ستربح السلطة الفلسطينية اتفاقها مع نتانياهو، وستربح رضا الولاياتالمتحدة، لكنها ستخسر جميع الآخرين بل ستخسر كل شيء بما في ذلك الأهم وهو السلام الحقيقي، أي العادل. المعادلة واضحة، وقد تكون واقعية ومجدية في هذه اللحظة من الزمن، لكنها مكلفة جداً. والأكيد المؤكد اننا لسنا في صدد اتفاق تاريخي، وإنما هي صفقة ملّ أطرافها التفاوض حولها فعاد كلٌ منهم إلى تظهير حجمه في ميزان القوى. بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لا جدال في أن لإسرائيل يداً عليا في أي تفاوض أو مواجهة، فضلاً عن ارهاب الدولة الذي يرجح الكفة. وعندما تكون الولاياتالمتحدة، كفريق ثالث في المفاوضات، متواطئة مع إسرائيل، يصبح الكلام عن أي اتفاق متكافئ ضرباً من اللامعقول. أولى "بشائر" محادثات "واي بلانتايشن" اتفاق على المسائل الأمنية بين الپ"سي. آي. إي" وعسس السلطة الفلسطينية. فالأميركي بات يفاوض بالنيابة عن الإسرائيلي، وفي مثل هذه الحالات يدافع المنتدب عن مصالح من انتدبه كما يدافع الأخير بل أكثر منه. ثم ان هوس الأمن والارهاب عاد ففرض نفسه مختزلاً الوضع بأن مشكلة السلام المتعثر إنما تكمن في وجود معارضين له في صفوف الشعب الفلسطيني. أمر ارهاب الدولة الإسرائيلي، فما هو إلا رد فعل على عنف المتطرفين. ولا يتصور أحد ان مدير الپ"سي. آي. إي" ستكون لديه الجرأة للعمل بمبدأ "التبادلية"، كأن يطلب من الجانب الإسرائيلي اتخاذ اجراءات لضبط المستوطنين الموتورين ونزع سلاحهم والتعهد بمحاكمتهم وإنزال العقوبات اللازمة بأي مستوطن يختار السير على خطى باروخ غولدشتاين. بدأ يتضح الآن أن محادثات مزرعة واي لن تتعامل مع الفلسطينيين بأفضل مما كان يتعامل بيض أمريكا مع السود في مثل هذه المزارع، حتى ليبدو كأن اللاوعي التاريخي هو الذي دفع واشنطن إلى اختيار هذه المزرعة مكاناً لمفاوضات مطلوب من أطرافها ان يشحذوا كل حذاقتهم لاخراج اتفاق كيفما كان، وليس مطلوباً منهم ان يتمتعوا بأي وعي تاريخي لما يرتكبونه. وبدأ يتضح أيضاً، بل بات محسوماً، أن كل ما كان يقال عن مآخذ أميركية وبريطانية على نهج نتانياهو ومفهومه للسلام إنما كان ترهات وكلاماً فارغاً. ففي نهاية المطاف خلص الأميركيون، بمؤازرة خبيثة من البريطانيين، إلى أن منطق نتانياهو هو الأسلم والعملي والممكن، وبالتالي لا بد من السير فيه طالما أن "المبادرة الأميركية" نفسها فشلت. كل سيناريوات الشهور الأخيرة كانت مجرد انتظار يأس الجانب الفلسطيني، واقتناعه بأنه لا يستطيع الاعتماد إلا على تنازلاته كي يكسب ولو القليل. لحظة اليأس حانت عندما استفرد الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بالرئيس الفلسطيني وفهم الأخير أن ليس أمامه سوى الموافقة على منطق نتانياهو، لأن الأميركي يتبنى ذلك المنطق. وظهرت نتيجة أولى في التراجع عن الإصرار على اعلان الدولة الفلسطينية. ثم استفرد الرئيس الأميركي بالرئيس الفلسطيني، وظهرت نتيجة أخرى في اعلان الموافقة على الپ10"3 في المئة وفقاً لصيغة نتانياهو. وهكذا ارتسم الطريق إلى "واي بلانتايشن". ويكون نتانياهو قد أعدم المرحلة الانتقالية، أما الوضع النهائي فسيتكفل به كبير ارهابييه ارييل شارون. قبل عودة الوفد الفلسطيني باتفاقه السيئ إلى البلاد، بدأت مخاوف المجتمع الفلسطيني تظهر في بيانات وتظاهرات. فأسوأ ما في هذا الاتفاق أنه سيعيد السلطة إلى شعبها بوجه آخر وأساليب مختلفة. إذ لن تتمكن من "تبليع" هذا الاتفاق للشعب إلا بقمع هذا الشعب. إنه "السلام" تصنعه عقول الپ"سي. آي إي"، فأبشروا