قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    بلدية البصر تطرح فرصة استثمارية في مجال أنشطة الخدمات العامة    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    «حرس الحدود» بينبع يحبط تهريب (3.6) كجم "حشيش"    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    وزارة الحج والعمرة تحذر من محاولة الحج بلا تصريح    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    وفاة الفنان المصري سليمان عيد إثر تعرضه ل"أزمة قلبية"    روبي ويليامز: طلبات التقاط الصور الذاتية تصيبني ب «الذعر»    وزير الصحة يزور الوكالة الدولية لأبحاث السرطان في مدينة ليون    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    تشكيل النصر المتوقع أمام القادسية    مبادرة "نبض إنسان" تواصل جهودها التوعوية    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام الفتح    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    مرصد حقوقي: المجاعة وشيكة في غزة ومليون طفل يعانون سوء تغذية حاد    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    توتنهام يتغلب على أينتراخت فرانكفورت    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    النفط يسجل زيادة بأكثر من 3 بالمئة    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    ممتاز الطائرة : الأهلي يواجه الاتحاد .. والابتسام يستضيف الهلال    نائب وزير الخارجية يستقبل وكيل وزارة الخارجية الإيرانية    الغزواني يقود منتخب جازان للفوز بالمركز الأول في ماراثون كأس المدير العام للمناطق    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    انطلاق مهرجان أفلام السعودية في نسخته ال11 بمركز إثراء    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    أنور يعقد قرانه    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    "التعليم" تدشن مشروع المدارس المركزية    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    حرب الرسوم الجمركية تهدد بتباطؤ الاقتصاد العالمي    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من واقع التجربة الخاصة في "اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين""مكنسة" فتح التي تفوز دائماً !
نشر في الحياة يوم 05 - 01 - 1998

خلال انتخابات فرع اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين في الكويت 1981 راجت مقولة لشخصية فتحوية مفادها: "لو رشحت فتح مكنسة لعضوية الهيئة الادارية أو الامانة العامة لفازت بغالبية الاصوات".
هذه الاستهانة البالغة بالانسان الفلسطيني لم يخترعها اي مثقف فلسطيني من الذين اجتمعوا في دمشق في السابع من هذا الشهر، ولا اخترعها اي تنظيم فلسطيني اقل حجماً، بل تكاد تكون علامةً تجارية مسجلة براءة اختراعها باسم وعدد من المتغطرسين في منظمة التحرير الفلسطينية الذين اعتقدوا بأنهم امتلكوا الارض وما عليها بمالهم ونفوذهم ومؤسساتهم، فأصبحوا قادرين على تحويل "المكانس" الى مثقفين وصحافيين بقدراتهم الفذة هذه.
أتذكّر هذا في جو بدأت صفحات الصحف تحتشد بأقلام فلسطينية، من هنا وهناك، تتخذ لها من مؤتمر الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيين الرابع الاخير هدفاً للهجوم والطعن. فبعضهم يعتبره اتحاداً "مفبركاً ومزوراً"، وبعضهم يراه انشقاقاً، وبعضهم يرى فيه غلبة السياسي على الثقافي… وهكذا.
الطريف ان الاسماء التي تتحدث عن الفبركة وتغليب السياسي تتجاهل أو تجهل بالاحرى تاريخ هذه المصطلحات في الساحة الثقافية الفلسطينية، وتتجاهل ان قيادة الاتحاد التي ستأتي الى مؤتمر الادباء والكتّاب العرب من غزة لتطالب بمقعدها هي احد نواتج الفبركة والتزوير اللذين حدثا في العام 1984، ثم تكرّسا في مؤتمر الجزائر في العام 1988. فهي قيادة لم تُنتخب لهذا الاتحاد اطلاقاً في العام 1984، بل فرضها التنظيم المهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية عنوة بوسائله المالية والمعنوية فتح ثم انضمت اليه منظمات عدة من امثال جبهة حواتمة، وجبهة حبش تحت ستار الدعوة للمصالحة في الجزائر في العام 1988.
لم يروِ احد حكاية المثقف الفلسطيني مع اتحاده وثورته بنزاهة، فالغالبية تركض وراء منافعها، بما فيها الغالبية العربية الكتبة التي لم تعد تأكل على مائدة السلطان فقط، بل وتصلي وراءه وتضرب بسيفه ايضاً في الازمنة الحديثة، وهو ما يحدث الآن بالضبط، تعبيراً عن الافلاس الخلقي والمادي الذي فرضته مقولة "المكنسة" في العقدين الماضيين على الساحة الفلسطينية، ثقافة، وادارة وسياسة واقتصاداً.

حين تشكّلت في مطلع الثمانينات امانة عامة لاتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين، وجاءت بعدها انتخابات الهيئات الادارية واعضاء المؤتمر العام، اكتشفت قيادة منظمة التحرير فتح التي هيمنت على المنظمة وجعلتها اقطاعاً خاصاً بها منذ العام 1969، ان قبضتها على الاتحاد ليست كما ينبغي، وانه بدأ يتحول الى جسد تنبض فيه الحياة، وليس مجرد اداة صماء، فقد اخترقت اسماء معروفة ناجي العلي مثلاً مخطط الهيمنة المطلقة على رغم مقولة "المكنسة" وسقطت مكانس فتح سقوطاً مدوياً في انتخابات فرع الكويت اكثر الفروع اهمية وفاعلية. وهو ما منح الاتحاد استقلالاً فعالاً، وبدأ يظهر على صعيد الساحة الفلسطينية كصوتٍ مؤثر. وامتعضت تنظيمات فلسطينية ايضاً من هذه النتيجة، فالاستقلالية ليست في حساب احد من رعاة المنظمات الفلسطينية، وخير منها تقاسم النفوذ بين المنظمات، لأنه اكثر اماناً من "الصوت الثقافي" الذي لا يمكن ضبط ايقاعه وفق ايقاعات هذه المنظمات ذات الاهداف والطموحات المتقلبة، وأهون شراً من "الثقافة" التي ان لم "تفقص" اصبحت منذرة بالخطر على لعبة السحرة.
السياسي الفلسطيني بشكلٍِ عام لا يقيم وزناً للثقافة الا بمقدار ما تتحول الى نشيد مدرسي يدغدغ عقده المزمنة، والا بقدر ما تتحول الى غناء يمجّد مآثره وبطولاته والا بقدر ما تخدم صراعاته الضيقة مع منافسيه على عقول وجيوب الجماهير. ولهذا فانه يفضل وجود "المكنسة" اولاً، ولابأس ان كانت "مثقفة" ثانياً.
الاولوية للاداة الصماء، للاختام التي تلتف حول "الزعيم" وتسارع الى دمغ اي ورقة يشير اليها. ما يخشاه السياسي الفلسطيني نصف الامي عادة، ويرعبه، ان يخرج المثقف الفلسطيني على قواعد لعبة تقاسم المنافع التنظيمية. وقد اعتقد رئيس منظمة التحرير يوماً خلال اجتماعه بعدد من اعضاء اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين في بيروت بأنه هو الذي خلقهم من عدم، وهو الذي جعلهم روائيين وشعراء وكتّاباً ونقّاداً، في معرض تأنيبه لنواياهم "الشريرة" المضادة للقائمة التي قدمها تنظيمه.
والمفارقة المضحكة ان هذا التأنيب اصاب رجلاً بين الحضور اشار اليه "الزعيم" باستخفاف ملقباً اياه ب "ذي الشعر الابيض اللي هناك…" من دون ان يعرف ان ذا الشعر الابيض كان الروائي الكبير غالب هلسا، وانه لا ينتمي لتنظيمه ولم يكن صنيعة يديه كما هو حال الآخرين.
وظل التململ من وجود اتحاد حي ومنتخب للمرة الاولى في تاريخ هذا الاتحاد قائماً، وظل الاحساس بفراغ القبضة العاجزة عن تسييره ثقيلاً حتى العام 1983. اي الى ان حدث الانشقاق في صفوف "فتح" وانتقلت معركة الانشقاق الى كل الهيئات الشعبية بما فيها الاتحاد العام للكتّاب والصحافين. وفي هذا الجو بدأت قيادة المنظمة بشن حرب تصفية لكل قيادات الاتحادات غير الموالي للزعيم الأوحد، فدعت الى مؤتمر عام في صنعاء في العام 1984 لم توجه الدعوة اليه الامانة العامة ولا العدد المطلوب من الاعضاء، بل شخصيات في "فتح" المهيمنة على منظمة التحرير، وكان الغرض واضحاً: فبركة وتزوير اتحاد يهتف ويصفق ويرقص في حفلات هذه القيادة. هنا ولدت نظرية خروج من لا يحضر مؤتمر صنعاء على الشرعية الوطنية، والكتابة الوطنية التي اطلقها السيد محمود درويش . ومن هنا كان منطلق الفبركة والتزوير حقاً، ان كان لا بد لأحد ان يتطرق الى موضوع الفبركة والتزوير!
ولأنني كنت عضواً منتخباً في الهيئة الادارية لفرع الكويت ذي الوزن الفعّال آنذاك بين فروع الاتحاد، فقد شهدت فصول الفبركة كما تمت، وجرى الامر كما يلي:
قررت الهيئة الادارية واعضاء المؤتمر العام في فرع الكويت عدم الذهاب الى صنعاء لعدم اهلية الداعين الى عقد المؤتمر هناك، فهم ليسوا امانة عامة، ولا هم ثلث الاعضاء كما تقضي بذلك اللوائح ودستور الاتحاد. ولم يحضر مؤتمر صنعاء من فرع الكويت سوى ثلاثة "مكانس" لفتح، اثنان من الهيئة الادارية وواحد من اعضاء المؤتمر من مجموع 18 عضواً رفضوا هذه الفبركة والحجج التي طرحتها قيادة منظمة التحرير.
ما الذي حدث بعد ذلك؟
اتخذ مكتب منظمة التحرير في الكويت، والذي سيُعطى مسمى سفارة بعد ذلك، قراراً بمنع دخول قيادة الفرع المنتخبة والعاصية او المتمردة الى مكتبها في مقر مكتب المنظمة. وقام بتأليف وفبركة هيئة ادارية من النطائح والمترديات التي خلفتها الانتخابات السابقة بكل بساطة او وقاحة بالاحرى. وظل الامر معلّقاً: قيادة شرعية منتخبة للاتحاد في دمشق، وقيادة مفبركة للاتحاد وضعها الزعيم الاوحد في جيبه وغابت علومها، ولم نسمع بها الا حين انعقد مؤتمر الادباء، والكتّاب العرب في بغداد 1988. وهناك جاء وفد صنعاء المفبرك لينال اعتراف الاتحاد العربي، وليحظى بالمقعد الفلسطيني. وقد كان له ما اراد بفضل "التضامن" العربي مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ذلك "التضامن" الذي يتشتت عند كل منعطف، الا انه يتوحد ويتحد حول اهمية "التعيين" و"القولية" وشر الانتخابات والمنتخبين في كل شأن من شؤون الحياة العربية.
ومات شيء اسمه الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، وتمزق شمل اعضائه، فبعضهم تم اغتياله، وبعضهم تم اخراسه، واخيراً اتفقت المنظمات الفلسطينية المعروفة
على ما يسمى بمؤتمر المصالحة في الجزائر 1988.
ودعينا مع عدد كبير من الاعضاء لحضور هذا المؤتمر تحت ذريعة انه ما دامت "المنظمات" قد اتفقت وتصالحت، اصبح لزاماً على المثقفين ان يتفقوا. وهو المنطق الذي تتفق عليه منظمات فلسطينية عدة. انه المنطق القائل بأنه لا "لثقافة" ولا "لمثقف" خارج اقفاص المنظمات. وهو المنطق نفسه الذي يهمش الثقافي دائماً ويستخدم ادوات او "مكانس" ثقافية لتنفيذه تتخذ لها دريئةً كل نطيحة ومتردية من الوسط الثقافي الفلسطيني وظيفتها تحويل هذه الادوات اساطير في اذهان البسطاء من الناس.
ورفضت مع قلة هذا النوع من الفبركات الذي يقضي بأن نذهب الى الجزائر "ضيوفاً" على المؤتمر لا اعضاء مؤتمر منتخبين، لمباركة تزوير تم هناك بالاتفاق بين المنظمات وهو التزوير الذي امتد منذ مؤتمر صنعاء الانشقاقي فعلاً، وصولاً الى مؤتمر الجزائر الباهت الذي اعاد الاتحاد الى التابوت مرة اخرى، وظل يحمله الى ان اوصله الى غزة في ركاب الزعيم الاوحد… الذي لولا وجوده لما كان للشعب الفلسطيني وجود كما زعمت مجلة "الكرمل" ذات يوم!

الآن ترتفع اصوات عدد من "المكانس" منتقدة الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب بسبب تعليقه لعضوية فلسطين، اي عضوية اتحادهم التابوتي العتيد ووجهه الكالح الذي زاده سواداً وضع بصمته على كل المهازل من دون استفسار حتى عما فعلته وتفعله السلطة الوطنية وراء الكواليس، وعما فعلته وتفعله في الهواء الطلق على مسرح غزة - اريحا.
هذه الاصوات تتباكي على الشرعية، وعلى الثقافة، وعلى نضال المناضلين في الداخل، وكأن هناك شرعية وثقافة، ونضالاً بالفعل، لا مجرد امعات يوجه مسارها سمعٌ مرهفٌ، فتحلّ وترحل حيث تشعر بحفيف اجهزة تكييف الهواء في المستنبتات الزجاجية المريحة، تلك التي تعج بمثقفين من طراز خاص، يودون ان يكونوا ذواتهم وغير ذواتهم، ضمير شعب ووسطاء لديه، بطيخاً وموزاً في وقت واحد. والاطرف انهم يودون ان يكونوا تجاراً من دون ان يفقدوا فضيلة المثقف، ومثقفين من دون ان يفقدوا فوائد التجارة. هؤلاء هم مثقفو منظمة التحرير بامتياز.
ليكن هذا فضحاً لكل الاقنعة، لكل اولئك الذين التقيت بهم في قبرص، فكانوا يتحدثون خفية بشيء، ويكتبون علناً شيئاً آخر، ثم رأيتهم يتوافدون على غزة وأريحا ورام الله ويتصارعون على مناصب بائسة في مؤسسة اكثر بؤساً اقامها لهم المحتلون الصهاينة. ليكن هذا فضحاً لمأساة اخلاقية، اسمها مأساة الثقافة الفلسطينية، يعمل على تأبيدها عدد من المنتفعين الذين ولدوا في المستنبتات الزجاجية، نبات الظل ذاك الذي ما عاد بامكانه، ولم يكن بامكانه اصلاً، ان يعيش خارجها. لقد منحتهم هذه الاقفاص الزجاجية الهوية واللقب والامتياز. وبالفعل، وحين يخاطب رئيس منظمة التحرير أفراد شرطته الثقافية هؤلاء بالفاظ بذيئة تحط من كرامة اي انسان، وحين يذكّرهم بأنه هو الذي صنع منهم شعراء وروائيين ونقاداً، فهو محق وله الحق في ذلك، فهو الذي سخّر لهم بالفعل اجهزة ومؤسسات منظمة لتقوم بتسويقهم وتصديرهم الى مؤتمر هنا او هناك، او تعيينهم في هذه المؤسسة الدولية او تلك، او تسجيل "ابداعاتهم" على أشرطة فيديو وتوزيعها على الاقطار العربية وأماكن اقامة الجاليات العربية في الخارج، او تسليط صحفه على كل من يجرؤ وينتقد نباتات الظل هذه او يسخر منها. انه صانعهم بالفعل، ولن يكون لهم وجود خارج اقفاصه، الا انه سيكون واهماً، وشرطته الثقافية أيضاً، اذا اعتقد بأنه خلق الثقافة الفلسطينية، ومنح كل مثقف فلسطيني قيمته، انه لم يخلق سوى كتبة تقارير.
لم يكتب الكثير عن مأساة الثقافة الفلسطينية، مأساة اختصار المثقف الفلسطيني الى ساق على مائدة زعماء المنظمات، او منشق منبوذ يعتقدون بأنه غير موجود لمجرد انه تمرد على اقفاصهم. لم يُكتب شيء عن المثقفين الذين تحولوا الى دجاج سمين عاجز عن الطيران، والنسور التي ترتفع اصوات الدجاج الآن لانتقادها والطعن في اهليتها بحجة ان الطيران انشقاق وفتنة وخروج على الجماعة.
ذات يوم اضطررت الى افهام هذا الدجاج السيء ان الخلاف كامن ببساطة، في ان النسور ذات مناقير وأجنحة مهيأة للطيران والافتراس، وليس من طبيعتها ان تلتقط الحب وتتهادى في الاقفاس كما يفعلون.
من المؤسف ان هذا الدجاج الذي قيل انه سيتخذ طريقه الى دمشق لحضور مؤتمر اتحاد الكتّاب والادباء العرب ويطالب بمقعد فلسطين، لن يدرك هذا الفرق، وستظل مفاهيمه الدجاجية مسيطرة عليه، ولن يفهم ان للنسور وجوداً، وان وجودها ممحو من ذاكرته فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.