قيل لإبراهيم بن أدهم: لم لا تصحب الناس؟ قال: إن صحبتُ من هو فوقي تكبَّر علي، وإن صحبتُ من هو دوني لم يعرف حقي، وإذا صحبتُ من هو مثلي حسدني. فاشتغلتُ بمن ليس في صحبته مَلالة، ولا في أُنسه وحشة، ولا في وصله انقطاع. وأنشد يقول: فلو قطَّعتَني في الحبِّ إرْباً لما حَنَّ الفؤاد إلى سواكا! *** قال لقمان لابنه: لكل إنسان بيتان: بيت غائب، وبيت شاهد. فلا يلهينك بيتُك الحاضر الذي فيه عمرك القليل، عن بيتك الغائب الذي فيه عمرك الطويل! *** يقال: إن المرأة إذا كانت مبغضة لزوجها، فإن علامة ذلك أن تكون عند قربه منها مرتدَّة الطرف عنه، كأنها تنظر إلى انسان غيره، وإن كانت محبة له، لا تقلع عن النظر إليه! *** كان أحمد بن فارس واسع الآداب، متبحِّراً في اللغة العربية. وكان يناظر في الفقه، وينصر مذهب مالك. ويناظر في الكلام، وينصر مذهب أهل السنة. وطريقته في النحو طريقة الكوفيين. وإذا وجد فقيهاً، أو متكلماً، أو نحوياً، يأمر أصحابه بسؤالهم إياه، ويناظر في مسائل من جنس العلم الذي يتعاطه. فإن وجده برعاً جدلاً جرَّه في المجادلة إلى اللغة، فيغلبه بها. وكان يحثُّ الفقهاء دائماً على اللغة، ويلقي عليهم مسائل ذكرها في كتابه "فتيا فقيه العرب" ويخجلهم بذلك، ليكون الخجل لهم داعية إلى حفظ اللغة، ويقول: من قصر علمه عن اللغة، غولط، فغلط. قال مسلم بن محمد: حضرتُ مجلس ابن سريج - القاضي ببغداد - فوقف عليه رجل فقال: أيجب على المتوضئ غسلُ شاكله؟ فلم يعلم أبو العباس ما قاله! والشاكل: البياض بين الأذن والصدغ. *** عن عبدالرحمن بن حسان، عن أبيه حسان بن ثابت أنه قال: قلت بيتاً في الجاهلية، فخشيت أن أموت قبل أن أصبح، فصعدت فوق أطيمة لي ثم صحت بالأوس، فاجتمعوا فقالوا: هل طرقك أمر؟ فقلت: لا، ولكني قلت بيتاً فخشيت أن أموت قبل أن أُسْمِعكموه. فقالوا: وما دعوتنا إلا لهذا؟ قلت: نعم. قالوا: فهاتِه. فأنشأ يقول: رُبَّ حِلمٍ أضاعَه عَدَم المال وجهلٍ غطّى عليه النعيم قال: فاستحسن الكل ذلك، ثم ابتدأت بها، فقلت أبياتاً، وخرجت إلى الموسم، وكان النابغة الذبياني تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ، فيأتيه الشعراء، وينشدون أشعارهم فأنشد حسان: لنا الجفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْن في الضحى وأسيافُنا يَقْطُرن من نجدةٍ دما ولَدنا بني العنقاء وابني مُحَرَّقٍ فأكْرِمْ بنا خالاً وأكْرِمْ بنا ابنما قال النابغة: أنت شاعر، ولكنك قللت جفانك وسيوفك ولم تكثِّرها، وافتخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن وَلَدك. فعاب عليه موضعين من هذين البيتين، وهو عيب صحيح. ومعنى قوله: "قللت جفانك" أن جفنات جمع القليل، وجمع الكثير: جفان. والفخر بالكرم ينبغي أن يكون بالكثير لا بالقليل.