يدور منذ بعض الوقت جدل في الصف العراقي المعارض حول ايهما اكثر حسماً في حل الازمة العراقية: العامل الداخلي أم العامل الخارجي؟ وبينما ترجح قوى اساسية تملك جذورها في الداخل العامل الداخلي، فان طرفاً، أو أطرافاً اخرى، ضعيفة، أو عديمة، الجذور في الواقع العراقي، رغم انها لا تنفي اهمية العامل الداخلي، بل تؤكد، هي الاخرى، عليه، فانها تتصرف، عملياً بما يخالف ذلك، وتراهن على عامل خارجي، وحيد الطرف، وتحديداً، ذلك العامل، او تلك العوامل الخارجية، التي لها مصالحها الخاصة، وهي تتناقض، في المديات القريبة والبعيدة، مع مصالح الشعب العراقي، بتنوع تركيبته الاثنية والمذهبية والسياسية، ومع مصالح الشعوب العربية عموماً. هو، ذلك الطرف، او هي، تلك الاطراف، في الصف العراقي المعارض، التي لا ترى، الا ذلك العامل، وتغفل العوامل الخارجية الاخرى، وتحديداً الرأي العام ومنظماته، النقابات، الجمعيات، الكنائس، منظمات وتحالفات البيئة الخ... مما اصطلح على تسميته ب ال Grass Roots أو المنظمات القاعدية. ويبدو ان الجدل حول ايهما الاكثر حسماً، العامل الداخلي أم العامل الخارجي هو جدل بيزنطي. ذلك ان الامر لا يحسمه الجدل السياسي - الفكري في الغرف او اللقاءات المغلقة، بل حركة الواقع، جدل الواقع ذاته، وهو أكثر تعقيداً من أية صيغة مسبقة، حتى لو كانت، كمعادلة فكرية - سياسية، صحيحة، لكنها لا تخرج في الواقع عن نطاق التمنيات، ولا علاقة لها، فعلاً، بجدل الواقع وحركته. وحين يتناول الجدل، عموماً، العامل الداخلي، فعن اي عامل داخلي يدور الحديث، فالسلطة القائمة هي عامل داخلي، والبنى التقليدية؟ العشائر وغيرها، هي الاخرى، عامل او عوامل داخلية. والاحزاب القومية الكردية هي عامل داخلي، كذلك الجيش، والحركة القومية العربية بتياراتها المختلفة، والحزب الشيوعي العراقي والتيار اليساري - الديموقراطي على تنوعه، رؤية ومذاهب، قوة و/أو ضعفاً؟ والتيارات الدينية - السياسية. فعن أي من هذه العوامل الداخلية يدور الجدل، وأيهما هو الآن، أو سيكون، أو المطلوب منه ان يكون الاكثر حسماً؟ هنا ايضاً يبدو ان الحسم لن يقرره جدل الكلام، بل جدل الواقع، فأكثر العوامل صحة وأهمية ومشروعية بل وضرورة على صعيد الجدل الفكري - السياسي، قد لا يقدر لها ان تكون، فعلاً، وعلى صعيد حركة الواقع، ان تكون هي الحاسمة، أو الاكثر حسماً، رغم جاذبية افكارها ومشاريعها. ذلك ان الامر لا يقرره، في النهاية، جدل المشاريع في اروقة المجالس والمؤتمرات، ولا على اوراق الصحف والمجلات، بل جدل الواقع وحركته. ولو عدنا الى الجدل النظري حول ايهما العامل الاكثر حسماً في حل الازمة العراقية العامل الداخلي أم العامل الخارجي، وحاولنا قراءة الواقع العراقي، في ضوء جدل الواقع والتاريخ، لصعب علينا ان نضع حداً فاصلاً، أو ان نقيم سوراً صينياً بين العاملين. ولا أعود هنا الى التاريخ البعيد، الصراع بين الامبراطوريتين المكدونية من جهة، والاخمينية من الجهة الاخرى، ثم الصراع بين الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، ثم الصفوية والعثمانية، ثم بروز الكولونيالية الاوروبية وصراعاتها على المستعمرات ومناطق الثروة، ثم انقسام العالم الى معسكرين بدءاً من ثورة اكتوبر، وبشكل اوضح بعد الحرب العالمية الثانية، وصراعهما على مناطق النفوذ، لا أعود، فقط، الى كل تلك العوامل الخارجية - التي رغم انها اصبحت تاريخاً، الا انها ما تزال تلقي بثقلها، بل تستمر، باشكال مختلفة، وبأقنعة جديدة هل نحن بحاجة الى الاحالة الى ما يجري في كردستان وعلاقته بالصراع التاريخي بين القوى الاقليمية المجاورة، وخصوصاً ايران وتركيا، على بلاد ما بين النهرين، وتشابك ما هو محلي - عشائري - قومي - سياسي بما هو اقليمي ودولي؟ بل لعلي احيل الى نشوء الدولة العراقية الحديثة والتركيب الاثني - المذهبي - العشائري - السياسي لهذه الدولة التي يتشابك ويتجادل ويتقاطع الداخل والخارج، التاريخ وثقل موروثه وتجلياته المعاصرة والواقع وحركته، وتحدياته، بشكل معقد باهر حيناً، مأسوي فاجع اكثر الاحيان. فلكل من هذه العوامل الداخلية، الاثنية - المذهبية - العشائرية، السياسية، امتداداته الاقليمية وتشابكاته الدولية، ولكل من العوامل الاقليمية والدولية امتداداته وتشابكاته واحياناً تعبيراته وتحالفاته، الثابت منها والمتحرك، مع العوامل الداخلية. ويمكن للمرء ان يفيض الى ما لا نهاية في تعداد الامثلة على تشابك الداخل والخارج على ارض الواقع العراقي والآثار التي تركها وما يزال يمكن ان يتركها على اتجاهات حركته، تقدماً ورجعة، تماسكاً ووحدة أم تمزقاً وانقساماً. ولعل هذا ما ادركه القادة الذين يتمتعون بحس رجال الدولة سواء في صفوف الفئات الحاكمة أم في صفوف خصومها، ادركوا حراجة التركيبة الداخلية - ان لم نقل هشاشتها، وحساسيتها الفائقة ازاء عوامل الضغط الخارجي، فحاولوا، كل من موقعه، الفكري - السياسي - الاجتماعي تحييد او التقليل من تأثير عوامل الجذب الخارجية التي تلعب في الداخل دور عوامل تفكيك، وتقوية عوامل القوة والجذب الداخلية. وهل يمكن لنا ان نغفل وعي الملك فيصل الاول، هذا الامير الحجازي، بهذا الواقع وسعيه الى المناورة بين ضغوط القوى الخارجية والقوى التقليدية والمجتمع المدني الناشئ الصاعد، من أجل بناء الدولة الحديثة، ضمن فهمه المحدد بمصالح الاسرة المالكة والبنى التقليدية وتوازن القوى على الصعيدين الاقليمي والدولي؟ ومع ذلك فقد حاول الملك فيصل من الجهة الاخرى اضعاف البنى التقليدية، وخلخلتها، عن طريق تطمين مصالحها من ناحية، واجتذابها الى مؤسسات الدولة الحديثة، وخصوصاً آلة القمع، الجيش والشرطة، من الناحية الثانية. لكن صعود المجتمع المدني بكل تجلياته الاجتماعية والسياسية، ادخل الدولة العراقية الحديثة في صراع مع القوى الصاعدة، فازداد اعتمادها على القوى التقليدية، وآلة القمع من جهة، ورضوخها لقوى الضغط الخارجية، الكولونيالية من الجهة الاخرى، الا انه بينما كان يضعف دور الدولة العراقية الحديثة كعامل توحيد للمجتمع ولتقدمه، فان المجتمع المدني، بتجلياته الاجتماعية - السياسية، خصوصاً التيار الديموقراطي وفي القلب منه اليسار، على قصوره واخطائه، كان يبرز كعامل توحيد للمجتمع، بما يطرحه من مشروع مستقبلي مفتوح على احتمالات التغيير. ليس ثمة متسع من الوقت للحديث، بشكل تفصيلي، عن التغييرات التي حدثت منذ ثورة تموز يوليو حتى الآن، لكن هذه التغييرات تتسم، على اختلاف القوى التي تعاقبت على استلام السلطة منذ ذلك الوقت بتعميق تهميش ليس المجتمع المدني فقط، وتجلياته الاجتما - سية، بل حتى البنى التقليدية، وزيادة الاعتماد على آلة القمع، كاداة اساسية، بل وحيدة، لتوحيد المجتمع ولتقدمه، بالعنف الدموي اكثر الاحيان، بحيث وصل الامر في ظل الحكم القائم، الى نفي المجتمع المدني، باسره تقريباً، خارج العراق. وبحيث وصل الامر حد ان الدولة العراقية بتجلياتها القائمة، لم تفقد فقط دورها كعامل توحيد للمجتمع، بل تحولت الى عامل تفكيك ناشط، فيما اضعفت الى حد بالغ قوى المجتمع المدني وتعبيراتها السياسية والاجتماعية، هذه التي لعبت في ادوار سابقة من التاريخ الحديث والمعاصر للعراق، دوراً فائق الاهمية في المحافظة على تماسكه. وبذلك يكون الحكم القائم باعتماده العنف وادواته كوسيلة وحيدة لتوحيد المجتمع، وتهميشه ونفيه للقوى الحديثة، وحتى للبنى التقليدية، قد قوض اسس الدولة العراقية الحديثة، وفتح الباب على مصراعيه لأن تلعب قوى التفكيك، الداخلية والخارجية، دوراً ناشطاً في تقويض المجتمع والدولة، ما لم تنهض قوى التوحيد من جديد، او ما لم تنهض قوة توحيد جديدة، وهو أمر يبدو، برغم كل التمنيات، فائق الصعوبة في الظروف الراهنة. ذلك ان ايقاع قوى التوحيد - التجديد، ما يزال ابطأ، واضعف بما لا يقاس من ايقاع قوى التفكيك الداخلية والخارجية. وهذا ما يسمح للعامل الخارجي وهو ليس في كل الاحوال، انشائياً، توحيدياً، ان يلعب دوراً متزايد الاهمية في حل الازمة العراقية الشاملة، وما يتخللها من أزمات متعاقبة. وكما جرى التساؤل عن اي عامل داخلي يجري الحديث، يمكن هنا، ومرة اخرى، التساؤل عن أي عامل خارجي يدور الحديث؟ ليس هدف هذه الاوراق تقديم قراءة شاملة، معمقة للأزمة العراقية ككل، فتلك مهمة اكبر من ان تستوعبها بضعة اوراق، او ندوة سريعة واحدة، وهي ايضاً، لا تهدف الى تحليل الأزمة الاخيرة، وهي ما تزال قائمة، فهي، اي هذه الازمة، ليست الا احدى مظاهر الازمة العراقية الشاملة، ولم يكن يمكن ان تنتهي الا الى ما انتهت اليه. فهدف صدام حسين، منذ انتهاء حرب الخليج الثانية، كان، وما يزال، هو اعادة العلاقات مع الادارة الاميركية، عن طريق الحركات الاستعراضية، ثم تقديم التنازلات، فالمزيد من التنازلات... كذلك الطفل المشاكس، احياناً، الذي يريد ان يلفت اليه نظر امه، بالبكاء والصراخ، وهو لا يهدف، في النهاية، الا الى الارتماء في احضانها. هدف صدام حسين، اذن، هو البقاء في السلطة اطول فترة ممكنة عن طريق الاندماج مجدداً، في الاستراتيجية الاميركية الكونية الشاملة. وتكمن خلف كل هذه الحركات الاستعراضية، بكل ما فيها من شد وجذب، ونزعات مغامرة، يدفع الشعب العراقي ثمنها في كل الاحوال، رؤية معينة للواقع الدولي، سادت خصوصاً بعد انهيار ما كان يسمى ب "المعسكر الاشتراكي". تتلخص هذه الرؤية، في انه، الآن، وقد انهار القطب الدولي الآخر، وساد نظام القطبية الواحدة، فانه لم يعد في الامكان سوى الاندراج في الستراتيجية الكونية الشاملة، تعيد، كما الله، خلق العالم في ستة ايام، وفي اليوم السابع تستريح. واللافت ان صدام حسين لا ينفرد بهذه الرؤية، بل تشاركه فيها - ويا للغرابة - اجنحة معنية في المعارضة العراقية. بل ان هذه الرؤية، سادت، او كادت تسود الصف العراقي كله، او اكثره، بعد انهيار "المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفياتي العظيم"! بحيث بدا الامر وكأنه سباق بين صدام حسين وبين بعض معارضيه، حول ايهما يكون اكثر خطوة لدى الادارة الاميركية، واي قدر من التنازلات ينبغي تقديمه لها ولحلفائها، على حساب المصالح القريبة والبعيدة للشعب العراقي، والمصالح المشتركة للشعوب العربية. ولا اكتم انني خالفت هذه الرؤية منذ البداية، ففي مؤتمر صحافي عقد في مقر الاتحاد العربي - الكندي منظمة - مظلة تجمع اكثر المنظمات العربية في كندا بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، وحضره لفيف من الناشطين العرب، وكان الاتحاد السوفياتي ذاته يسير على طريق الانهيار، اكدت ان الواقع الدولي الجديد، يتطلب نشاطاً اكبر، بل نشاطاً استثنائياً، من الحركات الجماهيرية والمنظمات غير الحكومية، لسد الفراغ الناشئ عن انهيار "المعسكر الاشتراكي" ولمقاومة مخططات الادارة الاميركية لفرض الهيمنة الشاملة على شؤون العالم، بما في ذلك شؤون حلفائها الاقربين، وذلك لمصلحة الشركات الاميركية الكبرى. ومع ذلك ساد الوهم - وما يزال يسود في بعض الدوائر - حول الدور "التقدمي" - على صعيد التاريخ - الذي يمكن أن تلعبه الامبريالية الأميركية. وبرز منظرون كانوا، الى فترة قريبة، ينظرون لعالم السلام والديموقراطية والرخاء "بقيادة الاتحاد السوفياتي العظيم" ينظرون لعالم السلام والديموقراطية وسيادة القانون والرخاء في ظل النظام العالمي الجديد بقيادة الولاياتالمتحدة العظمى. وغني عن القول ان الوقائع سرعان ما دحضت - وبسرعة قياسية، هذه الأوهام، حتى داخل بلدان الديموقراطية الغربية الأكثر تقدماً. فها نحن نشهد، كيف تتم اعادة هيكلة الاقتصاد والسياسة، بل المجتمع باسره، لمصلحة الشركات الكبرى، والأميركية خصوصاً، وكيف يتم الهجوم على المكاسب الاجتماعية والسياسية لأكثرية السكان. فالحد الأدنى للاجور وال 8 ساعات عمل وضمانات البطالة، والضمانات الاجتماعية والصحية الأخرى، يجرى انتهاكها بفظاظة. ويتم بين الآونة والأخرى اكتشاف مجمعات عمل سريعة يجري تشغيل العمال فيها المهاجرين حديثاً أو الذين يتم تهريبهم لمدة 16 ساعة واحياناً 18 ساعة، وبأقل من دولار للساعة الواحدة. بل ان العمل الاضافي المجاني بات يطال حتى فنيي ومدراء بعض الشركات والمشاريع. هذا هو النظام العالمي الجديد، نظام السخرة والعبودية القديم - الجديد حيث يتم فيه تهميش كتل اجتماعية كبرى وسحقها في بلدان الديموقراطية الغربية الأكثر تقدماً، ويتم فيه تهميش شعوب وبلدان بأكملها ودفعها خارج الحضارة وخارج التاريخ... ولا يقدم ما يجري في العراق، بذريعة الحصار، سوى نموذج آخر، ربما الأكثر وحشية، لسياسات النظام الدولي الجديد، بقيادة المصالح الأميركية الكبرى، يساعد على ذلك حماقات حاكم دموي وجنون العظمة لديه. *** واذا كنت قد خرجت عن الموضوع الأصلي، موضوع العراق، لاقدم قراءة خاطفة للوضع الدولي، فذلك للعودة الى الموضوع العراقي فعنوان هذه الأوراق ما يزال جدل الداخل والخارج في الواقع العراقي. فالعامل الخارجي يلعب، إذن، دوراً متزايد الأهمية في الشأن العراقي، وذلك، من ناحية بسبب نجاح النظام في كسر ظهر المعارضة، خصوصاً القوى الفاعلة منها ، في المدن والمؤسسات الكبرى، وبسبب هجرة عدد كبير من النشطاء من مختلف التيارات السياسية، نتيجة لسياسة البطش الدموية، أو الاستنزاف الاقتصادي بحيث بات لدينا في المنفى أحزاب كاملة، بقياداتها وقواعدها، وجماهير كاملة، بل شعب كامل، هذا من ناحية ثانية، وبسبب انقسام المعارضة العراقية وخلافاتها الناشئة، أساساً، عن فقدان مركز الجذب ذي الثقل الداخلي الواضح، من ناحية ثالثة. يحاول البعض في الصف العراقي المعارض التعويض عن هذا النقص ومن منطلق رؤية معنية، خاطئة للعامل الخارجي، وربما من منطلق الانسجام في المصالح الطبقية والرؤية الايديولوجية - السياسية - ولعل هذا هو الأصح، بتشديد الارتباط بمصالح ومخططات الادارة الاميركية وحلفائها. فهكذا، عندما زار أحد أقطاب المؤتمر الوطني العراقي الموحد أوتاوا - عاصمة كندا، عني باللقاء بوزارة الخارجية هناك - ربما لاقناعها بتجديد الحصار ضد الشعب العراقي - ولم نسمع في كندا بزيارته الا بعد عودته، ونشر خبر الزيارة في صحيفة "المؤتمر" ومع ان ثمة في كندا جالية عراقية يتزايد عددها، وثمة أيضاً "منظمات" وأحزاب وحركات اجتماعية ونقابية كندية معنية، بهذا القدر أو ذاك، بالشأن العراقي. العامل الخارجي - الكندي هنا تحديداً - كان بالنسبة للسيد المذكور - غير المذكور بالأحرى! - كان هذا الموظف أو ذاك في وزارة الخارجية في اوتاوا... أما احد كتاب صحيفة "المؤتمر" فكلف الصحيفة الناطقة بلسان المؤتمر الوطني الموحد توقفت حديثاً عن الصدور فكان يتباهى في واحدة من الأزمات - وما أكثرها، بين الادارة الاميركية والنظام العراقي، بالتحشدات والصواريخ الاميركية نتج عن سقوط احدها على واحد من أحياء بغداد مقتل الفنانة ليلى العطار وهي جارة أعرفها منذ كانت طفلة هذا الكاتب كان يستحث الادارة الاميركية على ضرب الاحياء الآهلة بالسكان بالصواريخ، وكان يتباهى، من دون خجل، بالقوة النيرانية الضاربة للبوارج الاميركية. يبدو ان ما تعانيه بعض فصائل المعارضة العراقية هو ليس المبالغة في تقدير العامل الخارجي، بل الخطأ في قراءته، ويتطلب الأمر اعادة قراءة للعامل الخارجي، في ضوء التجارب القديمة والحديثة لشعبنا وللشعوب الاخرى. ذلك انه يمكن تحويل بعض عوامل الضعف الداخلية - خصوصاً تفريغ العراق من نشطائه السياسيين وانتشارهم وشعب كامل - نعم، شعب كامل فالحديث يدور هنا عن 3 ملايين عراقي منتشرين في أرجاء المعمودة، هذا عدا الذين ابتلعتهم البحار وما تزال - يمكن تحويل هذا العامل الداخلي السلبي، الى عامل خارجي فاعل، شرط اعادة قراءة الواقع الدولي وتحديد من هم اعداء الشعب العراقي ومن هم اصدقاؤه، وعقد التحالفات مع هؤلاء الاصدقاء وخوض نشاطات تضامنية معهم. وهذا ممكن كما دلت على ذلك تجربة "حركة التضامن مع الشعب العراقي" في كندا، وهي تجربة ما تزال في بدايتها، إلا انها استطاعت ان تجتذب اليها، في وقت قصر كتّاب بارزين مثل مرغريت اتوود، واكاديميين وعلماء مرموقين مثل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لاجون بولدفيي ورجال دين وبرلمانيين وقادة حركات نقابية كبرى، مثل رئيس نقابة عمال السيارات ورئيس نقابة عمال الصلب ورئيس اتحاد العمال في كندا، هذا فضلاً عن عشرات المنظمات والتحالفات الاجتماعية والمطلبية والاثنية، كل ذلك في وقت قياسي لا يتجاوز الشهرين. هذا مع ان الناشطين في الحملة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، ولم ينخرط فيها بعد كل نشطاء الجالية. فلنتصور كيف يمكن ان يكون عليه الأمر لو انزج في حملة التضامن مع الشعب العراقي سائر نشطاء الجالية أو أكثرهم، فكيف اذا انزجت الجالية العراقية، أو اكثرها، في الحملة؟ وكيف اذا تعممت هذه التجربة على سائر بلدان المنافي؟ فلنحول وجودنا في بلدان المنافي الى عامل ايجابي، ولنتحالف مع اصدقائنا في هذه البلدان، وبهذا يتحقق جدل فاعل حي بين الداخل والخارج يعزز نضال شعبنا من أجل رفع الحصار، ومن أجل وقف كافة اشكال التدخل الاجنبي المعادية لمصالح الشعب العراقي والمحافظة على استقلال العراق وسيادة شعبه على أرضه، ومن أجل ضمان حق الشعب العراقي في إزاحة النظام الهمجي الحالي والعيش في ظل نظام حكم ديموقراطي يحترم حقوق الشعب وحرياته الاساسية.