أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قلقه من محاولات إعادة أجواء «خنادق الحرب الاهلية وسيطرة العصابات ونفوذ المليشيات»، معتبراً ان «خطوات دحر المليشيات والجماعات الارهابية تحولت الى ثقافة عامة وتيار شعبي». وكشف المالكي في حوار شامل مع «الحياة»، ان القوى الامنية العراقية تلقت إنذاراً استخبارياً عن استهداف متطوعين الى الجيش في مقر وزارة الدفاع القديمة في بغداد أخيراً لكنها «لم تضمن عدم حصول الحادث» الذي قتل وجرح العشرات. وفي اشارة الى المعلومات عن تلقيه دعماً اميركياً وإيرانياً لتجديد ولايته اعتبر المالكي انه «اذا حصل أن اتفقت رؤية دولتين متخاصمتين حول الوضع في العراق، فهذا يعتبر نقطة ايجابية»، معترفاً بوجود خلل في علاقات العراق الخارجية «سببه تعدد اصوات الدولة والحكومة وتضاربها». وقال المالكي الذي يسعى للاحتفاظ بمنصبه، ان السياسيين يحمّلونه مسؤولية أي خلل بقصد إلحاق الاذى به سياسياً، وأكد انه سيسلم الحكومة لمن يأتي عبر مخرج دستوري، وأن شعار «من اين لك هذا؟» سيكون سمة المرحلة المقبلة. هنا نص الحوار: نبدأ من الامن الذي يشكل اليوم مصدر قلق بعد انهاء المهمات القتالية للقوات الاميركية. هل لديكم معيار دقيق لقياس استعداد القوى الامنية؟ - معياري هو الحفاظ على الامن والاستقرار الداخلي ومنع حصول عمليات تمرد او عزل مناطق معينة كما كان في الاعوام السابقة حيث كانت «القاعدة» او غيرها تختطف مدناً بكاملها وتعيث فيها فساداً من دون ان يستطيع احد حتى القوات العسكرية دخولها. لقد انتهت هذه الفترة ولم يعد هناك شبر واحد في العراق خارج سيطرة الحكومة والسلطات الشرعية. اما ما يتعلق بتأمين حدودنا فعلى رغم التقدم الكبير الذي حدث على صعيد تطوير الجيش وقوات الحدود بالمعدّات والتجهيزات اللازمة، لا نزال نحتاج الى المزيد، لا سيما على صعيد القوة الجوية والبحرية لكي نضاهي ما عليه دول الجوار، لا بد من ان نتحمل مسؤولية الدفاع عن بلدنا بأنفسنا وأعتقد ان خروج القوات الاميركية النهائي الذي سيتم في اواخر العام 2011، سيشكل حافزاً اضافياً لنا وللقوات الاميركية المتبقية لأغراض التدريب والدعم لكي نسرّع من وتائر العمل لنصل الى الحد المطلوب بأقصر فترة ممكنة. والمعيار الآخر عندي تطور مهنية الأجهزة الامنية وتنامي خبرتها ومسكها للشبكات الارهابية وخريطة الارهاب مع زيادة تماسكها الوطني ورفضها منطق الطائفية والميلشيات والعصابات. بعضهم يتحدث عن الاختراق بدلالة قراركم الأخير احالة ضباط الى المحاكمة على خلفية حادث المتطوعين الى الجيش؟ - لا تعني محاسبتنا بعض المسؤولين في المؤسسة انه اختراق بل قد يكون ضعفاً او عدم اهتمام او تباطؤاً في تنفيذ الاوامر وتفعيل المعلومة الامنية، والعقوبة غير متلازمة مع الاختراق. لكنّ هناك حديثاً عن ان وزارة الامن الوطني ابلغت عن هذا الحادث قبل وقوعه ومع ذلك لم يتم تداركه؟ - صحيح ان وزارة الامن ابلغت، والجهات العليا عملت على تلافي الحادث، ولكن التقصير حدث في ضمان عدم حصوله. توجد خروق في بعض المواقع والأفراد، لكن هذا لا يعني وصف المؤسسة العسكرية والامنية بأنها مخترقة، فمن كان إذاً وراء هذا التطور والتحسن الأمني الذي حدث طوال السنوات الماضية؟ لا نزال نعاني من نواقص وضعف وحتى بعض الاختراقات ربما في مؤسستنا العسكرية والامنية، وهذا أمر طبيعي في وضع العراق حيث تم بناء هذه الاجهزة على عجل وفي ظروف استثنائية يتداخل فيها الجانب المهني بالسياسي والطائفي والحزبي وغير ذلك. لكن بجهود المؤسسة وفي اطار حملة المصالحة ضيّقنا الخروق الى أدنى مستوى. تعرضون دائماً مقارنات بين العام 2006 والحال اليوم لإثبات التطور الامني، لكن واقع الحال يشير الى انه منذ العام 2008 تراجعت مستويات العنف، قبل ان ترتفع مجدداً، ما اسباب هذا الواقع؟ - هذا صحيح، فنحن لم ننته من «القاعدة» والمتعاونين معها بعد، والحرب مستمرة معهم حتى يتم القضاء عليهم وإبعاد خطرهم عن البلاد. لقد وجهنا لهم ضربات قاسية في الآونة الاخيرة ولا سيما خلال الفترة التي تلت الانتخابات حيث تم القضاء على ابو عمر البغدادي وأبو ايوب المصري وعدد كبير من رؤوس القاعدة المهمين وأصبحوا بحاجة الى ما يثبت وجودهم ويعيد بعض المعنويات الى فلولهم. لقد قاموا بعمليات إجرامية من خلال اختيار اهداف سهلة في الاسواق والشوارع والتجمعات. كما ساعدهم الجدل السياسي المحتدم بين الكتل وما يصاحبه من توتر في المجتمع والأجواء المختلفة، على القيام بأعمالهم الارهابية. والاهم من ذلك ان تكالب الاطراف الداخلية والخارجية في هذه الفترة بالذات للتأثير في المسار السياسي في البلاد، انعكس بدوره على الجانب الامني. ما أستطيع قوله على رغم كل ذلك اننا تخطينا مرحلة الانفلات الامني ولا عودة اليها، لكن التحديات لا تزال أمامنا كبيرة، وأنا اؤكد ان الإقرار بإمكانية حصول بعض عمليات الاختراق لا يعني تراجع او انهيار الوضع الامني، لا سيما انه قد يحصل حتى في دول اكثر استقراراً منا. ذكرت الميليشيات التي كنت حاربتها في السابق بقوة، هل لديك مخاوف من ان إقصاءك على المستوى السياسي يمكن ان يسمح بعودة الميليشيات واستئناف الحرب الاهلية؟ - لقد تحولت الخطوات التي قمنا بها خصوصاً في مجال دحر الميليشيات والجماعات الارهابية والخارجين على القانون وبسط سيطرة الدولة وفرض القانون، الى ثقافة عامة وتيار شعبي يصعب التحايل عليه او اقصاؤه. الزخم الشعبي الكبير الذي حظيت به قائمة دولة القانون سواء في انتخابات مجالس المحافظات ام الانتخابات الاخيرة، على رغم كل الملابسات، دل في شكل قاطع على تأييد جماهيري واسع لهذا التوجه الذي كان لنا دور فيه، وكانت الانتخابات بمثابة تصويت شعبي لمصلحة هذه الثوابت التي اعتمدناها في رفض الطائفية والميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة. لهذا لا نخشى عملية إقصاء، كما سميتها، لأن الاقصاء يكون للأشخاص لا للتيارات الشعبية المتنامية. ومع هذا لا نخفي قلقنا من محاولة البعض العمل عبر التشكيلة الحكومية المقبلة للعودة بالعراق الى المسارات السابقة وخنادق الحرب الاهلية والخروج على القانون وسيطرة العصابات ونفوذ الميليشيات، وهذا ما سنقف في وجهه ولن نسمح به بأي حال من الاحوال، وفي اي موقع يستلزم التصدي سنكون جاهزين لذلك. هل تعتقد ان خطر تقسيم العراق ما زال قائماً. هناك تحذيرات اميركية من نزاعات متوقعة بعد الانسحاب؟ - اعتقد اننا عبرنا هذه المرحلة، برهن العراقيون جميعاً عن تصميمهم على العيش المشترك ضمن عراق واحد. لا أحد يريد التقسيم الآن ولا خوف من اندلاع صراعات في المناطق المتنازع عليها. الدستور حدد اسلوب حل الخلافات، والجميع يطالب بتطبيقات دستورية وليس صفقات سرية كما يحلو للبعض اتهام الآخرين بها. تؤكد في احاديثك انك تسعى الى بناء جيش وقوى امنية مؤهلة، ما العوائق التي واجهتها في السابق وتتوقع ان يواجهها اي رئيس حكومة مقبل في هذا الشان؟ - لا يمكن تأمين استقلال البلاد وحمايتها من دون جيش قوي وقوات عسكرية بمستوى التحديات التي تواجهها البلاد، اؤكد دائماً اننا نريد جيشاً قوياً يستطيع حماية البلد وليس جيشاً للعدوان والتجاوز على الدول المجاورة. والشعب العراقي يدرك ذلك جيداً ويدعمه بشدة. لا نستطيع نكران المخاوف الداخلية والخارجية من بناء مثل هذه القوة، والمخاوف مرتبطة بتاريخ النظام السابق واستخدام الجيش في مهمات قمعية داخلية زج فيها الجيش والقوات العسكرية في مواجهات مع الناس وضد أبناء الشعب من اقصى البلاد الى اقصاها. المخاوف الخارجية مرتبطة ايضاً بسلوكه الهجومي والعدواني الذي درج عليه النظام السابق بمهاجمته ايران او غزو دولة الكويت او تهديداته لدول المنطقة كلها، ربما لا تزال ذاكرة دول المنطقة مثقلة بهذه الخلفية. في كل الاحوال نحن لا بد من ان نستمر في بناء قواتنا العسكرية من اجل تأمين المهمات الدفاعية وليس الهجومية. السلوك الدفاعي في الخارج والحامي والحارس للشعب في الداخل هو الكفيل بتبديد المخاوف وإزالة العراقيل كافة التي تحول دون بناء قواتنا. اعتقد اننا قطعنا شوطاً لا بأس به في هذا المجال ولكن ما زالت امامنا اشياء تتطلب المزيد من العمل. وما سنقوم به اضافة الى جيش بهذه المهمات هو اتجاهنا لحل كل مشاكلنا مع الجوار بالحوار والديبلوماسية والمصالح المشتركة والاعتراف المتبادل وضمان عدم التدخل، وهو ما سيطمئن اشقاءنا وأصدقاءنا في دول الجوار والعالم، ويكون مقدمة لازمة لإنهاء وجود العراق تحت الفصل السابع المنطلق من خلفيات تحديات امنية. كصحافي استمع الى تصريحات متضاربة لقادة امن في العراق حول تقويم الوضع الامني، هل تعاني شخصياً من هذا التضارب، كيف تفسره؟ وكيف تتعامل معه؟ - هو تضارب وعدم دقة إعلامية وليس انعكاساً لخلل في المؤسسة. فضاء الحرية يتحمل ان يصدر تصريح يختلف مع آخر، لكن ليس في المؤسسة العسكرية. هل تعتقد ان تسرب الانتحاريين من الخارج ما زال مستمراً بالوتيرة نفسها؟ - لم تعد عملية تسرب الارهابيين كما كانت عليه، لأن تطور الاوضاع وسلامة اتجاهها بعثا برسائل «تيئيس» للذين كانوا يتساهلون مع عملية التسلل. في الجانب السياسي يتم الحديث عن تلقيكم دعماً اميركياً وإيرانياً في آن معاً لتجديد ولايتكم. اذا صح هذا القول، فكيف يمكن ان يلتقي المتضادان؟ - أود ان اوضح في الاجابة عن هذا السؤال نقاطاً. نحن ندرك تماماً اهمية العلاقات الطيبة مع الدول كافة، لا سيما دول الجوار، ولذا فإننا سوف لن ندخر جهداً من اجل بناء افضل العلاقات مع محيطنا الاقليمي والدولي. ولكن من جانب آخر، نحن ندرك تماماً ان لا دولة من الدول يمكنها ان تكون بديلاً من العراقيين في تحمل مسؤولية اختيار قيادة بلادهم. ولو حاولت اي دولة القيام بهذا الدور فإنها ستخلق لنفسها ولنا المزيد من المتاعب. لقد بنينا عملنا السياسي منذ البداية على ضرورة ان يبقى قرارنا مستقلاً سواء في الحكومة او في قائمة دولة القانون، وهذا ما صار سمة ملازمة للقائمة في اثناء الحملة الانتخابية التي قدناها من الداخل ومن خلال مخاطبة الناخبين مباشرة وفي مختلف المحافظات او ما بعد الانتخابات، حتى انني فضّلت عدم تلبية اي دعوة لزيارة بعض الدول لكي لا نعطي هذا الانطباع. فإذا حصل أن اتفقت رؤية دولتين متخاصمتين حول الوضع في العراق فهذا يعتبر نقطة ايجابية، وأن هناك امكانية ان تلتقي الرؤى في ظل سياسة حكيمة حريصة على الاستقلالية والتعامل الايجابي. قيل انكم قدمتم تعهدات الى طهران في حال انتخابكم، ما صحة ذلك؟ - انا اعمل لعلاقات طيبة مع دول العالم كافة ومنها ايران ولكن ليس على اساس التعهدات وما شابه وإنما على اساس التكافؤ والمصالح المشتركة وعلاقات حسن الجوار وعدم التدخل بالشؤون الداخلية. وهذه الاقاويل جزء من الحرب والدعايات السياسية التي تتصاعد عادة في اجواء التفاوض. التسريبات تقول ايضاً ان اطرافاً داخل قائمتكم تتصل بقوائم اخرى في شأن اختيار بديل منك، هل تلقيت طلباً داخلياً للتراجع عن الترشيح؟ - هذه التسريبات جزء من محاولات إضعاف القائمة. الكل يعلم ان «دولة القانون» هي القائمة الاكثر تماسكاً لأسباب عدة، منها انها اكثر القوائم استقلالية في قرارها وعوامل الضغط عليها محدودة للغاية سواء محلياً ام خارجياً، اضافة الى انسجامها وتبنيها منهجاً وبرنامجاً واضحين. في ما يتعلق بطلبات من داخل القائمة، يبدو ان هذه التسريبات التي تحدثتم عنها تعمل في شكل معاكس تماماً اذ يزداد تمسك القائمة بمرشحها. لم يسبق لقائمة ان طلبت من قائمة اخرى تغيير مرشحها. من حقهم ألا ينتخبوا هذا المرشح او ذاك اذا كانوا لا يجدون فيه الكفاءة او لأي سبب آخر وهو بالتالي سيخسر المنافسة من دون الحاجة الى عمليات فرض ورفض وغير ذلك. ولعلمكم قبل يومين اكدت «دولة القانون» بالإجماع تمسكها بمرشحها. لكن جميع الاطراف العراقيين كما يبدو يراهنون على انشقاق خصومهم وتفتتهم... - بالنسبة الينا على اقل تقدير، لا نفكر بذلك لأن عملية الحوار والتفاوض وكذلك التوصل الى اتفاق مع كتل كبيرة موحدة تكون اسهل وأسرع من التفاوض مع كتل متفرقة صغيرة، ومن جانب كتلتنا ستظل رائدة في وحدتها وتماسكها. قلتم ان جميع الاطراف السياسيين مسؤولون عن حال الجمود السياسي وأنتم جزء من المسؤولية، ما هو نوع التنازلات التي تنتظرونها، وما هو التنازل الذي انتم مستعدون لتقديمه؟ - هناك مسؤولية مشتركة عن الجمود السياسي الذي نأمل الخروج منه في أسرع وقت، وعلى رغم تألمنا لهذا التأخر نعتقد انه امر طبيعي في مثل الحال التي نمر بها. فهناك جدار من عدم الثقة والمخاوف والرؤى المختلفة يلزم حلّها لكي نتوصل الى تشكيل حكومة مشاركة حقيقية. هناك قوى كانت الى وقت قريب تشكك في اصل العملية السياسية وتعتبرها مساراً خاطئاً بما فيها الانتخابات والمؤسسات والدستور. هناك قوى اخرى كانت الى وقت قريب تعتقد بضرورة الاحتكام الى السلاح وليس المفاوضات كأسلوب للحل، كما يوجد تضارب في الرؤى حول هيكيلة الدولة وإدارتها وطبيعة المؤسسات التي تقوم عليها. كل هذه المسائل اضافة الى التدخلات الخارجية تسهم في تعقيد الموضوع وتجعله يستغرق وقتاً اطول للوصول الى حل يرضي جميع الاطراف. وأنا اؤيد فكرة التفاهم والتوافق وأرفض منطق التنازلات والصفقات والمساومات، لأننا لا نملك هذا الحق للتصرف بإرادة من منحونا الثقة. لكن حال الشحن السياسي والإعلامي بدأت تكرس انطباعاً شعبياً بأن المشكلة هي تمسككم على المستوى الشخصي بالمنصب؟ هل تعتقد ان فترة ما بعد الانتخابات غيّرت قناعات الناس وأثرت في خياراتهم؟ - تستطيع القول ان هناك حملة إعلامية وشحناً سياسياً يصلان الى حد التحريض احياناً بأن رئيس الوزراء او المالكي هو السبب وراء تأخير تشكيل الحكومة. هذا بالتأكيد يحصل منذ ما قبل الانتخابات وحتى الآن. ولكن هل نجح ذلك في تحقيق هدفه؟ قد أختلف معك بدليل نتائج الانتخابات. اما مرحلة ما بعد الانتخابات، فإن استطلاعات الرأي تشير الى نتائج مغايرة. ربما جرى احياناً استغلال معاناة الناس او توجيه نقمتهم في وضع معين ضد الحكومة او ضد رئيسها بصورة او بأخرى، لكن هذه الامور لا تمثل عمق الرأي العام وتوجهاته الحقيقية. ولا بد من انكم سمعتم انني متمسك بتمثيل ارادة الناخب وحماية الدستور والاحتكام اليه، وقلتها مراراً من يستطيع ان يحقق الغالبية فسأبارك له وأمشي معه بلا حدود لإنجاح العملية. كيف تتصور الوضع في حال أُعيد اجراء الانتخابات، وكيف ترى موقعك شخصياً فيها؟ - لا اعتقد بوجود حاجة لإعادة الانتخابات، ولو اعيدت أعتقد ان الوضع سيختلف في بعض مفاصله لأن اموراً اكتُشفت في الانتخابات حفّزت جميع الكتل على اعادة النظر في اجراءات المفوضية او قانونها. تحدث الاميركيون عن منصب سيادي جديد باسم رئيس المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية. هل انتم مع منح المنصب صلاحيات امنية؟ - اكدنا ضرورة وضع الاصلاحات المراد اجراؤها في اطار معين وبعضها ضروري ونحن نطالب به قبل غيرنا ولكن يجب عدم تجاوز الإطار المكون من ضلعين رئيسين. الاول هو الدستور، فلا مجال لخرق الدستور وإذا كانت هناك حاجة لإجراء تغييرات في الدستور ذاته، وهذا امر طبيعي، بل ربما نراه ضرورياً احياناً، يجب اتباع الآليات التي حددها الدستور لإجراء التعديلات. الضلع الثاني هو وحدة الدولة وعدم تفتت القرار فيها بحيث تعجز عن القيام بأي عمل نتيجة تشتيت الصلاحيات. ما عدا ذلك يمكن ان يكون مجالاً للإصلاح والتغيير. المجلس السياسي الوطني يمكن ان يؤدي دوراً فعالاً في ترشيد قرارات الدولة وصوغ سياساتها الاستراتيجية على الصعد كافة، الاقتصادية والسياسية والامنية، ومن لديه رؤية حقيقية لتحديد مسارات الدولة على هذه الصعد كافة، في امكانه طرحها وأخذ قرار بها اذا اقنع الآخرين، خصوصاً ان هذا المجلس يفترض ان يضم كل اصحاب القرار. هل انت مستعد في حال أغلقت كل المنافذ للقبول بتولي المنصب؟ - الموضوع لا يخضع لقبولي وعدم قبولي، حين توفر أي قائمة او شخص المستلزمات القانونية المحددة بالدستور في شكل واضح، فإنه سيشكل الحكومة ولا استطيع انا ولا غيري منعه. وهل تسلِّم منصب رئاسة الحكومة؟ - الحكومة ليست ملكاً لي كي أسلّمها لمن اشاء. الحكومة امانة بيدي ولا املك ان اسلمها إلا لمن يأتي عبر المسلك الدستوري الشرعي والقانوني. اذا أُعيد انتخابكم، كيف ستختارون وزاراتكم، واقع الحال ان المحاصصة مستمرة وأنتم كما يصرح مقربون منكم مستعدون لمنح هذه الوزارات لهذه الجهة وتلك؟ - نعم للأسف، لم نستطع الخروج نهائياً من دائرة المحاصصة ولكن سنعمل ما نستطيع للخروج منها، ولكن بالتأكيد سنعتمد عنصر الكفاءة والنزاهة كعنصرين رئيسين في كل مرشح لشغل منصب وزاري وسنعمل على إقناع الشركاء كافة بضرورة اعتماد هذين المعيارين في ترشيحاتهم، ولدي ثقة بأننا سنصل الى تشكيلة حكومية اكثر كفاءة وفاعلية في المرحلة المقبلة على رغم عدم حرجنا من المحاصصة بصورة نهائية. ستكون بعض الوزارات خارجة عن دائرة المحاصصة في أي شكل من الأشكال. فمثلاً الوزارات الامنية لا مجال فيها للمحاصصة، بل يجب ان يتصدى لها اشخاص مستقلون مهنيون يرتضيهم جميع الشركاء. كيف تسير امور الدولة في ظل حكومة بلا برلمان وبالتالي بلا رقابة وبصلاحيات محدودة. والى متى يمكن الاستمرار في هذا الوضع؟ - الدولة تسير بصورة عادية وطبقاً للدستور ما عدا الامور التي تحتاج الى موافقة البرلمان فإننا لا نقدم عليها ونتركها للحكومة والبرلمان المقبلين. اما الى متى ستستمر فإنني اتمنى وأسعى بكل جهدي ان تتشكل الحكومة الجديدة في اسرع وقت. وأقول لك بكل صراحة وخلافاً لما يشاع، إنني اكثر تضرراً من استمرار هذه الحكومة لأن اكثر السياسيين وحتى الشركاء اخذوا يتنصلون من أي مسؤولية ويحملون رئيس الوزراء مسؤولية أي خلل خدمي او امني او سياسي وأحياناً يتم استغلال الازمات سياسياً لإلحاق الاذى برئيس الوزراء وتسليط اكبر ما يمكن من ضغط لحمله على توجه معين مرسوم مسبقاً. كانت العقدة منذ شهور هي اجتماعكم بالدكتور اياد علاوي، واجتمعتم مرات عدة بالفعل، ما هي النقاط التي اتفقتم عليها مع «القائمة العراقية» وكيف تقوّمون العلاقة معها اليوم؟ - لم يكن اجتماعي بالدكتور علاوي عقدة منذ البداية. هناك اختلافات حقيقية بيننا تحتاج الى حوار وتفاوض من اجل حلها وهذا ما يتم العمل عليه حالياً، فهناك حوار ومفاوضات مستمرة للتوصل الى رؤية مشتركة حول صيغة الاصلاحات المطلوبة في مناحي الدولة كافة وإدارتها. لكنكم وصفتم «العراقية» بأنها تمثل السنّة وأثار الوصف استياء القائمة؟ - الوصف جاء في سياق ضرورة مشاركة العراقية في الحكومة المقبلة وأنه لا يمكن التوصل الى استقرار امني وسياسي وبناء نهضة حقيقية ما لم تشارك القائمة العراقية ولأن غيابها يعني غياب مكون كامل وفي امكانكم الرجوع الى تصريحاتي. ولكن اعتقد ان رد الفعل غير المتوقع يعود لأسباب داخلية تخص القائمة العراقية ويبدو انها تجاوزته اذ تواصلت مفاوضاتنا واجتماعاتنا. الامر مع «الائتلاف الوطني» ليس افضل حالاً، كيف هي المنافسة بينكم داخل الائتلاف الوطني؟ - لقد اقتربنا في التحالف الوطني من الاتفاق، فهناك مرشح تم تقديمه من الائتلاف الوطني مع اعتراضات كما تعلم من بعض اطراف هذا الائتلاف، وهناك مرشح للجناح الثاني في هذا التحالف، أي ائتلاف دولة القانون ولا بد من خوض المنافسة لخروج مرشح التحالف من هذا التنافس. ومن الطبيعي في مثل هذه الحالات ان يتم تقديم المرشح الذي يحصد عدداً اكثر من الاصوات. ولكن لم يتم بعد التوصل الى الآلية التي سيتم اتباعها لفرز مرشح التحالف الذي سيذهب به الى البرلمان. والاتفاق على أن لا خروج من التحالف سيكون ضمانة حتمية للوصول الى مرشح واحد اكثر حظاً. هل هناك اسماء في قائمتكم تعتقد انها تستحق رئاسة الحكومة؟ - كثيرون اراهم مؤهلين لهذا المنصب في قائمتنا، ولكنهم يجمعون على ترشيحي لأسباب يعتقدون بها. ماذا عن الحديث عن جبهة اقليمية تضغط باتجاه تنحيتكم؟ - اعتقد ان هناك مبالغة لا تخلو من اهداف سياسية في تصوير هذه الحال، فقد تكون لهذه الدولة او تلك رغبة بتولي هذه الشخصية او تلك لأسباب مختلفة. لكن من يحسم الامر في النهاية هو الشعب العراقي والآليات الدستورية المحددة وليس الدول الاخرى. من الضروري ان اشير هنا الى التطور الكبير في علاقاتنا بدول العالم والدول العربية والاقيملية خلال السنوات التي توليت بها الحكومة على رغم انني غير راض في شكل كامل عما تحقق وأعتقد ان المرحلة المقبلة ستشهد نمواً مطرداً في علاقاتنا مع العالم، ولا سيما مع الدول العربية الشقيقة والدول المجاورة وعلى الصعد كافة، ولعل جانبنا من هذا التصور كان نتيجة لتشويش متعمد تم تجاوزه مع الدول المجاورة بعدما انكشف عدم صحته. تذهب الآراء الى ان السياسة الخارجية للعراق كانت مسؤولة عن هذا التضارب في مصالح الدول الاقليمية حول البلد؟ - اول ما يلزم عمله خلال المرحلة المقبلة هو توحيد صوت العراق. يجب ان يكون للدولة العراقية صوت واحد يتحدث به الجميع مهما بلغت الخلافات السياسية بيننا. للأسف كانت لدينا خلال السنوات التي مضت اصوات عدة للدولة بل للحكومة وأحياناً اصوات متضاربة، لذا فمن غير الصحيح ان نحمّل الدول الاخرى اسباب التلكؤ في علاقاتها او طبيعة مصالحها معنا. ربما يتحدث مسؤول بلغة مع دولة تختلف تماماً عن لغة مسؤول آخر لا يقل عنه اهمية. ربما كان بعضنا يتحدث مع الدول الاخرى كمسؤول لحزب او طائفة او قومية معينة وليس مسؤولاً في دولة عراقية موحدة. هذه الامور أضعفت موقفنا في علاقاتنا الخارجية وكانت السبب وراء الكثير من الخلل في هذه العلاقات ولا يمكن ان تتحمل الحكومة مهما أوتيت من قوة مسؤولية هذا الخلل وحدها. لماذا انت مقل في الزيارات الخارجية، وهل هذه تهمة ام سمة؟ - الزيارة عندي بقدر الحاجة وليست للنزهة. ترفض جميع الاطراف السياسية التدخل الخارجي وتعتبره الخطر الاكبر، لكن التدخل حاصل ويحصل يومياً كما يؤكد الجميع ايضاً، ما هي الشروط التي يجب تحقيقها ليكون القرار الوطني الداخلي هو معيار تشكيل اي حكومة مقبلة؟ - التدخل الخارجي موجود ولا يستطيع احد نكرانه وسيبقى قائماً ما دام هناك استعداد في الداخل وبين القوى السياسية لتقبل هذا التدخل. لكن اعتقد انه سيتراجع تدريجاً مع نمو الدولة العراقية واكتمال مؤسساتها واشتداد عودها. نحن ما زلنا نعمل من دون قانون للأحزاب ومن دون ضوابط للتمويل الخارجي سواء للأحزاب السياسية ام لمنظمات المجتمع المدني ام المؤسسات الإعلامية وغير ذلك. وفي كل الحالات سيبقى الرأي العام ومراقبة الشعب العراقي الذي لديه حساسية خاصة تجاه التدخل الخارجي، هما العامل الاهم في الحد من هذه الظاهرة. الاستثمار يفسر ايضاً باعتباره حماية سياسية وأمنية للبلد، كيف ترون وضع الاستثمار الخارجي في العراق؟ - كانت في قانون الاستثمار بعض التعقيدات التي تمكنّا من معالجتها فانطلقت حملة الاستثمار وتنافست الشركات، الى الآن لم نرض عما انجز ولكننا خطونا على طريق كسر الجمود بقوة. وسلسلة التعاقدات النفطية؟ - بدأت الشركات تعمل على الارض وستختصر الزمن لرفع مستوى الانتاج في شكل ملموس. لماذا لم يتم فتح الاستثمار في مجال الطاقة الكهربائية؟ وكيف تقوّم أداء وزير الكهرباء بالوكالة، لم يحصل تطور كما يبدو في مستويات توفير الطاقة؟ - خمسون شركة قدمت عروضاً للاستثمار في مجال الكهرباء وبعد ايام ستفتح عطاءاتها لتباشر عملها ونجد ان زيادة حصة الاستثمار الخاص في مجال الكهرباء ضرورية لحل المشكلة التي تتصاعد مع تصاعد مستوى الاستهلاك ومع تطور الحياة وعلى رغم قصر الفترة في تولي السيد وزير الكهرباء بالوكالة الأمور، إلا انه خطا خطوات جوهرية في حل مشكلة الكهرباء وهي تحتاج الى وقت ومال واستثمار. تتهمون بأنكم تحتكرون السلطة في العراق، بماذا تردون؟ - قلت مراراً انني لم احتكر السلطة ولن احتكرها ومن يعتبر التمسك بالصلاحيات احتكاراً فليغير الدستور ويكمل بناء القوانين. هل انتم مع تغيير النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وهل يحد ذلك من صلاحيات رئيس الحكومة؟ - لا تسحب صلاحيات رئيس الوزراء ما دامت مغطاة من الدستور ولكن وجود نظام لمجلس الوزراء حتمي. رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري وصف حكومته بأنها كانت «حكومة حرب»، بماذا تصفون فترة حكمكم؟ - هي استمرار لحكومة الحرب ولكنها تمكنت بعد سنتين من ان تجمع بين حكومة تثبيت الاستقرار وإطلاق الإعمار. هل تمتلك اموالاً او استثمارات خارج العراق؟ - ليس لدي اي نوع من انواع الاستثمارات ولا اموال في الخارج، لا انا ولا افراد عائلتي، والإعلام مفتوح ليعرض من له أي دليل على أي استثمار. وهل في نيتكم في حال أُعيد انتخابكم تطبيق نظام «من اين لك هذا؟» على الجميع من دون استثناء بمن في ذلك المسؤولون في الدولة والاحزاب؟ - نعم وبكل جدية وحزم وسيكون ذلك سمة المرحلة المقبلة.