قبل (35) سنة بدأنا نسمع عن الكمبيوتر وقبل (10) سنوات بدأنا نعرف الانترنت وقبل (5) سنوات بدأنا نستخدم التليفون المحمول، وقبل (3) سنوات دخلت حياتنا الأجهزة الرقمية من تليفزيونات وكاميرات تصوير وطابعات وغيرها.. وكل هذه المخترعات وغيرها مما ستخرجه مراكز البحث تخضع للغة مختلفة عن تلك التي تعود عليها اجدادنا وابناؤنا.. هذه اللغة هي لغة العصر والذي سيتخلف عن الصف من لا يعرف عنها شيئاً سواء على مستوى الدول او الافراد.. واذا كان تاريخ البشرية قد تغير مع اكتشاف المطبعة قبل نحو (500) سنة مما جعل القراءة والكتابة من أهم مواصفات تقدم الفرد وأصبح من لا يعرفها امياً، فان اكتشاف الكمبيوتر اضاف ثورة جديدة عن مفهوم الامية بحيث اصبح الامي هو من لا يعرف هذه اللغة.. فأي واحد لا يستطيع القول انه يعيش عصر المعلومات الا اذا كان قادراً على معرفة كيفية التعامل مع هذه المعلومات واستخدامها. واذا كانت الجامعات تعيش اجواء المتغيرات المعاصرة في بيئة التعليم عن بعد في عالم التعليم الجامعي سريع التغيير بحيث أصبح التعليم الجامعي من داخل الاسوار والمدن الجامعية في اطار مكونات مثلت الجامعات (الطالب .. الاستاذ المكان) لذلك أصبح يسود الجامعات حول العالم موجة صاخبة من الاهتمام المتصاعد بالتعليم الجامعي الاليكتروني اي (جامعة اليكترونية) باعتبارها احد روافد ثورة المعلومات.. والانتقال الى اقامة فكرة (جامعات بدون مدن جامعية). لذلك أقول بكل موضوعية وشفافية ان فكرة انشاء جامعة اليكترونية .. هي فكرة ستواجه الانفجار الطلابي كل عام من خريجي الثانوية والدين يتطلعون الى مواصلة دراستهم الجامعية، فهذه الجامعة الإليكترونية ستكون احدى الوسائل المهمة لثورة الاتصالات والتكنولوجيا في نقل المعرفة واستخداماتها لتطويعها وتوظيفها بالجامعة الجديدة مما يؤدي الى اتاحة بيئة جامعية جديدة تسهل الاتصال التكنولوجي والمعلوماتي بين الجامعة الاليكترونية والطلاب التي تسهل التعليم الجامعي وبالتالي تحقق رسالة واهداف الجامعة الإليكترونية. لذلك تفرض الجامعة التقليدية.. جامعة المدن الجامعية بمنشآتها المختلفة وخاصة قاعات المحاضرات التي غالباً محدودة، فان الجامعات التقليدية لضغوط مؤثرة لقوى القرن الجديد مهدت الطريق الى فتح الجامعات ابوابها لجميع الراغبين من خريجي الثانوية. ومن ابرز الجامعات المتقدمة فقد اتبعت وقدمت برامج دراسية جامعية موجهة في اطار في بيتنا جامعة او بالأصح (التعليم عن بعد) ولقد هدفت هذه الجامعات إلى جذب الجامعات الأخرى في العالم إلى تبني نموذج (التعليم عن بعد) تقليلاً للزيادة المضطربة في تكاليف التعليم الجامعي، ودعم الرغبة المتزايدة من الدول لتسليح شبابها بالعلم لمواجهة تحديات العولمة التي قادت بحق الى عصر جامعة بلا أسوار، واكد فكرة التعليم الجامعي عن بعد، بفضل استخدامات التكنولوجية الحديثة. ان فلسفة انشاء جامعة اليكترونية في المملكة تؤكد انه لا ينبغي ان تذهب الى الجامعة، وتدخل قاعة المحاضرات، وتحضر المحاضرة وتستمع الى المدرس، حتى تكون قد تعلمت، وانما لابد على الطالب ان يبذل مجهوداً نفسياً وعقلياً حتى يتفاعل مع ما يتلقاه من معارف، وان يكون راغباً في التعليم الجامعي، ومقبلاً عليه بارادته ومقتنعاً بجدواه بالنسبة له، وان يكون حريصاً عليه شغوفاً به، والا لم يكن له من التعليم الا ذهاب كل يوم الى الجامعة خوفاً من اخذ الاستاذ الحضور والغياب، الذي اصبح جزءاً من التعليم الجامعي التقليدي. ان انشاء جامعة إليكترونية وترسيخ مبادىء واهداف التعليم عن بعد في اطار مفهوم جديد هو (جامعة بدون اسوار) تعتمد على تكنولوجيا التعليم اعتماداً كلياً حيث يتعلم الطالب فيه بعيداً عن المعلم او المدرس (الا في احوال نادرة) لذلك يجب توفير الامكانات لأجهزة الجامعة الإليكترونية او جامعة بلا حدود في ضوء تزايد الاعداد الهائلة من خريجي الثانوية سنة بعد سنة، وآمل الاستفادة من تجربة رابطة جامعة بلا حدود التي يشرف عليها البنك الدولي للانشاء والتعمير (IB). لذلك أرى ان انشاء الجامعة الإليكترونية يبشر بجامعة في كل بيت اذا صح القول بل وكل مناطق وقرى المملكة، لان مثل هذا النموذج للتعليم الجامعي المعاصر له فلسفة خاصة تختلف عن التعليم الجامعي التقليدي، لذلك يجب الا تؤخذ النظم المتبعة في التعليم الجامعي الحالي مقياساً له، لأن الطالب غير مطالب بالحضور او المتابعة المباشرة، فطالب الجامعة الإليكترونية او جامعة بلا حدود، أو في اطار فكرة التعليم عن بُعد، ليس طالباً متلقياً ولكن للمناقشة والاستشارة حول النقاط الصعبة في الموضوعات ويشرح الاستاذ والمقياس في هذا الاطار هو التقويم المقرر والاختبار من خلال ساعات معتمدة للدراسة بهذه الجامعة الإليكترونية بين (120 و140) ساعة والساعة تساوي محاضرة قد تصل الى ساعتين. اذن فالتعليم عن بعد الذي ستطلق اشعته الجامعة الإليكترونية في ربوعنا يتميز بأنه اسلوب حديث يلغى الاسلوب التقليدي للقبول بالجامعات، فهو مفتوح دون تحديد لاعداد او رضوخ لمعيار الاماكن في الجامعات. خلاصة القول انه مع انطلاق قطار الجامعة الاليكترونية يحدونا الأمل انها ستقلل إلى درجة كبيرة من مآسي سياسات القبول الجامعي وانطلاقاً جديداً لجامعات العولمة، وبذلك ترتفع اسهم تعليمنا الجامعي في بورصة المجتمع السعودي، والانضمام الى الشبكة الدولية للتعليم عن بعد التي يتولاها البنك الدولي، وهي رابطة ذات بعد ثقافي وعلمي واجتماعي بين الدول المنظمة لها، والتي ستنضم في خطتها المستقبلية (50) دولة بهدف تنمية وتطوير الموارد البشرية التي تتناسب مع مستحدثات العصر بتوفير الاساليب الحديثة في التعليم الجامعي. ان الرابح الوحيد من انشاء الجامعة الاليكترونية سيكون المجتمع بابنائه وبناته الذي يقدر عددهم هذا العام بأكثر من (300) ألف طالب وطالبة وسيسجلون للتاريخ بان بلدهم لا يزال على عراقته وحيويته وكفاءته في الاهتمام بالتعليم في ضوء المتغيرات المعرفية المتسارعة.