير ما فيه الكفاية منذ الحرب العالمية الثانية للسماح بها". وقال انه لا يرى انها ستحدث في غضون السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة. وأضاف: "لكن السوفيات لن يذعنوا أبداً في شأن المشكلة الألمانية. غورباتشوف سعيد جداً بأن المانياالشرقية هي الأكثر رجعية بين الدول التابعة". سألته: "هل يستطيع غورباتشوف السيطرة على الوضع؟ ان بولندا وهنغاريا تتحركان". أقر بأن "الأشياء قد تتغير يوماً ما، في المدى الأطول للتاريخ". غير انه قال انه يرى الألمان يدفعون بعد في اتجاه اعادة التوحيد. وستشكل إما تلك الخطة أو حيازة المانيا أسلحة نووية سبباً لحرب. "لم يرد فرانسوا الخروج على متن "فيديليتي"، لذا مشينا بعد الظهر في الأحراش، ترافقنا زوجته دانييل. لم تبد مين أبداً أكثر جمالاً. انني مقتنع بأن هذه الزيارة غير الرسمية والودية ساعدت في اقامة ثقة عمياء بيننا، من شأنها في السنوات المقبلة ان تعطينا فائدة الشك عندما نختلف". يسرد الكتاب: استغرق التوصل الى اتفاق داخلي ضمن الادارة في شأن الاقتراح الجديد بخصوص القوات التقليدية في أوروبا وقتاً طويلاً، ووجدنا أنفسنا الآن نقترب من نهاية أيار مايو وقمة "ناتو". ومن أجل رفع وقع حزمتنا الخاصة بالقوات التقليدية إلى أقصى حد ممكن، طورناها في سرية عظيمة، مع مشاركة محدودة فقط من كبار موظفينا ومن دون تشاور مبكر مع حلفائنا في "ناتو". وكان هؤلاء الأخيرون في العتمة كلياً - لأننا اعتقدنا الى حد كبير ان هذا الاقتراح مهم يأتي في لحظة حاسمة من التاريخ، ينبغي بناء على ذلك ابقاؤه كما هو قدر الامكان. ولو أرسلنا عبر اجهزة "ناتو" البيروقراطية الاعتيادية، فستكون هناك فرص اكثر مما يجب للاقتطاع من مضمونه وتخفيضه - ناهيك عن خطر التسريبات. ولكن سيكون من الأمور العكسية النتائج ان نفاجئ به حلفاءنا في القمة من دون تحذير. وسيكون اعطاؤهم على الأقل يومين لتقويم الاقتراح سلفاً مجاملة ضرورية...". أرسلت الادارة الاميركية ايغيلبيرغر وغيتس ليشرحا لحكومات بريطانيا، وفرنسا، والمانيا الغربية وايطاليا مجموعة الاقتراحات الاميركية. واستقبل الاثنان استقبالاً حسناً جداً في كل مكان باستثناء لندن حيث ابدت مارغريت ثاتشر فتوراً تجاه الاقتراح. "كانت غير مسرور لتقديم الاقتراح بفترة اشعار قصيرة كهذه، وبأن تخفيضات معينة للمعدات فيه من شأنها ان تشجع غورباتشوف على محاولة اعادة فتح مجالات أخرى من مجموعة الاقتراحات. ومهما كانت غير مسرورة، فقد اختتمت الاجتماع بتعليق ذي دلالة: "إذا أراد الرئيس ذلك، فسنفعله طبعاً". برنت سكوكروفت في 26 ايار مايو غادرنا لحضور قمة ناتو، وكان سفرنا عن طريق ايطاليا. اخترنا ذلك الخط ليس فقط لأننا أردنا اطلاع الايطاليين بصورة أوفى على اقتراحاتنا ولكن ايضاً لأن من المهم، بالنظر الى اننا سنكون في أوروبا في يوم الذكرى للجنود الاميركيين الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية، ان نزور مقبرة عسكرية اميركية.... لم تكن بداية القمة ميمونة. ففي لقاء القهوة الأولي المزدحم والكثير الضوضاء لرؤساء الحكومات ووزراء الخارجية، كانت ثاتشر غير سعيدة ومتخوفة. وبرغم حججها الختامية المطمئنة لايغيلبيرغر وغيتس، كرست على صعيد خاص للرئيس دواعي قلقها التي شرحتها لهما. وقد واصلت النقاش حتى بينما كنا نمشي لندخل قاعة الاجتماع، حيث جلست هي والرئيس جنباً الى جنب. في الجلسة الرسمية فصل الرئيس اقتراحنا ذا النقاط الأربع: أولاً، تأمين قبول حلف وارسو لمستويات ناتو المقترحة بخصوص دبابات كل من الجانبين، وناقلات جنده المصفحة، ومدفعيته. كل المعدات المخفضة ستدمر. ثانياً، توسيع اقتراحنا على ناتو لخفض 15 في المئة تحت مستويات ناتو الحالية من الانواع المختلفة من طائرات الهليكوبتر وطائرات القتال. ثالثاً، خفض عديد الجنود المقاتلين لايجاد سقف في القوات الاميركية والسوفياتية في أوروبا من 325.000 لكل من الجانبين مقارنة بخفض ال 30.000 من جانب الولاياتالمتحدة. رابعاً: تسريع الجدول الزمني للتوصل الى اتفاق الى ما يتراوح بين ستة اشهر وسنة وإكمال التخفيضات في حلول 1992 أو 1993. كانت نتيجة النقاش الذي أعقب ذلك مطمئنة. كان الاقتراح قوياً، وولدت الطريقة التي عرضناه بها، خصوصاً للأعضاء الرئيسيين، عدداً من الخطابات المؤيدة. وكان مزاج الزعماء متفائلاً. حتى ثاتشر استقبلت الاقتراح بدفء، وكانت الجولة الأولى من الكفاح، بخصوص القوات التقليدية، نجاحاً تاماً. وكان رد الفعل السوفياتي الأولي ايجابياً كذلك. اذ قال غورباتشوف في تعليقاته الرسمية الأولى انه ينظر الى المبادرة "بارتياح" وأضاف انها "استجابة جدية ومحددة" لاقتراحات حلف وارسو. وأضاف انها قد تسمح لنا بالتوصل الى اتفاق أكبر بكثير مما ظننا سابقاً...". جورج بوش يقول بوش ان عشاء رؤساء الدول والحكومات في بروكسيل كان متوتراً نوعاً ما بينما انتظروا نتيجة مفاوضات وزراء خارجيتهم. "جلست الى جانب مارغريت وحاضرتني على الفور: يجب ألا نتنازل في هذا. لن تتنازل، أليس كذلك؟...". ثم يقول: "حوالي منتصف الليل اتصل جيم بيكر ليبلغنا بصيغة. بمجرد ان يكون تخفيض القوات التقليدية قد بدأ، فإن الولاياتالمتحدة، بالتشاور مع حلفائها المعنيين، ستكون مستعدة للدخول في مفاوضات لتحقيق خفض جزئي ولكن ليس إزالة في قوات الصواريخ النووية الاميركية والسوفياتية الأقصر مدى الموجودة على اليابسة الى مستويات متساوية ويمكن التحقق منها. لم أكن متأكداً مما إذا كانت مارغريت ستشتري، ذلك، لكن جيم تنبأ بأنها ستقبل.... صباح اليوم التالي، عندما تجمعنا مرة أخرى في المؤتمر، بدت مارغريت متحمسة. وأحسب انها لم ترد ان تكون منفصلة عن الولاياتالمتحدة، وان مستشاريها كانوا يقولون لها ان اللغة مقبولة. وكنت ممتناً لدعمها في هذه الصفقة الحاسمة الأهمية". برنت سكوكروفت كانت قمة ناتو نجاحاً باهراً. وأحاط جو من النشوة تقريباً بمؤتمر فيرنر الصحافي. واضطرت الصحافة للاعتراف بأننا قد غيرنا الوضع برمته.... ذهبنا مباشرة الى بون لنزور كول، الذي كان متحمساً بصورة ايجابية، عانق الرئيس عناقاً حاراً، وبدا كأن توترات الاسابيع الماضية ومصاعبها لم تحدث أبداً. وعندما التقى الاثنان الصحافة في الحديقة بعد دردشة في المستشارية، قال كول ان القمة "أفضل هدية عيد ميلاد" كان يمكن لپ"ناتو" الحصول عليها، و"نتيجة رائعة" لكل الكدح. كانت عكساً كبيراً لجو الأزمة الذي عم واشنطن وبون كلتيهما. كان من المقرر ان تجرى في المانيا الغربية انتخابات لبرلمان الجماعة الأوروبية وانتخابات محلية مهمة في راينلاند - بالاتينيت وسارلاند في 18 حزيران يونيو. ولم تكن صدفة، بناء على ذلك، أن كول أخذنا بصورة بارزة في رحلة على نهر الراين على متن سفينة ركاب كبيرة. كانت هذه بالنسبة اليه رحلة من رحلات حملته ليشدد على الصداقة الأميركية - الالمانية ويتباهى بصديقه العظيم. كان يوماً جديراً بأن يذكر، توج بالقاء الرئيس خطاباً رئيسياً أمام مجلس خاص في راينغولد هال في مدينة مينز التاريخية...". يقول سكوكروفت ان خطاب بوش استقبل استقبالاً دافئاً و"كنا قد ابتكرنا عبارة "أوروبا كاملة وحرة" وأمكنها، بعكس عبارة "ما بعد الاحتواء"، ان تولد بعض الرنين. غير ان عبارة أخرى سببت في ما بعد قدراً من الازعاج غير المقصود لثاتشر. اذ اشار الرئيس الى الولاياتالمتحدة والجمهورية الاتحادية كپ"شريكتين في الزعامة". واعتبرت ثاتشر ذلك تحدياً للعلاقة الخاصة بين الولاياتالمتحدةوبريطانيا...". جورج بوش من المانيا طرت الى لندن لاجتماع مع مارغريت ثاتشر في 1 حزيران يونيو. كانت تلك أول محادثة مطولة وجهاً لوجه بيننا. كان النقاش آسراً، وكان جوه غير الرسمي متبايناً بصورة تستحق الترحيب مع متاعب الأسابيع الماضية، خصوصاً اجتماع "ناتو"، عندما كانت متوترة الى حد كبير. قارنا مارغريت وأنا وجهات نظرنا في شأن الوضع في أماكن عديدة في انحاء العالم - من الاصلاح الاقتصادي والقومية في الاتحاد السوفياتي الى الشرق الأوسط وجنوب افريقيا. كانت جيدة الاطلاع ومتبصرة، واكتشفت، كما حدث ان وجدت في أحيان كثيرة، ان أفكارنا بخصوص هذه المسائل كانت متشابهة الى حد كبير. يقول سكوكروفت في نهاية هذا الفصل ان "لندن كانت خاتمة فترة متوترة ومحبطة بالنسبة الينا، لكنها رسخت أوراق اعتماد الرئيس وزعامته. لقد جسر الرئيس، معززاً جهود وزارتي الخارجية والدفاع بالاتصال الشخصي، الخلافات الكبيرة والمعقدة. بين ثاتشر وكول. ومن خلال بناء التفاهم والتشاور، مرر اقتراحاً دراماتيكياً بخصوص القوات التقليدية. وكان بعض الوقت سيمر قبل ان يمكن التوصل الى اتفاق في شأن القوات التقليدية في أوروبا تشرين الثاني/ نوفمبر 1990، لكن الخطوات الأولى نحو خفض الجيش السوفياتي في اوروبا قد اتخذت. حافظنا على استراتيجية "ناتو" الدفاعية وأعدنا تنشيط الحلف. وكان فريقاً متعباً ولكن سعيداً ذاك الذي صعد الى طائرة سلاح الجو الرقم واحد