حين اعلن نبأ الاتفاق الذي جرى التوصل اليه في واشنطن الشهر الماضي بين مسعود بارزاني وجلال طالباني برعاية وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت، تداول العراقيون طرفة عن احد الاقطاعيين، وكان نائباً في برلمان العهد الملكي، عندما اراد استعمال الشوكة في اكل الزيتون، وكيف ان الزيتون كان يروغ عن شوكته. وعندما شاهده النادل في المطعم خفّ لمساعدته وامسك بالشوكة وشكّها في حبة الزيتون بسهولة. فقال الاقطاعي: معلوم! انا دوّختها وانت صدتها. سبقت لقاء واشنطن جهود كثيرة من اجل السلام والمصالحة لعل ابرزها المذكرات التي حوت عشرات الوف التواقيع ومذكرات الاحزاب الكردستانية وفعالياتها الشعبية، ولجنة المساعي الحميدة التي ترأسها السكرتير السابق للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي عزيز محمد، وعضوية رئىس محكمة تمييز اقليم كردستان القاضي رشيد قادر ورئيس جامعة صلاح الدين في اربيل الدكتور بارام خضر إلى المساعي المنفردة التي قام بها حديثاً عزيز محمد واستطاع من خلالها حلحلة بعض العقد وحمل الزعيمين الكرديين على تبادل الرسائل بروح ايجابية، ومن ثم تحقيق لقاءات بين وفود تمثل المكتبين السياسيين للحزبين واتخاذ بعض الاجراءات بقصد بناء الثقة بينهما. وعبر مسؤول اميركي في فترة سابقة عن النشاط المذكور مازحاً، بالقول لأحد القادة الاكراد: يُرجى ابلاغ عزيز محمد تحياتنا اذ افلح في ما فشلنا فيه حتى الآن! ومهما يكن من امر فان الاتفاق الذي اُعلن عنه، من دون الاعلان عن نصوصه، يبعث على الامل في وضع نهاية حقيقية للاقتتال العبثي الذي اضر بقضية الشعب الكردي القومية اشد الضرر، واضعف صدقية الحزبين امام الرأي العام الكردستاني والعراقي ككل، وامام الرأي العام العربي واصدقاء الشعب الكردي في كل انحاء العالم. هذا فضلاً عن كونه - الاقتتال - وجّه ضربة موجعة جداً لنضال شعبنا العراقي وقوى المعارضة للخلاص من النظام الديكتاتوري، بما جرّه من تداعيات كان اخطرها اقتحام دبابات صدام لمدينة اربيل في 31 اب اغسطس 1996، وما تبعه من صلات من طرفي النزاع بنظام صدام بقصد كسب تأييده او حياده. ولا شك في ان التوصل الى الاتفاق، بعد كل الجهود التي بذلتها اطراف عديدة، شيء، وتطبيقه شيء آخر، كما دلّت التجربة في الاتفاقات السابقة، التي كان آخرها اتفاق انقرة، اذ لم يُطبّق منها شيء ذو بال، ولم تمنع جولة رابعة من الاقتتال. الامر الذي يتطلب مواصلة الجهود على كل المستويات والاصعدة لضمان التطبيق الجدي والنزيه لبنود الاتفاق. ولا بد من استكمال الاتفاق وتعزيزه بدعم الرأي العام الكردستاني الواسع له من خلال عقد المؤتمر القومي الكردستاني الذي كان تقرر عقده في ايلول سبتمبر 1994، غير ان مواقف الحزبين وحصر موضوع النزاع في ما بينهما أدى الى تأجيل عقده، ومن ثم اهمال فكرته واستبعادها، وعقد "الاتفاقية التاريخية" التي قيل انها ستستمر الى نهاية القرن على اقل تقدير، واعلانها في المجلس الوطني الكردستاني بحضور اطراف من المعارضة العراقية في تشرين الثاني نوفمبر 1994. لكن هذه الاتفاقية لم تمنع، على رغم وصفها ب "التاريخية"، اندلاع الاقتتال بعد شهر واحد من ابرامها. ان عدم نشر نصوص اتفاق واشنطن يشكل ثغرة كان يُحسن تلافيها بنشرها ضماناً للشفافية، وليكون الرأي العام على بينة مما جرى الاتفاق عليه، والتفاعل معه بايجابية نابعة عن قناعة، وامل بتطبيقه بأحسن صورة، وتطويره بما يخدم وضع نهاية سريعة ونهائية لاستخدام العنف او التهديد به لحل الخلافات السياسية بين الحزبين، ومن اجل ان تستعيد التجربة الكردستانية الكثير مما فقدته جراء الاقتتال العبثي. مع ذلك، فإن ما ترشح عن الاتفاق من المسؤولين الاميركيين وبعض القادة الاكراد يوحي بالتفاؤل الى حد ليس بالقليل. فالاتفاق يقضي، كما ذكر ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني في القاهرة عدنان المفتي، بتشكيل حكومة ائتلافية خلال الاشهر الثلاثة المقبلة بمشاركة الحزب الشيوعي الكردستاني - العراق والاسلاميين والاحزاب الديموقراطية. وكذلك العمل من اجل اجراء انتخابات على امل ان يكون موعدها الصيف المقبل، والنص على جدول زمني لتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه. كما نص الاتفاق، كما ذكر المفتي ايضاً، على تشكيل مجلس استشاري يتولى تنفيذ الاتفاق بمشاركة شخصيات كردية معروفة تحظى بتأييد الجانبين. وكي "يضمن الاتفاق مستقبلاً زاهراً لشعبنا"، كما قال مسعود بارزاني في كلمته عند اعلان نبأ الاتفاق، وليكون كما وصفه جلال طالباني: "اتفاقاً تاريخياً اغلق صفحة حزينة من تاريخ الشعب الكردي"، يأمل ابناء الشعب الكردي وكل اصدقائه الذين ساندوا قضيته القومية العادلة طوال عشرات السنين، ان يجري التخلي كلياً عن كل ما سبّب الاقتتال من منطلقات خاطئة وسياسات اتسمت بالحزبية الضيقة وبالرغبة في الاستئثار واللجوء الى العنف لحل الخلافات، والاعتماد بدلاً من ذلك على كسب ثقة ابناء الشعب من طريق صناديق الاقتراع. وكي يكون البرلمان المقبل معبّراً بصدق عن مطامح وآمال الشعب في اقليم كردستان، ينبغي التحضير لانتخابات حرة نزيهة بعناية بالغة تخلّصها من الشوائب التي شابت الانتخابات السابقة وما رافقها من ممارسات سلبية عبّر عنها بارزاني في حينه في تصريح معلن. إذ لا بد من اجراء احصاء يتسم بحد ادنى من الدقة لمن لهم حق التصويت، واعلان قوائم الناخبين قبل اجراء الانتخابات بوقت كافٍ، وتأمين عدد كافٍ من مراكز التصويت، واجرائه بابراز البطاقة الانتخابية. وان يجري كل هذا في ظل الحريات الديموقراطية وبعيداً عن سيطرة الميليشيات الحزبية او تدخلها بأي شكل من الاشكال، وتحت رقابة هيئات دولية محايدة تعنى بضمان حرية الانتخابات ونزاهتها. وبهذا تعود كردستان العراق الى موقعها الريادي في حركة التحرر القومي الكردية، وكجزء فعال في نضال الشعب العراقي من اجل الخلاص من الديكتاتورية وبناء عراق ديموقراطي فيديرالي موحد مزدهر. * كاتب عراقي.