أثار استخدام الكونغرس الأميركي شبكة انترنت في محاولة لتشويه صورة الرئيس بيل كلينتون عبر عرض اجزاء من تقرير القاضي المستقل كنيث ستار في قضية المتدربة لوينسكي تساؤلات حول ما إذا كانت الشبكة العنكبوتية يمكن أن تتحول الى وسيلة إعلام جماهيرية واسعة الاستخدام على غرار الراديو والتلفزيون والتليفون في القرن المقبل. وسواء كانت القضية الفضيحة هي الدافع للجدل أو تجاوب فضول المجتمع الأميركي الذي يحتوي أكبر عدد من المواقع والمستخدمين، فالنتيجة ان انترنت تدخل تدريجياً جزءاً من حياة الناس الخاصة وهمومهم في المجتمعات الصناعية على الأقل، وهي في توسع متواصل ويفتح 120 ألف موقع جديد شهرياً ويدخل الشبكة مليون مشترك جديد كل شهر. وهناك من يطرح سؤالاً آخر حول ما إذا كانت انترنت ستخلق مجتمعاً مندمجاً أكثر توازناً واستقراراً أم أنها ستزيد حفر الهوة بين الأقوياء والضعفاء والأغنياء والفقراء والمتعلمين وغير المتعلمين؟ ويذهب اصحاب هذا الرأي الى اعتبار انترنت في نهاية المطاف سلعة أخرى إعلامية لها منتجوها ومستهلكوها وانها ستظل فترة أخرى طويلة ترمز الى تقسيم العمل كما كان الشأن قبل قرون أو حتى قبل ظهور الاستعمار. أي انها أداة قوة في وجه من لا يملكها أو من لا يعرف التعامل معها. ويعتقد هذا الفريق المتحفظ ان من بين مئة مليون مستخدم للشبكة في العالم يعيش ثلثاهم في الولاياتالمتحدة الجزء الأكبر الباقي رعايا الدول الأكثر ديموقراطية. وفي عشرات بلايين الصفحات التي يضمها نحو مليوني موقع تكاد قضايا دول الجنوب تضيع لأن انترنت موجهة بداية ونهاية الى جمهورها الأصلي وهو ما يفسر وجود تفاصيل جنسية في صفحات القاضي كنيث ستار، اي ان الثقافات والمعايير الحضارية الأخرى مغيبة، وهناك ما يشبه الاسقاط القسري في التعامل مع الآخرين. ويضيف هذا الفريق ان ازيد من نصف سكان العالم لم يسبق لهم أن استخدموا التليفون ولم يستخدموا الكومبيوتر. وفي افريقيا التي يفوق سكانها 648 مليون نسمة لا يستخدم انترنت الا مليون شخص جلهم في جنوب افريقيا. وحسب هذا الرأي فإن فوائد التكنولوجيا ستتأخر في العالم النامي لدواعي مختلفة منها غياب الديموقراطية ووجود ثقافة دولية مهيمنة تحاول فرض الجهاز التقني والمحتوى الفكري والحضاري الأخلاقي. قلب المعادلة في المقابل هناك رأي يعتقد انه بحلول عام 2005 سيفوق عدد مستخدمي انترنت في العالم عدد الذين يملكون كومبيوتراً ولا يستخدمون الشبكة، وفي عام 2010 ستنقلب المعادلة فيتفوق الجنوب على الشمال في المواقع وعدد الخبراء وحجم الصفحات الالكترونية. ويدعم رئيس اوراكل لاري أليسون هذا الرأي بالقول إن 80 في المئة من شواهد الهندسة المتقدمة في الولاياتالمتحدة يحصل عليها طلبة أجانب ويتساءل كيف يكون مصير العالم عندما يفوق عدد العلماء في الهند والصين وأوروبا نظرائهم في الولاياتالمتحدة؟ انها صدمة كبيرة لكثير من الناس لكنها حقائق متوقعة. ويقول كيم بوليزي من مؤسسة "سان" ان الولاياتالمتحدة تحتاج الى 350 ألف مبرمج كومبيوتر سنوياً وهؤلاء موجودون خارج الحدود أغلبهم في الهند. ويعتقد ستيف كيس رئيس "أميركان اون لاين" التي تخدم نحو 12 مليون زبون عبر العالم ان انترنت مجرد مشروع يبقى تحديد ملامحه المستقبلية مفتوحاً للأجيال القادمة اننا أمام ثورة تكنولوجية تفرض علينا في أن واحد احترام اخلاقية المجتمع وتطوير العدالة الاجتماعية وحماية الحياة الخاصة للأفراد. من جهته يعتقد لويس غيرستنير رئيس "آي. بي. ام" ان انترنت يمكن ان تمثل فرصة لتصنيع الدول السائرة في طريق النمو وحرق المراحل عبر دخول عصر المعلومات، وهو يعتقد انه بوسع الشركات الصغرى والمتوسطة استخدام انترنت لتوسيع نشاطها واندماجها الدولي عبر تقليص الكلفة وازالة الحواجز التقليدية بل ان الدول النامية يمكنها كذلك استخدام انترنت وتكنولوجيا المعلومات لمقاومة الفقر والتعصب وخدمة التربية والرعاية الصحية. لكن انترنت بالنسبة لمسؤول "آي. بي. ام" تكمن في "مقاربة البعد الثقافي" إذ يقول: "ان ما تعلمنا انترنت هو ان تقاسم المعارف يجب أن يكون قضية محورية وعلينا أن نعتبر الآخرين شركاء في المعرفة وليس خصوماً لنا". ان النقطة الأخيرة تفسر جزءاً من الجدل القائم حول ضرورة أو عدم ضرورة نشر حياة الآخرين الخاصة حتى لو كانت تقريراً قضائياً مستقلاً. القراءة السريعة في تلك التفاصيل الاباحية تدعو الى الاستنتاج ان انترنت كما يفهمها المدعي العام كنيت ستار ساحة لمعارك مكملة لفصول اعلامية وقضائية وسياسية بينما المطلوب ان تكون انترنت وسيلة للمعرفة والثقافة والتواصل وتقليص الفوارق والمظالم وتقارب الشعوب والحضارات. ولعل رد الفعل الأوروبي تجاه الموقف من تلك الصفحات النارية عكس ما يهمس به ملايين الناس المترددين من أن انترنت يجب أن تكون وسيلة اعلامية "انسانية" لنبذ التعصب والتطرف وليس العكس. ان القضية أشبه باختراعات العالم السويدي الفريد نوبل لنظام مفرقعات الديناميت في نهاية القرن الماضي رغم ندمه فقد نشقّ بها نفقاً في الجبل لمد سكة حديد أو بناء سد أو حفرة قناة. وقد يفجرها الأشرار في وجه خصومهم لتدشين بداية جولات حروب صغيرة وكبيرة تعطي ذرائع لهؤلاء واولئك للاختيار بين التنمية والبندقية.