إسرائيل تستبق وقف النار.. اغتيالات وغارات عنيفة    الكشافة تعقد ندوة الاتجاهات التربوية الحديثة    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السعودية تتصدر العالم بأكبر تجمع غذائي من نوعه في موسوعة غينيس    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    التعليم : اكثر من 7 ٪؜ من الطلاب حققوا أداء عالي في جميع الاختبارات الوطنية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    بوريل يطالب إسرائيل بالموافقة على وقف إطلاق النار في لبنان    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    السعودية الأولى عالميًا في رأس المال البشري الرقمي    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    سجن سعد الصغير 3 سنوات    حرفية سعودية    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    فصل التوائم.. أطفال سفراء    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    ألوان الطيف    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    من أجل خير البشرية    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل ب"حساب المواطن" والدعم الإضافي لعام كامل    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    التظاهر بإمتلاك العادات    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"رحلتي الطويلة من اجل الحرية" لنلسون مانديلا ... في ترجمته العربية . سنوات الأمل في سجن جزيرة روبن 4 من 5

} رئيس جنوب افريقيا أكثر شخصيات العالم شعبية في نهاية هذا القرن. تظن انك تعرفه وتقرأ سيرته مرات فتكتشف في كل مرة ما تجهله.
الكتاب الذي صدر عن مسيرة نلسون مانديلا نحو الحرية جاب كل الانحاء، وكان الإقبال عليه قياسياً في كل مكان ولشهور طويلة.
"رحلتي الطويلة من أجل الحرية" يصدر وشيكاً في ترجمته العربية عن دار "جمعية نشر اللغة العربية" في جنوب افريقيا. وأعد الترجمة عاشور الشامس.
"الحياة" تنشر مقتطفات من هذه السيرة:
لم يكن الخط البياني لتحسن الأوضاع داخل السجن ثابتاً في كل الأوقات. كان التقدم متعثراً وغالباً ما تعقبه انتكاسات. قد تمر سنوات قبل ان تتحرك خطوة واحدة نحو الأفضل، ثم اذا بهذه الخطوة تلغى في يوم واحد. كنا كمن يدفع صخرة عظيمة الى أعلى الجبل ليراها في لحظات تتدحرج الى أسفله. ولكن الأوضاع تحسنت وكسبنا عدداً من المعارك المحدودة التي أحدثت في مجموعها تغيراً ملحوظاً في الجو العام في الجزيرة. لم نكن نحن نسير شؤون الجزيرة ولكن الادارة لم تكن لتسيرها من دوننا، وفي أعقاب رحيل فان رينسبيرغ آمر السجن أصبحت حياتنا في الجزيرة أكثر احتمالاً.
في غضون السنوات الثلاث الأولى اعطيت للجميع سراويل طويلة. وفي عام 1969 تسلم كل منا بدلة خاصة به بدلاً من حصولنا على ملابس مختلفة كل أسبوع. البدلات الجديدة كانت حسب المقاس وسمح لنا بغسلها بأنفسنا. كما سمح لنا بالخروج الى الساحة في أي وقت أثناء عطلة الأسبوع. ورغم ان الطعام لم يوحد أصبح السجناء الأفارقة يحصلون على الخبز في الصباح أحياناً، كما سمح لنا بأن نتشارك في الطعام فاختفت الفروق. وفرت لنا العاب الورق وكنا نلعبها يومي السبت والأحد من كل أسبوع. صرنا نتحدث بحرية في المحجر ولا نقاطع الا نادراً. عندما يعلم الحراس بمجيء آمر السجن كانوا يطلقون صفاراتهم تنبيهاً لنا فنلتقط الفؤوس ونواصل العمل. نجحنا في تحييد أسوأ الحراس ووثقنا علاقات الود مع الطيبين منهم رغم ان السلطات اكتشفت ذلك فعمدت الى تغيير الحراس كل بضعة أشهر.
أصبحنا أحراراً، نلتقي ونتبادل الزيارات متى شئنا. لم تكن اجتماعات الجهاز الأعلى واجتماعات الأعضاء في الحزب ولجنة أولوندي تنفض الا اذا أصبحت معرضة للاكتشاف من قبل الحراس. بدا السجن وكأنه يدار من قبل السجناء وليس من قبل ادارته الرسمية.
* * *
بدأ الحراس يدخلون في أحاديث معنا. لم أكن أبدأ الحديث مع الحراس ولكن ان سألني أحدهم سؤالاً حاولت ان اجيبه علىه، من الأيسر ان تعلم انساناً اذا كانت لديه رغبة في العلم. كانت تلك الأسئلة مصحوبة بشيء من الضيق، وكانوا يتبعونها بقولهم:
- حسناً يا مانديلا! ماذا تريد بالتحديد؟
أو بقولهم:
- أنت مانديلا لك مكان يؤويك ويأتيك من الطعام ما يكفيك، فلماذا تصر على خلق المشكلات؟
كان ذلك يفتح لي مجال الحديث معهم في السياسة وكنت أهدف الى شرح سياسة المؤتمر الوطني الافريقي وازالة الغموض والتعصب اللذين يحيطان بصورته في أذهانهم.
وصل في عام 1969 حارس أبدى رغبة خاصة في التعرف عليّ. ووصلتني اشاعات حول خطة يعدها الحزب لتهريبي من السجن وان رجلاً من أتباع الحزب اخترق حراس الجزيرة كي يتمكن من مساعدتي. بعد فترة من الزمن أبلغني ذلك الحارس انه يخطط لتهريبي من السجن.
شرح لي تفاصيل الخطة شيئاً فشيئاً، وقال انه ذات ليلة سيدس مخدراً لحارس منارة الجزيرة كي يصل قارب الى الشاطئ، وسيعطيني مفتاحاً لاخرج من العنبر واتجه الى القارب. وفي القارب سأجد معدات غطس استعملها للسباحة الى المرفأ في كيب تاون ومن هناك سيرافقني أحدهم الى مطار محلي أغادر منه البلاد الى دولة اخرى.
استمعت الى تفاصيل الخطة كلها ولم أعبر له عن اعتقادي بأنها خيالية وغير محكمة. تشاورت في الأمر مع ولتر واتفقنا على ان الحارس لا يؤتمن جانبه. لم أفصح للحارس بإنني لم أقبل الخطة، ولكنني لم أقدم على تنفيذ أي جزء منها، ويبدو انه فهم ردّي، وسرعان ما نقل الحارس من الجزيرة.
كان حدسنا في محله. علمنا في ما بعد ان الحارس كان عميلاً لوكالة استخبارات جنوب افريقيا المعروفة باسم "مكتب أمن الدولة". كان الهدف من الخطة ان أهرب من الجزيرة ثم أقتل في اشتباك مع قوات الأمن في المطار الذي كان من المفترض ان أغادر منه البلاد. كانت الخطة من ألفها الى يائها من بنات أفكار مكتب أمن الدولة بما في ذلك الاشاعات الخاصة بالترتيبات التي أعدها المؤتمر الوطني الافريقي لتهريبي. ولم تكن تلك المحاولة الأخيرة للتخلص مني.
كنا ذات يوم في فناء السجن فاقترح ولتر وأحمد ان أسجل مذكراتي. وأشار أحمد الى ان أنسب موعد لنشر تلك المذكرات هو الذكرى السنوية لميلادي، بينما ذكر ولتر ان قصة حياتي - لو رويت بصدق وأمانة - فستذكر الناس بما كنا - ولا نزال - نناضل من اجله. وقال انها ربما حركت همم الجيل الجديد من المناضلين ونفوسهم. استهوتني الفكرة وفي نقاش لاحق وافقت على الشروع في تنفيذها.
عندما أعقد العزم على القيام بشيء ما فإنني أميل الى ان ابته على الفور فتفرغت بالكامل للمشروع الجديد. وضعت لنفسي جدولاً غير معهود، فكنت أكتب أكثر الليل وأنام في النهار، وربما نمت لفترة قصيرة بعد العشاء حتى العاشرة مساء ثم جلست للكتابة حتى يحين موعد الفطور. وفي أيام العمل في المحجر كنت أنام بعد الرجوع من العمل حتى موعد طعام العشاء ثم اجلس للكتابة. بعد مرور بضعة أسابيع أخبرت الادارة بأنني مصاب بوعكة صحية ولن أتمكن من العمل في المحجر، فوافقت ولم تبدِ اهتماماً بالموضوع وأصبح في امكاني النوم في النهار.
نظمنا فريقاً لمراجعة مسودة المذكرات، فكنت أدفع بما أكتبه كل يوم الى أحمد كاثرادا ليراجعه ثم يقرأه على ولتر ثم يسجلا ملاحظاتهما. لم يتردد أي منهما في انتقاد ما أكتب وكنت بدوري اتقبل ملاحظاتهما بصدر رحب، وغالباً ما أعدل النص بناء على ذلك. بعد المراجعة الأولى يحال النص المعدل على لالو شيبا كي يختزل بمهارته الفائقة كل عشر صفحات فولسكاب مما كتبت في صفحة واحدة بخط رفيع جداً، ثم يتولى ماك ماهاراجا تهريب المادة الى خارج السجن.
ارتاب الحراس في أمري وسألوا ماك ذات يوم عن سبب سهري الليالي فهز كتفيه متظاهراً بالجهل. كنت أكتب بمعدل سريع ولم أتردد في استعمال ما اخترت من كلمات وتعبيرات. انتهيت في غضون أربعة أشهر من مسودة أولية سجلت فيها أحداث حياتي منذ ولادتي وحتى نهاية محاكمة ريفونيا مع بعض أحداث حقبة جزيرة روبن.
عشت تجارب حياتي من جديد أثناء تدويني لها. استعدت في سكون الليل ما عشته وسمعته وأنا شاب غض في قونو ومكيكيزويني، وعشت لهفتي ورهبتي عندما حللت في جوهانسبيرغ، وعواصف تأسيس رابطة الشباب، والتأجيل المتكرر لمحاكمة الخيانة، ثم دراما ريفونيا. كنت كأنني في حلم من أحلام اليقظة فحاولت ان أنقل كل ما أحس وأتذكر على الورق بأقصى قدر من البساطة والصدق والوضوح.
تمكن ماك ببراعة من اخفاء المادة كلها في أغلفة دفاتر وكتب كان يستعملها لدراسته، ثم هربها معه عندما أطلق سراحه عام 1976. كان الترتيب المتفق عليه ان يشعرنا ماك سراً بوصول المادة سالمة الى خارج البلاد حتى نتخلص من الأصل الموجود معنا داخل السجن وبلغ حجمه 50 صفحة. لم يكن أمامنا سوى حل واحد فدفنا الورق في حديقة في فناء السجن. فقد أصبحت المراقبة في الفناء متقطعة وغير دقيقة وكن الحراس يقضون الوقت في الحديث في أحد المكاتب بالجانب الشمالي من الساحة وتتعذر عليهم رؤية ما يجري في الجانب الآخر. اخترت ردم الأوراق في تلك البقعة أثناء ممارستي لرياضة المشي في الصباح الباكر.
ولتفادي حفر حفرة بكيرة قررنا توزيع الأوراق على ثلاث حفر وغلفنا كل جزء في قطعة من البلاستيك ووضعناها في علب الكاكاو الفارغة. كان لزاماً علينا انجاز العمل خلال فترة قصيرة من الزمن فطلبت من جيف ماسيمولا صناعة أدوات للحفر فزودني خلال أيام بقضبان مدببة من الحديد.
انطلقنا ذات صباح بعد تناول الفطور نحو الحديقة في الجانب الجنوبي من الساحة وكان برفقتي أحمد كاثرادا وولتر وإدي دانيالز وتظاهرنا بالحديث في أمور عامة، وكان كل منا يخفي جزءاً من المادة تحت قميصه. وبإشارة مني بدأ الجميع يحفر. حفرت بالقرب من أنبوب التصريف حتى بلغت الأنبوب وأودعت تحته أكبر الأكياس. وحفر الآخران حفرتين لردم ما تبقى. انتهينا من المهمة مع حلول موعد الانطلاق الى المحجر. وما ان انطلقت الى العمل ذلك الصباح حتى انتابني شعور مفعم بالارتياح لاخفائنا المذكرات، ولم أعد الى التفكير في أمرها منذ ذلك الحين.
مرت بضعة أسابيع، وذات صباح بعيد قيامي من النوم سمعت أصوات معاول وفؤوس في الساحة. حان موعد الخروج من الزنزانات للغسيل فذهبت الى نهاية الممر، القيت نظرة خاطفة خارج الباب واذا بي أرى فرقة من سجناء القسم العام يحفرون في الحديقة. أصابني الفزع لأنهم كانوا يحفرون في المواقع التي دفنا فيها المذكرات.
اتضح ان الادارة قررت تشييد سور أمام زنزانات العزل لأنها اكتشفت ان السجناء بإمكانهم التحدث من داخلها مع السجناء في الساحة، وكان ذلك الفريق يحفر خندقاً صغيراً لأساس السور.
أخبرت ولتر وأحمد كاثرادا خلسة أثناء الغسل عما يجري من حفر في الساحة، ورأى كاثرادا ان الأوراق معرضة للاكتشاف ما عدا الجزء المردوم تحت انبوب التصريف. وصل طعام الفطور وأمر الحراس سجناء القسم العام بمغادرة الساحة لمنع أي اتصال بيننا وبينهم.
أخذ كل منا صحنه ثم اتجهنا نحو الحديقة وكأننا في حديث خاص، فوجدنا الحفر يوشك ان يصل الى موقع الكيسين الصغيرين. التحق بنا جيف دانيالز وانتبه فوراً للمشكلة.
لم يكن أمامنا سوى الحفر لاستخراج الأوراق من دون جلب انتباه الحراس. اخرجنا الكيسين اما الكيس الثالث فيحتاج الى وقت أطول ولكننا كنا على يقين بأنه في مكان آمن ولن يصلوا اليه.
أخفينا الأوراق في ملابسنا وعدنا الى زنزاناتنا. كان دانيالز معفى من العمل في المحجر يومذاك فسلمناه الأوراق ليتخلص منها بأسرع ما يمكن. ووافق ادي على رغم ما يترتب على ذلك من خطر عليه شخصياً، وتنفست الصعداء وحاولت ان أطرد الموضوع عن ذهني بقدر المستطاع.
عدنا من المحجر وبدلاً من ان أذهب الى الحمام كالعادة اتجهت في هدوء الى موقع الحفر وفزعت لما رأيت. لقد أزاحوا أنبوب التصريف بكامله ولا بد من انهم عثروا على الكيس الأكبر. ومن دون ان أدري وجدت نفسي مراقباً من عدد من الحراس أخبروني في وقت لاحق بأن رد فعلي أكد لهم بأنني أعلم ان شيئاً ما كان مخفياً في ذلك الموقع. عدت الى المبنى واتجهت الى الحمام وأخبرت ولتر وكاثرادا باعتقادي ان الأوراق كشفت. وعلمت ان ادي تخلص من الجزئين الآخرين.
استدعيت في صباح اليوم التالي الى المكتب الرئيسي لمقابلة آمر السجن وكان الى جانبه أحد كبار المسؤولين في مصلحة السجون وصل لتوه من بريتوريا. ومن دون أي تحية أو مقدمات قال آمر السجن:
- مانديلا، عثرنا على مذكراتك.
لم أرد بشيء، فأبرز رزمة أوراق وسألني:
- هذا خطك، أليس كذلك؟ اننا على يقين بأن هذا من صنعك.
- اذن عليكم اثبات ذلك.
هزأوا لردي وأكدوا انهم على يقين كذلك من ان التعليقات والملاحظات الهامشية هي من عمل ولتر سيسولو وأحمد كاثرادا، فأجبت بأن عليهم اثبات ذلك ان كانوا ينوون عقابنا. رد الآمر قائلاً:
- لسنا في حاجة الى اثباتات، فالأدلة بين ايدينا.
وعلى رغم ان آمر السجن لم يفرض اي عقوبات ذلك اليوم الا انه استدعى ثلاثتنا بعد فترة قصيرة للمثول امام نائب مفوض مصلحة السجون الجنرال رو، فقال اننا بكتابة المذكرات اسأنا استعمال الميزات الممنوحة لنا. وعليه، فكل الميزات الخاصة بالدراسة ستتوقف الى أجل غير محدد. وامتد حرماننا من تلك المزيات في واقع الامر الى اربع سنوات.
أمضى ماك ماهاراجا ستة اشهر تحت الاقامة الجبرية في جنوب افريقيا بعد اطلاق سراحه في كانون الاول ديسمبر وبادر بارسال المذكرات الى انكلترا في اول فرصة. تمكن بعد ذلك من التسلل الى لوساكا لمقابلة اوليفر تامبو ومنها الى لندن حيث اقام ستة اشهر. اثناء تلك الفترة وبمساعدة سكرتيرة، اعاد طباعة المادة كلها وترتيبها بصورة لائقة، ثم عاد الى لوساكا وسلّمها لأوليفر…
وانقطت اخبار المذكرات ولم يصلني شيء عنها من لوساكا، ولم ادر ما فعل اوليفر بها. ورغم ان تلك المذكرات لم تنشر اثناء وجودي في السجن فهي تشكل المادة الاساسية لهذا الكتاب.
* * *
زارني في عام 1976 ضيف غير عادي هو جيمي كروغر، وزير السجون في جنوب افريقيا والعضو البارز في اعضاء الحكومة، لم تقتصر اهمية كروغر على نفوذه في سياسة السجون بل انه يعتبر من اهم اركان الدولة في التعامل مع حركة التحرير في جنوب افريقيا.
كنت على معرفة طفيفة بأسباب الزيارة. فقد كانت الحكومة تبذل جهوداً جبارة من اجل انجاح سياستها الخاصة بتنمية المناطق العرقية المنفصلة والمناطق شبه المستقلة. وكان اقليم ترانسكاي - بقيادة قريبي ماتانزيما الذي كان يوماً ما وليّ امري - النموذج الاول الذي تفخر به الحكومة في هذا الصدد. وكان ماتانزيما قد قمع كل اشكال المعارضة الشرعية تقريباً لحكمه في الاقليم. واذكر ان آمر السجن اقترح عليّ ذات مرة مازحاً فقال: من الاولى بك يا مانديلا ان تتقاعد في ترانسكاي وتقيم هناك في راحة لفترة طويلة… واتضح ان ذلك هو المقترح نفسه الذي جاء به جيمي كروغر.
وكروغر رجل بدين فظ الحديث لا تظهر عليه كياسة الوزير او لباقته. انتهزت فرصة الاجتماع لشرح اوضاعنا وشكاوينا وبدا على كروغر شيء من الاهتمام. ذكّرته بالمذكرة التي رفعناها اليه عام 1969 التي لم يردّ عليها، فهزّ كتفيه من دون مبالاة، وتحدثت بالتفصيل عن سوء الاوضاع في الجزيرة مؤكداً اننا لسنا مجرمين بل سجناء سياسيون ونتوقع ان نعامل كذلك. لكن كروغر هزأ بكل ذلك قال: دعك من هذا كله! كلكم شيوعيون وارهابيون.
عرجت في الحديث بعد ذلك على تاريخ حزب المؤتمر الوطني الافريقي والاسباب التي دفعت بنا الى استعمال العنف. كان من الواضح انه يكاد لا يعرف عن الحزب شيئاً يذكر، وان القليل الذي يعرفه عن مصدره الدعاية الت تبثها صحافة اليمين. وصعق كروغر عندما قلت ان المؤتمر الوطني الافريقي منظمة اقدم من الحزب الوطني الحاكم. واشرت عليه بأن يقرأ ميثاب الحرية ان كان فعلاً يؤمن بأننا شيوعيون. فنظر اليّ مشدوهاً لانه لم يسمع قط عن ميثاق الحرية. اندهشت اشد الاندهاش لمدى الجهل الذي يمكن ان يصل اليه وزير في الحكومة. وكان ينبغي الا اندهش لأن رجال الحزب الوطني معروفون برفض كل ما يعجزون عن فهمه.
أثرت موضوع اطلاق سراحنا وذكرته بقضية المتمردين الافريكان عام 1914 الذين لجأوا الى العنف على رغم وجود ممثلين لهم في البرلمان وقدرتهم على عقد الاجتماعات والتصويت في الانتخابات. فقد اطلق سراح الجنرال دو فيت والجنرال كيمب بعد ادانتهما بالخيانة العظمى على رغم قيادتهما قوات من 12 ألف جندي اجتاحت المدن والقرى وكانت سبباً في موت اعداد لا تحظى من الناس. وذكرته بقضية روبي ليبرانت الذي أسس منظمة سرية إبان الحرب العالمية الثانية مناهضة لوقوف جنوب افريقيا الى جانب الحلفاء وحكم عليه بالسجن مدى الحياة ثم صدر العفو عنه بعد ذلك بميثاق الحرية. فكيف يمكن التفاوض مع من لا يشاركك الاطار نفسه من الفكر والمعلومات؟
نحى كروغر كل ما قلت جانباً وقال: ذلك كله تاريخ عفا عليه الزمن.
جاء كرغر وفي جعبته عرض محدد، على رغم اشتهاره بالتسرّع والفظاظة قدم مقترحه بأدب واحترام قائلاً بكل بساطة ان مدة سجني يمكن ان تختصر بشكل كبير لو اعترفت بشرعية حكومة ترانسكاي وابديت استعداداً للاقامة هناك.
أنصتُّ بأدب انا كذلك حتى أنهى كلامه، ثم قلت انني اولاً ارفض سياسة نظام البانتوستان رفضاً قاطعاً، ولن اساندها بأي شكل من الاشكال. وثانياً انني من جوهانسبورع والى جوهانسبورغ وحدها سوف اعود. جادلني كروغر في الامر طويلاً لكن من دون جدوى. عاد بعد شهر بالمقترح نفسه فرفضت بدوري قبوله مرة اخرى. انه عرض لا يقبله الا خارج او مرتد.
* * *
عشت سنتين بعد عام 1976 في عالم من الاحلام والذكريات، ولا أدري ان كان ذلك نتيجة للتطورات الهائلة داخل السجن التي اعقبت انتفاضة سويتو أم للهزات التي شهدتها اسرتي خارجه. وفي السجن يجد المرء الفرصة لاستعراض الماضي فتصبح الذاكرة خليلاً وعدواً في آن واحد. عادت بي الذاكرة الى لحظات ذقت فيها قمة السعادة وعميق الحزن. توالت الاحلام فبت اقضي ليالي بكاملها أعيش ساعات النشوة ولحظات الكآبة التي مرت بي في ماضي حياتي.
كان يراودني كابوس بعينه، رأيتني فيه وقد أطلق سراحي ولكن من سجن في جوهانسبيرغ وليس جزيرة روين. اجتزت البوابة الى الشارع فلم أجد احداً في انتظاري. لم يكن في المدينة انسان واحد ولا سيارة ولا سيارة أجرة. انطلقت ماشياً في اتجاه سويتو، ومشيت ساعات طويلة قبل ان أصل الى اورلاندو ويست، وهناك انعطف بي الطريق نحو رقم 8115. أخيراً يقابلني بيتي لكنه خال كأنه بيت اشباح. كل الابواب والنوافذ مفتوحة ولا حياة لمن تنادي.
لم تكن كل احلامي كئيبة كالحة كهذا الحلم. ففي عام 1976 كتبت لويني عن حلم اكثر بهجة وسعادة، فقلت: "رأيت ليلة 24 شباط فبراير في المنام انني وصلت الى رقم 8115 فوجدت البيت مليئاً بالشبان يرقصون رقصات تقليدية وحديثة. فوجئوا بوصولي فحياني بعضهم بحرارة بينما اختفى بعضهم الآخر خجلاً. وجدت غرفة النوم تغص بأفراد عائلتي وأصدقائي المقربين، وكنت انت مستلقية على السرير وظهر ماكغاتو ابني شاباً نضراً نائماً بالقرب من الجدار المقابل.
ربما تذكرت في ذلك الحلم اسبوعين في شهر ديسمبر عام 1956 وكان ماكغاتو في السادسة من عمره عندما تركت ماخولو أم زوجتي الاولى ايفيلين في البيت بمفردها. كان ماكغاتو يقيم مع أمه في اورلاندو إيست لكنه قبل رجوعي بأيام ذهب الى ماخولو وكان ينام في سريري. كان يشعر بحنين قوي نحوي خفف منه نومه في سريري.
بينما كنت أسعد بتذكر اللحظات المفرحة كنت أتحسر للألم الذي عاشت فيه اسرتي بسبب غيابي الطويل عنها. كتبت في رسالة عام 1976 الآتي:
استيقظت من نومي صباح 25 شباط فبراير وكلي شوق اليك والى الاطفال كالعادة. كثيراً ما افكر فيك هذه الايام كأخت وأم وصديق وراع. إنك لا تتصورين الى أي مدى ترتسم صورتك في ذهني مادياً وروحياً. انني اذكر كلماتك الحلوة كل يوم وغضك الطرف عن تصرفاتي الحمقاء التي كانت كفيلة بأن تنفر امرأة غيرك. أذكر ذلك اليوم وأنت حامل بزيندزي تحاولين بصعوبة قص اظافرك. أذكر تلك المواقف واللحظات بخجل وإحساس بالإثم لأنه كان ينبغي عليّ ان أعينك وأقص اظافرك. لست أدري إن كنت أعي ذلك ولكن لسان حالي كان يقول: لقد قمت بواجبي، هناك طفل آخر في الطريق، وما تواجهينه انت في صعوبات بسبب الحمل فهو شأنك الخاص لا علاقة لي به. عزائي الوحيد هو علمي بأنني كنت مشغولاً بدرجة لم أجد فيها وقتاً حتى للتفكير. ولكنني أسأل نفسي: كيف يا ترى ستكون الامور عندما أعود الى بيتي؟
صورتك الجميلة تطل عليّ من الجانب الايسر وأنا اكتب هذه الكلمات. أنفض عنها الغبار كل صباح واحتضنها كما كنت احتضنك اذ كنا معاً. انه شعور لذيذ. ها هو انفي يلامس انفك كي استشعر تلك الهزات الكهربائية التي كانت تسري في دمي كلما فعلت ذلك. اما نوليتا فهي قبالتي على المنضدة، فكيف للحزن ان يتملكني أو ينال الوهن مني وأنا بين هاتين الحسناوتين ترعاني اعينهما صباح مساء.
نوليتا هي الانسان الوحيد من خارج الاسرة الذي احتفظت بصورته في السجن. كشفت عن هويتها لزيندزي في رسالة كتبتها عام 1976، فقلت:
هل يا ترى حدثتك امك عن رفيقتي الاخرى في الزنزانة نوليتا من جزر اندامان؟ صورتها انضمت الى صوتك وصور زيني ونديندي وناندي وماندلا وثلاثتهم احفادي وماكي وصورة امك. انها الموضوع الوحيد الذي تختصر امك الكلام عنه، لأنها تغار منها وتعتبرها منافسة لها ولا تصدق انني حصلت على صورتها من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك".
فكرت طويلاً في اليوم الذي سوف اخرج فيه من السجن، واستغرقت في الخيال اتصور كل عمل وكل حركة سأقوم بها. كانت تلك من أمتع احلام يقظتي التي سجلتها على الورق في عام 1967:
وددت لو اخذتك معي في رحلة طويلة طويلة يوم 12 حزيران يونيو 1958 وأتمنى هذه المرة ان نكون بمفردنا. لقد طال فراقي عنك مدة طويلة وأول شيء أقدم عليه عند عودتي هو ان آخذك بعيداً عن ذلك الجو الخانق وننطلق وحدنا تستنشقين الهواء النقي الطلق وتستمتعين بمناظر جنوب افريقيا الطبيعية الخلابة وعشبها الاخضر وشجرها وأزهارها البرية ذات الالوان المتعددة وانهارها المتلألئة وحيواناتها البرية التي ترعى حرة في الحقول والمروج. نتحدث الى الناس البسطاء على قارعة الطريق. اول محطة سوف تكون المثوى الاخير للأم راديبي وسي كيه وهما والدا ويني، وارجو ان يكونا مدفونين جنباً الى جنب، كي نزورهما وندعو لهما بالخير اذ كانا السبب في ما انعم به اليوم من سعادة وحرية. وهناك سأقص عليك كل القصص والحكايات التي طالما وددت ان اقصها عليك. وهناك ستستمعين وسوف ألزم نفسي بالحديث عن امور حلوة وقورة بناءة. ومن هناك ننطلق الى مفاكانيسوا ونوسكيني أبي وأمي حيث نعيد الكرة. بعد ذلك سنكون مفعمين بالانتعاش والقوة كي نعود الى رقم 8115.
عندما سمحت لنا الادارة باستلام صور أفراد العائلة ارسلت لي ويني ألبوماً للصور جمعت فيه بكل عناية صورها وصور الابناء والاحفاد. اصبح الألبوم من أعز ما أملك أعود اليه كلما زاد حنيني لأولئك الذين احببتهم الحب كله.
ولكن في السجن كل ميزة يصحبها ألم، اذ كلما فتش الحراس زنزانتي سحبوا الصور. واخيراً امتنعوا عن ذلك السلوك فجمعت الصور وصار الألبوم منتفخاً بصور جميع افراد العائلة. لا أذكر أول من استعار ذلك الألبوم من السجناء، ولكن الجميع علموا أنني احتفظ بألبوم صور لعائلتي فأصبح تحفة تتناول بين السجناء حتى في القسم العام.
نادراً ما كان السجناء يستقبلون الزوار أو يتسلمون الرسائل ولم أكن لأبخل عليهم بفرصة يشاهدون فيها صوراً من العالم خارج السجن. ولكن ما هي الا فترة قصيرة حتى اصبح الالبوم مزقاً واختفى بعض الصور التي لا تعوض. فالرجال كانوا في امس الحاجة لأشياء ذات طبيعة شخصية تزين غرفهم الكئيبة ولم يكن بوسع احدهم ان يتمالك نفسه عن الاحتفاظ باحدى تلك الصور. فلما اختفى بعض صور بدأت في جمعها من جديد.
كان بعض السجناء يطلب مني صورة واحدة بدلاً من الألبوم كله. وجاء يوماً أحد شباب حركة الوعي بالهوية السوداء، وكان ممن يقدمون لنا الطعام من نزلاء القسم العام، فأخذني جانباً وقال: ماديبا، انني أريد صورة من الصور إياها!
فوعدته بأن ارسل اليه صورة، فقال بلهف: متى؟
فقلت في نهاية الاسبوع فبدا راضياً وانصرف، ولكنه توقف فجأة ثم عاد يقول:
- اسمع يا ماديبا. لا أريد صورة العجوز. أريد صورة احدى الفتاتين: زيندزي أو زيني. تذكر جيداً، لا ترسل لي صورة العجوز!
* * *
في آذار مارس 1982 اخبرتني ادارة السجن بأن زوجتي اصيبت في حادث سيارة وأخذت الى المستشفى. لم تتوافر معلوات كافية عن حالها ولا عن ملابسات الحادث. اتهمت الادارة بحجب المعلومات عني وباستخدامها المعلومات سلاحاً ضدي، وتقدمت بطلب مستعجل لمقابلة المحامي. كنت قلقاً على صحة ويني حتى زارني محاميّ وصديقي دولله عمر يوم 31 مارس وطمأنني على صحتها.
كانت الزيارة قصيرة لكنني ظللت قلقاً على ويني وانتابني شعور بالعجز لعدم قدرتي على ان اكون بجانبها أقوم على رعايتها.
بعد وصولي الى الزنزانة بقليل زارني، على غير المعتاد، آمر السجن وبرفقته عدد من المسؤولين. لم يكن آمر السجن يزور السجناء في زنزاناتهم. وقفت عند وصولهم ودخل الآمر الزنزانة فعلاً، وكادت تضيق بنا، وخاطبني قائلاً: أريدك يا مانديلا ان تحزم امتعتك. سألته عن السبب فأجاب ببساطة: قررنا نقلك. وعدت اسأل: الى أين؟ قال: لست مخولاً ان أخبرك بذلك.
ألححت في الطلب فقال انه تلقى تعليمات من بريتوريا بنقلي الى خارج الجزيرة فوراً. انصرف آمر السجن واتجه الى زنزانات كل من ولتر سيسولو وريموند مهلابا واندرو ملانغيني ونقل لهم تعليمات مشابهة.
انزعجت وانتابني قلق وأنا أتساءل عن مغزى ذلك القرار وأخمن الى أين ستكون وجهتنا. وفي السجن يمكن للمرء ان يسأل ويعترض على التعليمات الى حد معين ثم لا خيار له بعدها إلا الاذعان. مرّ علي في الجزيرة اكثر من 18 عاماً ثم من دون سابق إنذار أو ترتيب اتلقى خبراً مفاجئاً بأنني سأنقل منها.
اعطينا صناديق كرتون كبيرة نضع فيها اشياءنا، وكانت بضعة صناديق كافية لحمل كل ما تجمع لديّ من ممتلكات على مدى تلك السنوات، وحزمت امتعتي في غضون نصف ساعة.
لم نتمكن من توديع بقية الزملاء الذين قضينا معهم سنوات طوالاً، وهذا جانب آخر من الجوانب المهينة للانسان في السجن. فعلاقات الود والصداقة بين السجناء لا تعني شيئاً بالنسبة لادارة السجن.
في غضون دقائق معدودة كنا على ظهر العبارة التي اقلتنا الى كيب تاون. ألقيت ببصري على الجزيرة وهي تتوارى خلفنا ولم أدر إن كنت سوف أعود اليها مرة اخرى. الانسان يتعود على كل شيء، وقد تعودت على الجزيرة. قضيت فيها ما يقرب من عقدين من الزمن، وعلى رغم انها لم تكن موطني - فموطني جوهانسبيرغ - صارت مكاناً وجدت فيه راحتي. التغيير بالنسبة اليّ أمر صعب، وهكذا كان رحيلي عن الجزيرة على رغم ما اتسمت به الحياة فيها من كآبة في بعض الاحيان.
في المرفأ احاط بنا الحراس ونقلنا على الفور الى عربة شحن بلا نوافذ. وقفنا في العربة المظلمة على مدى رحلة استغرقت اكثر من ساعة. عبرنا عدة نقاط تفتيش ثم توقفت العربة وفتح بابها الخلفي فخرجنا الى مكان مظلم وصعدنا سلماً من الاسمنت ثم دخلنا باباً حديدياً الى منطقة أمن. سألت أحد الحراس أين نحن فقال:
- انتم في سجن بولسمور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.