ب118 صوتاً هم عدد النواب الذين حضروا الجلسة العامة للمجلس النيابي انتخب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية اللبنانية، وهي نسبة مرتفعة تسجل له على اسلافه العشرة، اذ ان هذا الاجماع الذي حظي به في عملية انتخاب حافلة وحاشدة شهدت اوسع حضور نيابي، مكّنه من الفوز بالرئاسة في اول جولة اقتراع سرية من دون الحاجة الى دورة ثانية. ولولا مقاطعة الوزير وليد جنبلاط وثمانية نواب من كتلته ولولا غياب الرئيس عمر كرامي انطلاقاً من موقفه المقاطع لجلسات المجلس برمتها على رغم اعلانه الدعم المطلق للحود لكاد الاخير ان ينتخب بإجماع نواب البرلمان قاطبة، بعدما نال اصوات النواب الاربعة المعارضين للتعديل الدستوري عشية الانتخاب. وبذلك طوي ملف الاستحقاق الرئاسي ليصبح قائد الجيش الرئيس الحادي عشر للبنان منذ الاستقلال. وانتخاب الرئيس امس في مبنى البرلمان في ساحة النجمة هو الاول منذ انتخاب الرئيس سليمان فرنجية قبل 28 عاماً، بعدما تحولت المنطقة بفعل المعارك ساحة حرب مقفلة، فانتخب اسلاف لحود الخمسة، مذ ذاك، في اماكن لبنانية مختلفة. وفي وقائع جلسة الانتخاب، بكّر المدعوون امس الى المجلس النيابي، من النواب والوزراء وأعضاء السلك الديبلوماسي وممثلي النقابات والمؤسسات الانسانية والاعلام وقيادة القوات الدولية العاملة في جنوبلبنان لحجز اماكنهم فغصت القاعة بهم، وبدأت الجلسة بعد دخول رئيس المجلس النيابي نبيه بري فطلب تلاوة نص المادتين ال49 وال75 من الدستور المتعلقتين بانتخاب الرئيس والمادتين ال11 وال12 من النظام الداخلي للمجلس النيابي اللتين تحددان طريقة الاقتراع. وتلا ذلك توزيع الاوراق البيض ومظاريفها على النواب. وهنا وقف النائب اسطفان الدويهي طالباً الكلام في النظام فخاطبه بري بالقول "شو بدك تترشح؟" اجاب "بدي اتقدم بترشيح العماد لحود لرئاسة الجمهورية". فقوبل بابتسامة من الحضور وبعض التصفيق. وعقّب بري بالقول "أعلن ترشيح العماد لحود الى رئاسة الجمهورية". ولما سمع بري النائب نجاح واكيم يتحدث، سأله بري "وأنت بدك تترشح؟". فنظر الى الخلف وقال له مشيراً بأصبعه "بدي رشّح عاصم قانصوه". وشدد بري على ضرورة عدم وجود اي علامة فارقة على ورقة الاقتراع لئلا تعتبر لاغية. وتابع "اذكّر الزملاء النواب ايضاً بأن كلمة العماد تلغى لأنها تعتبر علامة فارقة". ولفت كذلك الى ضرورة كتابة الاسم "حاف" مجرداً من اي صفة، فقال احد النواب "هل يعني ذلك من دون ذكر اللقب؟". فأجابه ضاحكاً "بدك تحط الاسم ناشف ع الناشف". ثم بدأ الاقتراع السري في الحادية عشرة وثماني دقائق بإدخال النواب الاوراق داخل صندوق زجاج تولى حمله احد موظفي المجلس وجال فيه على المقترعين، مترافقاً مع مناداة كل منهم بالاسم. وبعد الانتهاء من عملية الاقتراع التي استمرت خمس دقائق طلب الرئيس بري من النائب عبدالرحمن عبدالرحمن تولي عدّ الاوراق الموجودة داخل الصندوق فتبين انها 118، اي مطابقة لعدد الحضور. ثم بدأت عملية الفرز التي تولاها امين سر هىئة مكتب المجلس فيما تولى نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي اعلان الاسم المدون على كل ورقة. وهنا راح صوت الفرزلي ينخفض مع ترداد اسم إميل لحود. فطلب منه بري ممازحاً رفع صوته اكثر. ففعل ذلك وسط قهقهة الحضور، الى ان همس في اذنه احد النواب فبقي يردد اسم لحود مرتين من دون ان ينظر الى الورقة، الامر الذي دفع النواب الى تنبيهه. فعلّق بري ممازحاً "علّقت معو". وانتهت عملية الفرز بعد ترداد اسم إميل لحود 118 مرة، مطابقة لعدد النواب الذين حضروا، ليعلن بري العماد لحود رئيساً للجمهورية. وهنا علا التصفيق الحاد في القاعة. وكان السفير الاميركي ديفيد ساترفيلد الاكثر حماسة في التصفيق الذي حصل على دفعتين داخل القاعة. ثم اعلن بري رفع الجلسة التي تغيب عنها الوزير وليد جنبلاط ونواب كتلته الثمانية: أكرم شهيب وعلاء الدين ترو ومروان حمادة وخليل عبدالنور وأيمن شقير ووديع عقل من دون عذر، وجورج ديب نعمة ونبيل بستاني بعذر، اضافة الى الرئيس كرامي. وفيما انهمكت دوائر المجلس النيابي منذ الصباح الباكر بالتحضيرات والترتيبات لاستكمال كل الاجراءات داخل رواق المجلس وقاعة الانتخاب تمهيداً لبدء الجلسة، شهد محيطه زحمة اعلامية لافتة، فالكل في حركة دائمة. التقنيون في وسائل الاعلام المرئية يتحضرون لتركيب اجهزة النقل المباشر. والمصورون يجوبون الساحة الخارجية لالتقاط الصور لكل حركة، وعناصر شرطة المجلس تأهبوا لتأدية التحية، وخلفهم عسكريون للحماية. وقبل ساعة من التحضيرات وبسحر ساحر فوجئ الوافدون بتغير معالم ساحة البرلمان اذ تسارعت الترتيبات على قدم وساق وزرعت الحديقة المحيطة ببرج الساعة بالورود والازهار ونظفت الطرق التي رصفت بالحجارة النارية بالمياه وزنّرت اشجار الغار التي زرعت على عجل، الارصفة الدائرية للمجلس متزامنة مع الحرائق المتنقلة في مختلف الاراضي اللبنانية التي حوّلت لبنان الاخضر... اسود. وانتصبت اثنتان من هذه الشجيرات امام المدخل الرئيسي من الخارج مستقبلة الوافدين لمشاهدة اسدال الستار على عهد وفتح آخر بانتخاب رئيس جديد موحية لكل من يعبر وسطها بعهد اخضر يعيد الحياة الى دولة المؤسسات التي عبثت بها ومزقتها حصص القائمين عليها. اما على الطريق المؤدية الى مكان الانتخاب وترحيباً بمجيء العماد لحود رئيساً وكتعبير حضاري بعيد عن المظاهر البراقة بخلاف ما درجت عليه العادة مع كل استحقاق، عبر مواطنون عن آرائهم بالعهد الجديد بطرق مختلفة. فمنهم من رفع اللافتات المؤيدة ومنهم من نصب اقواس نصر على بعض الطرق الرئيسية، فيما لفت العابرين بالقرب من مستديرة الطيونة صورة كبيرة مركبة جمعت العماد لحود باللباس العسكري البحري والرئيس السوري حافظ الاسد كانت معلقة على شجرة نخيل زرع الكثير منها وسط هذه الحديقة.