توج صندوق الاقتراع الذي جمع 83 ورقة باسمه، العماد ميشال عون رئيساً للبنان، في الجلسة ال46، وفي حضور مكتمل تحت قبة البرلمان بلغ 127 نائباً. فبعد انتظار دام سنتين ونصف السنة، فتح القصر الجمهوري الذي تعاقب عليه اثنا عشر رئيساً بعد الاستقلال أبوابه لاستقبال الرئيس الخامس بعد اتفاق الطائف لولاية جديدة. غير أن الجلسة أمس لم تجر وفق ما كان متوقعاً، إذ لم يحصل الانتخاب من الدورة الأولى، فأفقدها وهجها تكرار دورة الاقتراع الثانية ثلاث مرات متتالية، بعدما تبين أن أعداد المغلفات الموضوعة في الصندوق، فاقت عدد النواب الحاضرين. وقائع الجلسة وقبيل الثانية عشرة ظهراً اكتمل نصاب الجلسة مع وصول أكثر من 86 نائباً، العدد المطلوب للسير فيها، فقرع الجرس في القاعة العامة، إيذاناً ببدء الجلسة، ودخل رئيس المجلس نبيه بري لافتتاحها معلناً أن «عدد النواب الحاضرين في الجلسة هو 127 ولم يسجل أي غياب»، وقال: «ناطرينها من سنتين ونص هاللحظة». ثم طلب من المدير العام للمجلس النيابي تلاوة المواد المتعلقة بالقانون الداخلي للمجلس في ما يتعلق بجلسة انتخاب الرئيس. وعقب بري: «مع التأكيد على أن المادة 12 تنص على وضع الاسم والشهرة فقط، وأي كلمة إضافية تعتبر الورقة ملغاة». وهنا بدأ توزيع المغلفات والأوراق على النواب، تلاه على الفور الاقتراع السري، ومناداة النواب كل باسمه لوضع ورقته داخل صندوق الاقتراع، وبعد انتهاء التصويت، وبدأ الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر عملية إفراغ الصندوق من الأوراق وتعدادها فتبين أنها مطابقة لعدد الحضور أي 127، تلاه النائب مروان حمادة بفتح الأوراق وتلاوة الاسم المكتوب في داخلها. وبعد الفرز حصل عون في الدورة الأولى على 84 صوتاً مقابل 36 ورقة بيضاء و6 أوراق ملغاة، وصوت للنائب جيلبرت زوين. وفي تفاصيل الأوراق الملغاة فإن حزب «الكتائب» صوت ب5 أصوات «ثورة الأرز في خدمة لبنان» بعد أن أعلن رئيسه سامي الجميل ذلك عبر وسائل التواصل، كما حصلت عارضة الأزياء ميريام كلينك على صوت واحد، وقد احتج الجميل على احتساب ورقة كلينك ضمن الأوراق الملغاة، فرد عليه بري ممازحاً: «بدك ميريام، انت اللي بدك إياها منحطها، بس المنصب مخصص للمسيحيين الموارنة في حين أن كلينك هي من الأرثوذكس». وعليه تم إلغاء التصويت لها. وقبل البدء بالدورة الثانية طلب الجميل الكلام بالنظام وقال: «حفاظاً على سرية الاقتراع وكما هناك ستارة لدى المواطنين خلال اقتراعهم أطالب بأن تكون هناك ستارة في المجلس النيابي»، فرد بري: «قدم لي اقتراح قانون لتعديل النظام الداخلي». ثم أعلن بري عن فتح دورة ثانية للتصويت بعد فشل العماد عون في الحصول على ثلثي الأصوات أي 86 صوتاً في الدورة الأولى، وبدأ الاقتراع في الدورة الثانية بعدما أوضح بري أن المرشح في هذه الدورة يحتاج إلى 65 صوتاً للفوز، وعند فرز الأصوات تبين أن عدد الظروف التي تم تعدادها في الصندوق 128 بينما عدد النواب في الجلسة 127، فطلب النائب رياض رحال تأجيل الجلسة فرفض بري وقرر إعادة التصويت، بعد هرج ومرج، ليتكرر الأمر مرتين متتاليتين ثانية وثالثة، وبعدما طلب بري إعادة توزيع الأوراق والمغلفات على النواب، تدخل النائب ألان عون قائلاً: «ليعطَ كل نائب مغلفاً واحداً فقط لا أكثر»، فوافقه بري. وبعد توزيع الأوراق، سأل بري: «هل من أحد في يده أكثر من مغلف»؟ أجاب النواب: «أبداً». فجال الصندوق على النواب مرة جديدة وحرص النائب وليد جنبلاط على إظهار نفسه وهو يضع مغلفاً واحداً في الصندوق ما أضحك الحضور. وقرر بري وضع صندوق الاقتراع في المقدمة أمام مقعد رئيس الحكومة تمام سلام، وعين النائبين أنطوان زهرا وحمادة مراقبين لوضع المغلفات في الصندوق، وطلب من النواب ترك مقاعدهم والنزول شخصيا إلى أمام الصندوق والاقتراع للمرة الرابعة تحت أنظار الموجودين في القاعة، والتدقيق بكل ظرف، تجنبا لعدم تمكن أي نائب من إسقاط ظرفين، وحسماً لعدد المغلفات التي توضع، وعلق بري: «إلنا زمان ما انتخبنا بدنا وقت لنتعلم «يا عيب الشوم»، وتوجه إلى النواب بالقول: «لسنا وحدنا في القاعة، لبنان كله يشاهدنا وهناك سفراء ومراقبون يتابعوننا، وهذا ليس موضوع فخر ولا مزح». وبدأت عملية التصويت مجددا. ولدى تقدم النائب علي عمار للاقتراع خاطب بري قائلا: «لازم نعتذر من اللبنانيين يا دولة الرئيس عما حصل». بري: «معك حق، هيدا عيب». وعند مناداة النائب عقاب صقر للإدلاء بصوته، توجه بري إليه بالقول: «قرب (اقترب) صار إلنا زمان ما شفناك انت و(عصام) صوايا». في إشارة إلى وجودهما منذ سنوات خارج لبنان. ولدى تجوال الرئيس نجيب ميقاتي في القاعة دعاه بري إلى الجلوس بجانبه، في المكان المخصص للنائب زهرا، ولدى احتجاج الأخير ممازحاً، قال بري لميقاتي: «خليك قاعد بركي منخلص منو لزهرا». وبدأت عملية الاقتراع للمرة الرابعة وبعد تعداد المغلفات تبين انها مطابقة لعدد الحضور، وتمت عملية الفرز وعند وصول عدد الاصوات التي انتخبت عون الى 65 نائبا، علا التصفيق في القاعة. ثم اكملت عملية الفرز. وحصل عون على 83 صوتاً، مقابل 36 ورقة بيضاء، و5 اصوات ملغاة تحمل اسم «ثورة الارز في خدمة لبنان». وسادسة باسم النائب ستريدا جعجع، وسابعة حملت اسم Zorba De Griek. (زوربا الاغريقي) واعتبرت ملغاة. وثامنة ملغاة كتب فيها «مجلس شرعي ام غير شرعي؟». وهنا طلب بري تلاوة المحضر واقفل الجلسة. ليفتتح جلسة القسم. ثم القى كلمة هنأ فيها عون، واصفاً هذه اللحظة ب«الوطنية والاقليمية والدولية الاشد صعوبة». وشكر المجلس وحكومة الرئيس تمام سلام للمعاناة التي تحملاها معا وصبراها كل منهما صبر ايوب كي نصل الى هذه اللحظة التي يسرني ان ارحب فيها، فخامة الرئيس، بكم تحت قبة البرلمان الذي انت احد اركان شرعيته». وتابع: «اليوم يعهد المجلس اليكم باسم الشعب قيادة سفينة الوطن الى بر الامان فيما تعصف بنا الامواج وتتلاطم من حولنا وتهدد بتقسيم المقسم من اقطارنا، ومن اقطار جوارنا العربي ودخول المنطقة في حروب استتباع لا تنتهي وتفضي بالتأكيد الى اسرائيليات على شكل فيدراليات وكونفدراليات طائفية ومذهبية وعرقية وجهوية وفئوية». وقال: «ان ما تقدم هو احد التهديدات الجديدة لاستقرار المنطقة ولبنان والتي زادت من حدة التهديدات الامنية المتمثلة بالارهاب وكذلك من حدة ازمتنا الاقتصادية الاجتماعية نتيجة انتفاخ ملف المهجرين والنازحين من اخواننا السوريين والفلسطينيين من الشقيقة سورية». وزاد: «اما التهديد الفعلي المستمر لبلدنا فانه ينبع دائما من عدوانية اسرائيل التي تستهدف لبنان لاسباب استراتيجية ومائية ومن كونه المنافس الاقتصادي المحتمل لها في نظام المنطقة وارتسم خط تماس اضافي بحري جديد على امتداد ثرواتنا في البحر فيما تواصل اسرائيل عرقلة تنفيذ القرار 1701 وتحتل اجزاء عزيزة من ارضنا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر بالترافق مع الخروق العسكرية وعروض القوة المستمرة على حدودنا». وتابع: « ما تقدم يفترض، وانتم كنتم على رأس المؤسسة العسكرية دعم الجيش بالعديد والعتاد وتعزيز المؤسسات الأمنية للقيام بمهمات الدفاع الى جانب المقاومة والشعب». وقال: «يبقى وقف استنزاف ثروة لبنان البشرية وهجرة الشباب فلبنان لن يحلق الا بجناحيه المغترب كما المقيم. انني لا أدعو فقط الى إعادة الاعتبار الى وزارة المغتربين ومشاركة المغتربين في العملية السياسية، بل إلى بيان وبرنامج حكومي اغترابي واجراء مسوحات للانتشار على مساحة العالم لاستعادة الطاقات وتنظيم استثماراتهم في بلدهم الأم، ولا ننسى أن في لبنان حوالى 4 ملايين نسمة بينما في الخارج نحو 14 مليوناً». وأضاف: «نتيجة المعضلة السياسية خسرنا الكثير فالأولويات الآن تنطلق من التفاهم على قانون عصري للانتخابات وهذا لا يحقق إلا باعتماد النسبية و تأكيد الكوتا النسائية ومشاركة الشباب في الاقتراع. إن العبور من الطائفية الى الدولة دون الحاق الضرر بالطوائف لا يمر إلا عبر مثل هذا القانون. ان انتخابكم يجب ان يكون بداية وليس نهاية وهذا المجلس على استعداد لمد اليد لإعلاء لبنان». ودعا بري، الرئيس المنتخب إلى أداء القسم وإلقاء كلمة إذا شاء، وهكذا كان، وبعد ذلك أعلن بري عن استقبال المهنئين مع الرئيس عون في صالون الشرف، حيث وقفا جنبا الى جنب وتقبلا التهاني من المشاركين في جلسة الانتخاب. بعدها، عقدت خلوة لدقائق جمعت عون وبري، غادر بعدها عون برفقة بري إلى أمام مبنى البرلمان، حيث كانت سيارة رئاسة الجمهورية الأولى بانتظاره، فأقلته مباشرة الى قصر بعبدا بموكب كبير وسط حراسة مشددة، ومواكبة من الجو تولتها مروحيتان للجيش. وكانت أكثر من 180 شخصية حضرت لمتابعة وقائع الجلسة من المنصة العلوية للقاعة تقدمها الرئيسان أمين الجميل وميشال سليمان، والرئيس حسين الحسيني، ومن الديبلوماسيين، حضر سفراء الولاياتالمتحدة إليزابيت ريتشارد، وروسيا ألكسندر زاسبيكين، وفرنسا ايمانويل بون، ومنسقة أعمال الاممالمتحدة سيغريد كاغ، ورئيسة بعثة الاتحاد الاوروبي كريستينا لاسن والسفير البابوي غبريال كاتشيا، والقائم بالأعمال السعودي وليد البخاري، وسفيري ايران محمد فتحعلي، وسورية علي عبدالكريم علي، وهي المرة الاولى التي يحضر فيها جلسة انتخاب رئيس. وفيما سجل حضور قائد الجيش العماد جان قهوجي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لوحظ عدم حضور مدير عام أمن الدولة اللواء جورج قرعة الذي تردد انه لم يُدع إلى الجلسة، التي حضرها كامل أفراد عائلة عون وأصهرته وقيادات من التيار الوطني. وحضر أيضاً مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري ومستشاره هاني حمود. وتخلل عملية الانتخاب التي واكبتها وسائل اعلام محلية وعربية وأجنبية كثيفة تصفيق حاد لدى دخول عون القاعة، ثم لبري، فالحريري بعد المناداة على اسمه لوضع ورقة الانتخاب. تغريدات وكان جنبلاط لم يدع سخريته السياسية خارج أبواب المجلس النيابي، فزود متتبعيه على موقع «تويتر» بأجواء الجلسة من خلال تعليقات ساخرة مرفقة بصور لساسة الرومان مجتمعين ومتحاورين ومقترعين وحمل بعضهم قانون «الألواح الاثني عشر». وكتب «بدأ شمل النواب يلتئم في القاعة الكبرى»، وأتبعه بالقول: «حوار قبل التصويت بين عظماء». وحين فشل العماد ميشال عون في الحصول على ثلثي أصوات النواب في الدورة الأولى، غرد قائلاً: «دورة ثانية، منعادة يا شباب منعادة». وحين حصل الخطأ في عدد الأصوات في الصندوق، كتب: «مجدداً منصوت: هذه الديموقراطية». وأتبعها بعد فشل دورة التصويت الثالثة للسبب نفسه بتغريدة: «روما تنتظر، هلمو هلمو يا شباب العرب». وأتبعها بتغريدة باللغة الإنكليزية سائلاً: «هل صحيح ان اليوم هو هالويين؟». وحين فاز عون بالرئاسة في الدورة الرابعة من التصويت، غرد جنبلاط: «عاش الرئيس». ومن خارج البرلمان، غرد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «اتحادنا غيّر الصورة». وقال في مؤتمر صحافي «خطاب القسم كان واعداً لجهة التركيز على بناء الدولة والجيش والاقتصاد، كما أنه بما يتعلق بالسياسة الخارجية، أوضح التزام لبنان ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأممالمتحدة، بحيث وضع لبنان في المكان الذي يجب أن يكون فيه».