تسمية "النمور الآسيوية" تنطبق على الدول المعنية بجدارة واستحقاق ليس بسبب نموها السريع وقدرتها على تحقيق المعجزات الاقتصادية وخوض غمار المنافسة الصناعية والمالية مع عمالقة العالم، بل تقديراً لقدرات شعوبها واخلاصهم ووطنيتهم وتفانيهم في العمل والتضحية في سبيل أوطانهم. هذا التقدم الهائل لم يرق "للعمالقة" ومافيات الاقتصاد العالمي فعرضت خطة خبيثة لتحطيم اقتصاديات الدول الآسيوية التي اطلق عليها لقب "النمور" بدأت في احداث انهيار في علاقتها الوطنية ثم المساهمة في المضاربة في أسواق المال لضرب اسعار اسهم الشركات الوطنية التي حققت شهرة واسعة في شتى انحاء العالم. وعندما تحققت هذه الأهداف عن طريق "العصا المافيوية الغليظة" جاء وقت تقديم "الجزرة المسمومة" والاغراءات المشبوهة أولاً بشراء اسهم الشركات بأسعار بخسة بهدف السيطرة عليها، وثانياً بتكبيل هذه الدول بقروض مجحفة ببلايين الدولارات من البنك الدولي وغيره لرهن مستقبلها لعشرات السنين القادمة. هذا الدرس الأخير لابد ان يكون عبرة لكل الدول والشعوب، الا ان الدرس الأهم تمثل في كيفية مواجهة هذه الشعوب للمحنة الناجمة عن المؤامرة الكبرى السوداء. فقد كظمت غيظها وتعالت فوق الجراح والتفتت الى العمل ومضاعفة الجهد والصبر على الضيم والتضحية بالكلمات في سبيل التعويض عما فات واعادة الوضع الى ما كان عليه. لقد قبلت الشعوب التحدي وردت عليه بكبرياء وصمود وتصميم، فلم نسمع ببكاء ولا عويل ولا شجب ولا تبادل اتهامات، ولم يخرج بعض السياسيين والانتهازيين على الملأ ليهاجم الحكومة ويحملها المسؤولية، ولم يتبارَ هؤلاء في الظهور على شاشة التلفزيون لنعي البلاد والقول انها انتهت بلا حاضر ولا مستقبل والايحاء بأن كل شيء في البلد خطأ وانه ليس هناك عنصر ايجابي واحد. لم يستغل احد هذه الازمة لبناء امجاد شخصية وكما نشهد في بعض البلدان العربية وبينها لبنان حيث يتبارى بعض الناس في الاساءة لوطنهم وتنفير المواطنين منه وتخريب مسيرة الاعمار والانماء وتهريب الرساميل الوطنية والأجنبية والاساءة للعملة الوطنية وضرب موسم السياحة والقطاعات الاقتصادية الفاعلة. لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، بل تغلبت المشاعر الوطنية والقومية على كل الخلافات والخرازات والحساسيات والمشاكل العرقية والاجتماعية ونعت مبدأ "الوطن فوق كل شيء"، بل العكس هو الذي حصل اذ ساءت اجواء التكافل والتضامن وصدرت دعوات من كل الاطراف لتوحيد الجهود لاعادة البناء. وكم كان مدعاة للاعجاب والاعتزاز ما أعلن في ماليزيا اخيراً عن عودة ابناء الشعب الماليزي لفلاحة الأرض وزراعة كل شبر واعادة تربية الاسماك والدواجن للمساهمة باخراج الاقتصاد من محنته والتعويض عن الاضرار التي لحقت بماليزيا نتيجة للازمة الاخيرة. لقد انتشرت المروج الخضراء في انحاء ماليزيا، ولم يوفر المواطنون حتى حدائقهم وممرات بيوتهم لزراعة خضروات لتحقيق الاكتفاء الذاتي وخفض فاتورة واردات ماليزيا من المنتجات الزراعية والحيوانية مع خطوات اخرى لشد الاحزمة والتقشف. ولا شك في ان ماليزيا ستستعيد مجدها مثلها مثل كوريا و"النمور الاسيوية" الاخرى لأن شعوبها تضحي وتعبر عن حبها لوطنها باسلوب رائع... اما في ديارنا فان من الحب ما قتل! خلجة من ابن الرومي: أعانقه والنفس بعد مشوقة اليه وهل بعد العناق تداني وألثم فاه،، كي تزول حرارتي فيشتد ما ألقى من الهيمان!