نتيجة لانتخابات نظيفة متحضرة، أصبحت ليتوانيا أول جمهورية "سوفياتية" تنتخب رئيساً لها محارباً سابقاً في منظمة قومية تعاونت خلال الحرب العاملية الثانية مع الجيش الألماني النازي ضد الجيش الأحمر في البلطيق قبل أن يهاجر الى الولاياتالمتحدة حيث أمضى فيها السنوات الاربعين الماضية مواطناً أميركياً. وكان، حتى عودته الى وطنه الأصلي قبل ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية التي انتهت أول من أمس وأسفرت عن فوزه، عضواً ناشطاً في الحزب الجمهوري وموظفاً في وكالة حماية البيئة لمنطقة شيكاغو. وبعد فوزه امس اعلن انه سيتخلى "فوراَ عن جنسيته الأميركية. في 1994 سجل نفسه مقيماً في قريته السابقة لذا انطبقت عليه المادة الدستورية التي تنص على أن يكون المرشح مقيماً في البلاد ثلاث سنوات متتالية. بين دول البلطيق الثلاث التي كانت تابعة لموسكو تعتبر ليتوانيا الأولى التي قادت الحملة من أجل الاستقلال قبل التفكك النهائي للاتحاد السوفياتي في كانون الاول ديسمبر 1991. ومن المفارقة أن الرئيس المنتخب الجديد فالداس أدامكوس 71 عاماً لم يكن له أي دور في هذه الحملة التي قادها الرئيس فيتاوتس لاندسبيرغيس، زعيم حركة "سايودس"، وهو حالياً رئيس البرلمان وزعيم حزب "سايوديس" ووقف خلال الحملة الانتخابية الاخيرة الى جانب أدامكوس. وليس هذا مستغرباً إذ يجمعهما عداء شديد للشيوعية. أما المرشح الآخر الخاسر فهو المدعي العام الشاب ارثوراس باولاوسكاس 44 عاماً فقد ترعرع في العهد السوفياتي وعمل بيروقراطياً في ظل حزبه الحاكم وحظي خلال الحملة الانتخابية بدعم الرئيس الليتواني الحالي ألغيرداس برازاوسكس الذي كان آخر زعيم لفرع ليتوانيا للحزب الشيوعي السوفياتي بصفته عضواً في مكتبه السياسي في عهد ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفياتي وأمين عام لحزبه الشيوعي. ولكن هذا الموقف لم يمنع برازاوسكاس وباولاوسكاس من أن يكونا أمس أول مهنئين لأدامكوس. ومن مظاهر التحضر الليتواني أن الماضي "الشيوعي" لباولاوسكاس و"النازي - الامبريالي" لأدامكوس لم يستخدمه أي منهما لدعم "قضيته" الانتخابية. وفي المقابل لم يلعب هذا الماضي أي دور في مواقف الناخبين الذي حسموا رأيهم على أساس اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب ومَن منهما سيؤدي وظيفته في صورة أفضل طالما أنهما طرحا برنامجين يعكسان المزاج الشعبي العام، وانطلقا من موقع الوسط، ولكن مع كون أحدهما يمينياً قليلاً والثاني يسارياً قليلاً. وعنى هذا المزاج أن كلاهما تعهد مواصلة سياسة اقتصادية ليبرالية وعزم على الانضمام في اقرب وقت الى الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي مع السعي الى تطبيع العلاقات مع الشقيق الأكبر السابق في موسكو في الوقت ذاته. بعبارة أخرى برهن الليتوانيون على انهم صاروا يمارسون الديموقراطية لا بالأقوال وعلى صفحات الجرائد فحسب، بل في صورة عملية ولو كان رئيسهم الفائز في انتخابات حصل على عشرة آلاف صوت فقط أكثر من منافسه. وهكذا لم يكن أمام مراقبين روس سوى أن يعربوا عن إعجاب وحسد وغيرة حتى أن أحدهم تساءل متمنياً: يا ليتنا نتعلم من هذا الشقيق الصغير؟