تشهد مدينة الجبيل الصناعية شرق السعودية تطوراً ملحوظاً في مجال الإستثمارات العقارية من وحدات سكنية ومجمعات تجارية جاءت إفرازاً طبيعياً جراء النمو المتسارع والمتزايد في رقعة الإستثمارات الصناعية في هذه المدينة الصناعية، التي تضم أكبر مجمع للصناعات البتروكيماوية في منطقة الشرق الأوسط، اذ تحتوي 17 مجمعاً للصناعات الأساسية بإستثمارات بلغت نحو 20 بليون دولار، و16 مصنعاً للصناعات الثانوية بإستثمارات بلغت نحو بليوني دولار، و108 مصانع للصناعات المساندة والخفيفة. وجود هذه الصناعات مع الإستمرار في تنميتها وتنمية الخدمات المساندة لها، يتطلب عمالة دائمة ومستقرة لتشغيل هذه المجمعات والخدمات وإدارتها وصيانتها، فضلاً عن العمالة المؤقتة التي تصاحب مراحل البناء والتشييد، وهذه العمالة هي التي تشكل الكتلة الأكبر من سكان الجبيل الصناعية الذين يبلغ تعدادهم حالياً نحو 80 ألف نسمة، والحالة هذه مع الزيادة المتوقعة خلال المدى المنظور، برزت الحاجة الى وجود الإستثمارات السكنية الضخمة لتلبي احتياجات المدينة، فقد ازداد إقبال الشركات الصناعية والمستثمرين ورجال الأعمال على تطوير الأراضي شبه المطورة وغير المطورة التي تتسع لعدد كبير من الوحدات السكنية. مفهوم غير أن مفهوم الإستثمار العقاري يختلف نوعاً ما عن أمثاله في معظم المدن السعودية، لجهة كونه يقع تحت مسؤولية الهيئة الملكية للجبيل وينبع تخطيطياً وتنظيماً وتخصيصاً وإشرافاً، ضمن أنظمة إستثمارية عقارية تراعي خصوصية الجبيل الصناعية بوصفها مدينة صممت على الطراز المعماري الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، والذي يهدف الى توفير السكن الملائم والفاخر بمواصفات معمارية محددة لسكان المدينة، وفي مواقع معينة تراعي خصوصية المدينة من الناحية الصناعية والبحرية. فالأراضي العقارية لا تمنح إلا لمن يستطيع أن يستثمرها في وحدات سكنية أو مجمعات تجارية، وأمام المستثمر ثلاثة أشهر إن لم يبدأ بعدها البناء سحبت منه الأرض، وخصصت لآخر يمكنه استثمارها. لكن مع ذلك تقدم الهيئة الملكية الأراضي للإستثمار العقاري بأسعار رمزية، سواء كان المستثمر فرداً أو مؤسسة، فالعملية قائمة على تنظيمات استثمارية عادلة ومدروسة، لا تسمح بالعشوائية والمحسوبية أو الإحتكارية، فالمجال مفتوح أمام الجميع على أساس الجدوى والإمكانية. وتتجه الهيئة الملكية حالياً الى طرح مفهوم جديد للإستثمارات السكنية تعرف بالمواقع السكنية شبه المطورة وغير المطورة، وهي مساحات كبيرة تحتاج الى تطوير وتخطيط وتجهيزات أساسية يتعين على المستثمر انشاءها ومن ثم بناء الوحدات السكنية المطلوبة. بيانات ووفقاً لآخر البيانات الخاصة بعدد الوحدات السكنية التابعة للقطاع الخاص في المواقع المطورة يتبين بلغت نحو 8000 وحدة سكنية، في حين بلغ عدد الوحدات السكنية التي تم إنشاؤها والوحدات في المواقع السكنية شبه المطورة حوالي1000 وحدة سكنية، بالإضافة الى إجمالي الوحدات التي شيدتها الهيئة الملكية في المنطقة السكنية وعددها 4492 للعائلات و2140 وحدة للعزاب. وضمن هذا السياق وافقت الهيئة الملكية للجبيل وينبع أخيراً على تخصيص خمسة مواقع سكنية شبه مطورة في حي "الدفي" لعدد من المستثمرين لتنفيذ وتطوير مشاريع إسكانية مكونة من عدد كبير من الوحدات السكنية، بحيث يقوم المستثمر بتطوير الموقع وتنفيذ التجهيزات الأساسية والمنافع والطرق للموقع ثم إنشاء وحدات سكنية تتناسب مع نمط ونوع المناطق المحيطة طبقاً للوائح البناء الخاصة بالهيئة الملكية. كما بدأت شركة "الخنيني العالمية المحدودة" أعمال الإنشاءات لمشروعها الخاص بتطوير موقع محلة الأحساء الجنوبية وإنشاء 420 وحدة سكنية عبارة عن فيلات منفصلة ومتصلة بتكلفة تبلغ 600 مليون ريال 160 مليون دولار، وبلغ عدد مشاريع المراكز والمباني التجارية 32 مشروعاً شغل منها 22 مركزاً، والعشرة الباقية لا تزال تحت الإنشاء او في مرحلة التصميم. فترات متقلبة ومرت أنشطة الإستثمار العقاري في الجبيل الصناعية بفترات متقلبة بين الإرتفاع والهبوط، إذ كانت في أوجها لجهة العائدات حين كان الطلب مرتفعاً على العقار السكني تأجيراً أو شراء من قبل الشركات الصناعية، مقابل قلة في المعروض وذلك خلال الفترة بين 1985 الى 1993 حسب قول أحد المستثمرين في العقارات في الجبيل، اذ كانت الإيجارات مرتفعة تصل في المتوسط بالنسبة الى فيلا من أربع غرف الى 70 ألف ريال سنوياً، وتصل قيمة بيع وحدة سكنية بهذا الحجم الى 800 ألف ريال. وفي آخر هذه الفترة ونتيجة لارتفاع عائدات العقار ازداد النشاط الإستثماري في العقار فأقدم كثير من المستثمرين أفراداً ومؤسسات على بناء الوحدات السكنية، وفي الإتجاه نفسه بدأ بعض الشركات بناء وحدات سكنية خاصة بموظفيه، مما أدى الى كثرة العرض مقابل ركود في الطلب باكتفاء معظم الشركات من الوحدات السكنية آنذاك، عندها بدأت عائدات العقار بالهبوط الدرامي حتى وصلت الى النصف تقريباً في الأعوام 1994/1995/1996. ولكن مع إقرار توسعات جديدة لبعض مصانع الجبيل أخيراً وإنشاء مصانع جديدة أخذت تتجدد آمال المستثمرين من الأفراد ومؤسسات القطاع الخاص في مجال العقار السكني أو التجاري في الجبيل بازدياد فرص الإستثمار المربح في هذا القطاع، فبعض شركات الصناعات الأساسية التابعة للشركة السعودية للصناعات الأساسية سابك اتجهت أخيراً الى شراء وحدات سكنية جاهزة من الأفراد أو الشركات المستثمرة وملّكتها الى موظفيها. اضافة الى ذلك قامت شركات أخرى مثل شركة شيفرون باستئجار وحدات سكنية بنتها التأمينات الإجتماعية كإستثمار في قطاع العقار بالجبيل، فضلاً عن أن بعض الشركات مثل شركة مصفاة أرامكو السعودية شل لا يزال يمنح موظفيه السعوديين قروضاً لتملك البيوت بواقع 50 قرضاً سنوياً وبمتوسط 600 ألف ريال للقرض الواحد، أي ما يقارب 30 مليون ريال سنوياً تُضخ في سوق العقار السكني في الجبيل الصناعية من قبل شركة واحدة فقط، اذ بلغ عدد القروض التي منحتها لموظفيها منذ عام 1990 وحتى الآن أكثر من 600 قرض، يتراوح القرض من 450 ألف ريال كحد أدنى الى 950 ألف ريال كحد أقصى، أي متوسط القرض 600 ألف ريال، وهذا يعكس ضخامة حجم الإستثمار في العقار في الجبيل، ومدى تفعيله لهذا النشاط من الإستثمار