تمنى رئيس الجمهورية اللبنانية الياس الهراوي في احدى جلسات مجلس الوزراء الاخيرة ان يتخلص لبنان من الالقاب السياسية التي ورثناها عن العهد العثماني مثل كلمات فخامة ومعالي ودولتلو. وفي ظني ان التخلص من هذه الالقاب مسألة صعبة للغاية. لقد كان اول ما فعلته ثورة يوليو تموز سنة 1952 هو قيامها بإلغاء الالقاب القديمة. كانت هذه الالقاب تبدأ من الافندي، وتمر على البيك، ثم تصل الى الباشا، وبعد الباشا هناك دولة الباشا اذا كان الباشا وزيرا، وهناك حضرة صاحب المقام الرفيع اذا كان الباشا رئيسا للوزراء. تم إلغاء هذه الالقاب جميعا وتم منع تداولها في الاوراق الرسمية. فهل اختفت من حياة الناس اليومية؟ ان الجواب على ذلك هو النفي. ما زالت هذه الالقاب موجودة وقائمة. ففي المجتمع، ان الافندي هو الموظف البيروقراطي المسكين، وعند اول تعيينه ينادونه بالافندي: خد يا افندي هذا الدوسيه، هات يا افندي هذا الدوسيه. اما البيك فهو مدير الادارة وما فوقها حتى وكيل الوزارة. وقديماً كانت البكوية درجتين: بكوية درجة اولى وبكوية درجة ثانية، وحتى وكيل الوزارة كانت البكوية من الدرجة الثانية، اما وكيل الوزارة فهو بيك درجة اولى، ثم نصعد بعد ذلك الى الوزير. ان الموظفين ينادون وزيرهم بلقب الباشا او معالي الباشا. صحيح ان الالقاب ألغيت رسمياً، ولكنها ما زالت باقية في اعراف الناس وتقاليدهم. بل ان تحولا طرأ عليها فلم تعد كما كانت. قديما كانت هذه الالقاب تمنح عن جدارة واستحقاق، او تمنح بعد تبرع صاحبها بالاف الجنيهات لاعمال البر والخير. واحيانا كان الترقي في سلك الحكومة كفيلا بالوصول لهذه الالقاب وحملها بعد ذلك. في سلك الجيش او البوليس كان من يصل الى رتبة العميد يصير بيكاً من الدرجة الاولى، فاذا وصل الى رتبة اللواء حمل لقب الباشا. اما التطور الذي طرأ على الالقاب اليوم فهو وصولها الى طبقات اوسع من الناس. ان ضابط البوليس اليوم- بغض النظر عن رتبته- يحمل درجة الباشوية. وهي درجة شعبية، اذ يناديه بهذا كل اصحاب الحاجات او من تسوقهم الظروف الى دخول قسم الشرطة. بل ان تطورا اخر قد لحق هذه الالقاب... ان الباشمهندس مثلا كان لقبا يمنح للمهندس الاستشاري المرموق، فصار يمنح اليوم لأي سباك يصلح حنفية في البيت او اي نجار يصنع دولابا او منضدة. وقد قيل في تفسير ذلك ان الشعب المصري كريم، وبالتالي فهو يوزع الالقاب على اكبر عدد ممكن من الناس. احتاجت الملكة السابقة فريدة الى من يصلح لها شيئا في حمام بيتها في القاهرة، وامرت باستدعاء سباك لاصلاح العطل الفني. وجاء السباك ومعه مساعده، وفوجئت بان مساعد السباك ينادي الاسطه بلقب الباشا. ومع حياتها في المجتمع فترة اكتشفت ان لقب الامير يستخدم في اداء ابسط الصناعات ويتداول بين الناس كما لو كان عملة سائدة. ايضا دخلت الالقاب الجامعية كالاستاذ والدكتور والبروفسور مجال الاستعمال اليومي، فصار من يصلح سلك الكهرباء استاذا في الكهرباء، وصار من يصلح كرسيا دكتوراً في النجارة... ووصل الامر اخيرا الى محلات الفول والطعمية، لقد قرأنا عن محل للفول والفتة في لبنان كتب على النشرة الاعلانية الخاصة به: ليسانس فتة، ماجستير حمص، ودكتوراه في الفول! ما هو سر هذا الولع بالالقاب سواء في لبنان او مصر او اي بلد عربي؟ في تصوري ان الانسان المصري والعربي انسان مولع بالوجاهة، ولهذه الالقاب سحرها الذي لا يغيب عن الذهن، كما انها تشبع عند من يحملونها او يستخدمونها حاجة اساسية من حاجات النفس... بكل ما في النفس من رغبة في المظاهر واحتفال بها وعدم اهتمام بالجوهر.