ضاق الوزير يحيى بن خالد البرمكي من مناظرات المتكلمين وموضوعاتها الفلسفية الجافة، طالباً منهم الخوض في موضوع تستريح له النفوس كموضوع العشق، بقوله: "قد أكثرتم الكلام في الكمون والظهور، والقدم والحدوث، والنفي والإثبات، والحركة والسكون، والممارسة والمباينة، والموجود والمعدوم، والجزء والطفرة، والاجسام والأعراض، والتعديل والتجريح، ونفي الصفات واثباتها... فاشرعوا الآن في الكلام في العشق على غير منازعة منكم، ليورد كل واحد منكم ما سنح له الوقت فيه وخطر بباله". اشترك في تلك المناظرة أرباب الكلام من الأديان والمذاهب كافة. وجاء في مداخلة أحد المتناظرين ان العشق هو امتزاج "جواهر النفوس بوصل المشاكلة نتجت لمح نور ساطع، يستضئ به بواصر العقل، وتهتز لإشراقه طبائع الحياة، ويتصور من ذلك اللمح نور خاص بالنفس، متصل بجوهرها يسمى عشقاً". لكن هذا النور الساطع، الذي استأنس الوزير به، سرعان ما يتحول الى ظلام دامس، لا يجني منه العاشق غير الحزن ثم الجنون أو الموت، فالناس تطرب على عذابات قيس بن الملوح، وتتناقل بانشراح اشعار كثير عزة وذي الرمة، مع ان الألم كان يعصر أولئك العشاق. فالمودة والحب والهوى ثم الغرام أو العشق مفردات تعبر عن علاقة انسانية، لا حدود لرومانسيتها، لولاها ما كان الشعر وما كانت الفنون، وكيف تبدو الحياة من دونها؟ بين الضرورة والمصير المأسوي يظهر العشق عند العرب شراً لا بد منه. في الحب والعشق استخدم عدد من المستشرفين كلمتي نظرية وفلسفة، تذكر منهم مؤلفة كتاب "نظرية العشق عند العرب" الالمانية لويس. أ. غفن ترجمة نجم عبدالله مصطفى: غولد تسيهر، رتر، خون كرومنباوم، وجون تشارلز نيلسون في كتابه "نظرية عصر النهضة في الحب". أما كلمة فلسفة فقد استخدمت من قبل باحثين عرب، تذكر منهم المؤلفة المذكورة: عبداللطيف شرارة "فلسفة الحب عند العرب" ومن دون شك اعتمد الباحثون المذكورون قصص أو ملاحم العشق العربية العنيفة التي انتهت في أغلب الاحيان الى مصائر مأسوية، فاللعرب طبعهم الخاص في العشق، يرتبط ذلك بالبيئة الاجتماعية والاعراف الاخلاقية السائدة. ومن المعلوم ان تلك الاعراف مجتمعة مع حياة الترحال المستمرة والفراق المؤلم بين الأحبة كانت وراء وجود ظاهرة العشق المميز عند العرب بآلامه وجراحه النفسية العنيفة. تابعت لويس غفن المؤلفات العربية الاسلامية العديد في هذا المجال لتصل عبرها، بعد دراسة مستفيضة، الى القول بوجود نظرية عربية في العشق، معتمدة على الأفكار التي وردت فيها وتفسيرات المؤلفين لكلمة عشق مرادفاتها، وحالات العشاق النفسية. لكن الباحثة المذكورة لم تتوصل الى منطوق واضح لتلك النظرية، كما هي الحال في النظرية الافلاطونية في الحب والتي وردت عبر فلسفة النفس عند افلاطون، غير انها قالت بالعامل الديني والاخلاقي الذي يجمع بين تلك المؤلفات ليشكل مع المصير المأسوي نظرية عشق. من تلك المؤلفات رسالتا الجاحظ "في العشق والنساء" و"القيان". في رسالته الأولى ناقش الجاحظ معنى العشق ككلمة ومصطلح بمعنى الحب العاطفي المضطرم، أي ان العشق شعور تثيره النساء في نفوس الرجال. وهذه ميزة أخرى في مفهوم العشق العربي، انه يقتصر على الرجال دون النساء، فالمطلوب من المرأة ان تكتم ميلها العاطفي وتتظاهر بعدم الاكتراث، مع ان أكثر العشاق نسبوا الى معشوقاتهم اللواتي تزوجن غيرهم. تؤكد المؤلفة خصوصية الرسالة المذكورة بالنسبة الى المؤلفات العربية الاخرى، لأنها "تبرهن العلاقة الواضحة بين العشق والمرأة". لكن هذه الخصوصية تكاد تعم أغلب مؤلفات العشق الاخرى، ويستنثى من ذلك المؤلفات التي تكلمت عن الصداقة والعلاقة بالغلمان على مستوى علاقة العشق كأحاسيس ومعاناة. وفي رسالة "القيان" يربط الجاحظ العشق بالملذات التي عادة ما تلغي حرقة العشق وآلامه. عموماً تختص الرسالة المذكورة بالعلاقة بالمغنيات أو بائعات الملذات. وترى المؤلفة ان الفرق ما بين الرسالتين هو الفرق ما بين الحب والهوى والعشق. ولا ندري ما هي الحدود التي تفصل بين المصطلحات الثلاثة غير زيادة درجة التعلق بالمرأة أو المعشوق بشكل عام، بتدرج من الاستلطاف والمودة الى الحب والعشق. وتزيد المؤلفة في تعليلها على ما قصده الجاحظ في رسالة "القيان" بالقول بالاختلاف الفكري أو الكلامي بين الجاحظ المعتزلي وما عرفتهم المعتزلة بالحشوية من أهل الحديث. فحسب ما ورد في كتاب "نظرية العشق" كان الجاحظ "في أعين هؤلاء من الفاسقين والآثمين، لأنهم ملكوا وتمتعوا بالمغنيات والراقصات من القيان، وكان الجاحظ يدافع عن إباحة مثل هذه الملذات. واخذ على عاتقه إظهار غباء نظرة أعدائه متعرضاً للتناقض بين ما يطلبونه من معايير السلوك والسلوك المعروف لأكثر أوائل المسلمين المقتدى بهم، عندما كانت الأمور تتعلق بالنساء". ومن اللافت للنظر ان الجاحظ الذي كتب عن العشق والنساء وعن لذة العلاقة بالقيان كان من المترددين في العلاقة مع المرأة، فهو لم يتزوج طيلة حياته، ويؤكد انه لم يتعر ض لموقف محرك كما حدث له مع امرأتين: واحدة ذهبت به الى الصائغ لينقش لها خاتماً على صورة شيطان، بعد أن اعتذر لها بأنه لم ير الشيطان حتى ينقش لها على صورته. وأخرى رفضت دعوته لتناول الطعام بتهكم، ولعل دمامة صورته وانشغاله بالتأليف وراء نأية عن العلاقة بالجنس الآخر. كذلك تستعرض المؤلفة كتباً أخرى تختلف عن رسالتي الجاحظ برفضها للعشق أو قبولها بالعشق العذري فقط فمن هؤلاء المؤلفين كاتب مجهول، اقتبس منه أحمد بن الطيب السرخسي، فعلى حد قول المؤلفة: "يحدد لنا البشر في جمل قليلة بلغة الروح والنفس والعقل والحواس والخيال والذاكرة". وحسب هذا الرأي فالعشق لا يكون إلا للفلاسفة وعلماء الدين والمتصوفة، المتساوين بالنفس الناطقة. وفي كتاب "الزهرة" أو "الزهراء" للقاضي محمد بن داود الاصفهاني ورد مصطلح الحب "انه شيء يختص به قوم برقة طباعهم، وتآلف أرواحهم، فمن كان مثلهم فهو يعذرهم، ومن خرج عن حدهم هان قوله". ان رقة الطبع التي علل بها الاصفهاني علاقة الحب قادته الى التعلق بصديقه الى حد المرض، وبعد تقصي حياته من قبل المؤلفة وجد انه "أصبح شهيد الحب النقي العنيف الى صديقه". وتعتقد المؤلفة بأن كتاب "الزهرة" الذي يجمع الكثير من الشعر والنثر المسجوع في شأن الحب، هو أول كتاب في نظرية الحب، مع اشارة منها الى تأثر صاحبه بالتراث الاغريقي، ودليلها على ذلك الاقتباسات التي وردت في الكتاب من مؤلفات افلاطون وبطليموس وطبيب يوناني مجهول، بمعنى انه ليس هناك نظرية عشق عربية خالصة، مع ان النظرية المزعومة انعكاس لحالة عربية غير متكررة في أماكن اخرى. ومن المعروف ان أفكار فلاسفة الاغريق أخذت صيغ النظريات سواء كان ذلك في الوجود او المجتمع أو النفس الانسانية، فتلك الأفكار كانت متماسكة وشاملة ومنطقية الى حد ما في زمانها. وفي كتابه "اعتلال القلوب" يرفض أبو بكر الخرائطي الحب مؤيداً بمجموعة من الاحاديث النبوية الشريفة والروايات والاشعار. وتعلل المؤلفة ذلك الرفض بورع الخرائطي وتدينه فقد كان من رجال الدين البارزين. وهذا لم يكن سبباً كافياً في تحريم الحب، فهناك غير الخرائطي من المؤلفين الورعين يرتضون الحب بشروط كذلك ذم ابن الجوزي العشق في كتابه المعروف بپ"ذم الهوى"، محذراً من اخطاره، ومغبة الانحراف نحو الشهوة. وكان سبب تأليفه ذلك الكتاب الشكوى المؤلفة لأحد الذين عذبهم العشق وجاء يسأله الدواء لما ابتلي فيه من وجد وحرقة، ولعله اختلق مثل ذلك الحدث. حتى يؤكد واقعية تأليفه وزيادة تأثيره. في البداية، تحدث ابن الجوزي عن طبيعة الهوى، ولماذا يستحق الذم. متناولاً طبيعة العقل وتفوقه على هوى النفس. ويفصل ابن الجوزي في كتابه المذكور بين الهوى والعشق. فللأخير هو درجة عليا من الهوى، وان كان عشقاً عذرياً. وعلى رغم و ضوح فكرة ابن الجوزي في العلاقة بين الهوى والعشق فإن مؤلفة كتاب "نظرية العشق عند العرب" ترى انه لم يتمكن من التوفيق بين درجتي الحب: الهوى والعشق. وفي كتاب "الرياض" يؤرخ ابو عبدالله المرزباني لقصص المتيمين العرب قبل الاسلام وبعده، وتاريخه خاص بالشعراء فقط، ومن الواضح ان أغلب العشاق المؤرخ لهم كانوا من الشعراء، فالشعراء سجلوا يومياتهم بأشعارهم، اشتهروا بين الناس، وربما نسجت حولهم قصص تراجيدية. فهناك من الشعراء من قال شعراً عاطفياً جزيلاً من دون ان يعشق. ويحبذ المرزباني المذكور العشق العفيف أو العذري الذي اشتهر به العشاق من قبيلة عذرة، ويستند بنظريته، حسب تسمية المؤلفة، الى أصول دينية منها الحديث النبوي المرفوع الى ابن عباس: "من عشق فعف فكتم فمات مات شهيداً". ومن المؤلفات المهمة التي تعتبرها المؤلفة اساساً في وجود نظرية عشق عربية كتاب "طوق الحمامة في الألفة والآلاف" لابن حزم الاندلسي. لا يخرج ابن حزم في كتابه المذكور عن المؤلفات السابقة في التأكيد على الجانب المأسوي في حياة المحبين، بل أكثر من أخبار معاصريه من الذين تعرف على تجاربهم العاطفية القاسية. ومن الكتب الاخرى التي استعرضتها المؤلفة في العشق والعشاق كتاب "روضة العاشق ونزهة النامق" لأحمد الكسائي، وكتاب "منازل الاحباب ومنارة الألباب" لشهاب الدين محمود، و"الواضح المبين في ذكر من أستشهد من المحبين" وكتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" لابن قيم الجوزية وغيرها. تؤكد المؤلفة، في صياغة نظرية عشق عربية، على الطابع الديني والاخلاقي لتلك المؤلفات، فقد دفع ذلك بعض المؤلفين الى تحريم العشق، بينما أكد آخرون صونه من الشهوات، لكن الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة الى مؤلفات الجاحظ السابقة الذكر، فهو لم يكن من رجال الدين ولا من الواعظين أو القضاة، وما كتبه في رسالتيه عبارة عن أدب في الحب يخلو من التحليل والتحريم. عموماً، ان الطابع الديني في المؤلفات تجسد في مثول الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية، فقد أهتم المؤلفون بقواعد السلوك السوي التي تتعلق بالحلال والحرام. فمحرمو العشق، كعلاقة عاطفية بين الجنسين، اعتمدوا احاديث تتعلق بتحريم النظر الى المرأة، وما تجلبه تلك العلاقة من مخاطر حسب ما يرون. وما دعا له هؤلاء هو تحويل تلك العلاقة الى حب الله والعمل الصالح، وقد خاطب الشعراء المتصوفون الحبيب المتعالي بأروع مما يخاطب بهن الحبيب حبيبه، وقصائدهم تتبادل بين العشاق لما تحمله من عاطفة ورقة فياضة. ولعل المتصوف الفيلسوف محي الدين بن عربي أشار الى حالة العشق الواحدة، سواء كان عشقاً إلهياً أو عشقاً انسانياً، بقوله: صح عند الناس أني عاشق غير ان لم يعرفوا عشقي لمن ولكثرة الشبه بين مؤلفات العشق، ترى المؤلفة ان الاختلافات بينها لا تعدو كونها آراء ثانوية، ورد ذلك بسبب استعمال أو تفسير بعض الآيات والأحاديث. أما الشعر، الذي يكثر عادة في قصص العشاق، فهو بالنسبة الى نظرية العشق عن العرب "أداة لتصوير الآراء والأفكار بصورة ملائمة ولتعزيز أقوال المؤلف للتعبير عن آرائه بصورة بارعة ومهذبة". والظاهر ان أغلب المؤلفين كانوا يحبذون الاستشهاد بالشعر الجاهلي والأموي، والأمر قد يعود الى جزالة ذلك الشعر، وما يمثله من شاهد تاريخي لرواية المؤلف. تقول المؤلفة في مجال استعمال الشعر: "ان للشعر فتنة وسحراً على المؤلفين، بحيث لا يتمكن اولئك الذين يكتبون في اللاهوت الجدلي العقائدي ضد الحب العاطفي مقاومة اقتباس الشعر لعدة صفحات، ذلك الشعر الذي يبدو في تصويره الفاتن لأفكار وأحاسيس الشاعر العاشق أنه يعمل ضد ما يريد المؤلف التعبير عنه في نهاية الأمر". ومن مكونات مؤلفات العشق الأخرى، اضافة الى النص الديني والشعر، تأتي الحكاية أو القصة الفنية كمادة تاريخية وروائية. وترى المؤلفة في وظيفة الحكايات والقصص الوظيفة نفسها التي يؤديها الشعر لأنهما: "مرجع التصييغ النظري والمواد الموضحة لها". كذلك استلهم المؤلفون في مجال العشق آراء الفلاسفة الأطباء في توضيح ماهية العشق بشكل نظري دقيق وأسبابه وتطوره وعلاماته. فمن المعروف ان الطبيب ابن سينا عد العشق حالة نفسية شديدة، يحتاج المصاب بها الى معالجة طبية، وقد ضرب مثلاً في كتابه "الشفاء" حالة شاب من أبناء الذوات طلب منه معالجته، وقد استدل الى حبيبته التي يخشى النطق باسمها من خلال مراقبة نبضه، وعندها وجد الدواء لدائه. ومن مصادر المؤلفة في وجود نظرية عشق عند العرب المؤلفات التي اهتمت بأسماء الحب وضروبه، فهذه الأسماء عبرت عن حالة الحب ودرجته، فقد ذكر المرزباني حوالي ثمانين اسما. وترى المؤلفة ان آراء ابن قيم الجوزية "تستغرق كلية في نظرية وعلم النفس"، فقد اعتبر الصفاء أصل مصطلح الحب "لأن العرب تقول الصفاء بياض الأسنان"، ومعروف عن الصفاء انه اسم من اسماء الصخور البيضاء أو المصقولة جداً، والصفاء له علاقة بالحباب "وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد". ويرتبط معنى الحب تجاه المحبوب بالغليان. كذلك يشتق الحب عند ابن قيم الجوزية من اللزوم والثبات، فيقال: أحب البعير أي إذ برك ولم يقم، فالحب يلزم قلب المحبوب. أو انه مأخوذ من القلق والاضطراب، ومنه سمي القرط حباً لقلقه في الأذن. ومن هذه المعاني وغيرها تتوصل المؤلفة الى ارتباط معنى الحب بالتعاسة، فكثير من معانيه يدل على الألم والحزن والارتباك والمرض، وتطغى دلالة التعاسة على دلالة المسرة عن لقاء المحبين، أو النشوة بعد الفراق واليأس من اللقاء. في اطلاق لقب الشهيد على العاشق المتفاني تتوغل المؤلفة في تاريخ فكرة الشهيد التي تعود بالأصل، حسب رأيها، الى الشرق القديم والتي وصلته من خلال التعاليم الهيلينية واليهودية المتهلينة والمسيحية ثم الاسلام. وقد أطلق لقب الشهيد على المقتولين من المحاربين أو الفلاسفة الأبطال، ثم أطلق اللقب المذكور على المتفانين في سبيل المعتقد الديني أو الفكري. وأصل اطلاق لقب الشهيد على العاشق أو المحب هو التزام العفة في كبح العواطف حتى النفس الأخير، دفاعاً عن العذرية التي تعد من أخلاق القبيلة السامية، بمعنى إضعاف الشهوة الجسدية التي تفسد الحب ومدلوله الاجتماعي آنذاك. وتضيف المؤلفة ان الحب الطاهر والملتهب لم يكن ضد تعاليم الاسلام، فالمشترك في الشهادة من أجل الدين أو العشق هو لقاء الموت بعنف في تحمل أهوال العذاب والحرمان. وفي هذا المجال تنقل المؤلفة فكرة شهيد العشق في التراث الاسلامي عن الزرقاني في تعليقه على كتاب "الموطأ" للإمام مالك بن أنس، والذي يقول فيه: "إن بعض العلماء كانوا يرون أنه لما كان مثل هذا النوع من الموت مؤلماً جداً فإن الله يرى في رحمته لعباده المسلمين بأن يعد ذلك الموت كفارة لذنوب المتوفين، وكاضافة الى أجرهم ليجعلهم يصلون الى مقام الشهداء". فمن أصول نظرية العشق العربية الحاجز بين المحبوب والمحبوبة، بمعنى أن الوصال يطفئ جذوة العشق أو الشوق العارم تجاه الآخر، فيفرغه من المعاناة. فأشهر قصص العشق تلك التي كانت تنتهي بالجنون أو الموت على رغم أن الحبيبة قريبة من الحبيب كابنة عم أو ابنة خال. ما ورد في كتاب الألمانية غيفن هو جمع شمل ما لم يتم جمعه في شأن العشق عربياً، وصياغة فلسفة العشق العذري التي انتجتها ظروف الصحراء الاجتماعية، ولم ير الاسلام فيها ما يخالف أعرافه في العلاقة بين المرأة والرجل، وان كان بعض الفقهاء اعتبر الذوبان في الحب لا يجوز لغير الله تعالى والدين. وقد انتقلت تلك الفلسفة كعرف اجتماعي الى مناطق أخرى، فالآداب التي تركتها الحضارات القديمة في المنطقة تشير الى علاقة أخرى بين الجنسين. وعلى رغم سعة المصادر ووضوح المصطلحات المستخدمة في الكتابة فإنه لم يكشف عن غموض السلوك العربي في الحب، فهو المحلل المحرم، والمباح الممتنع، والسهل الصعب.