من الصعب ان نتفق على تفسير موحد لحوادث العام 1997 فلكل كتلة اقليمية سماتها الخاصة. مع ذلك يمكن الادعاء بوجود قواسم مشتركة تتحكم بمسار التطورات الدولية والاقليمية. أبرز العناوين التي تجمل مختلف التقلبات هو القلق الناجم عن تداعيات الفراغ الدولي الذي بدأ بانكسار الاتحاد السوفياتي وتفكك منظومته. فموجة التفاؤل تراجعت واخذت تتجمع في الأفق البعيد موجة مضادة لم تتضح طبيعتها السياسية حتى الآن. الا انها تحمل في طياتها أطياف عنف مجبول بخيبة الأمل. فالوعود التي حملها الاعلام على أثيره وصلت الى نهاية مطاطية يتوقع ان ترتد لتصل الى نقطة توازن جديدة تعيد ترتيب العلاقات الدولية بشكل يتناسق مع موازين قوى نامية سترسم معالم القرن المقبل. وإذا حاولنا قراءة قوانين الحوادث دولياً وعربياً واقليمياً نجد القلق هو المسيطر بسبب التوتر الناجم عن تقلص فرص التنافس الدولي أو بسبب انسداد آفاق الحلول السلمية في المنطقة أو بسبب انغلاق امكانات التطور وصعوبة التكيف مع شروط القوى المسيطرة للدخول في العصر الحديث. أسست كل هذه الحالات ما يشبه التقلب السياسي في الأمزجة. فالولاياتالمتحدة تريد ان تكون القوة الدولية الوحيدة لكنها تكتشف سنة بعد أخرى انها غير قادرة على الاحتفاظ بموقعها المميز كدولة اولى. وأوروبا تريد الانتقال كقارة من قوة ثانية الى أولى لكنها لا تستطيع ان تسد الثغرات التي تزيد من تدخل واشنطن في شؤونها الداخلية. روسيا تريد الدخول الى النادي الأوروبي وغير قادرة على التخلي عن إرثها الامبراطوري كدولة عظمى تملك الامكانات لكنها لا تملك النموذج السياسي البديل. ودول جنوب شرقي آسيا التي قفزت اقتصادياً في فترة وجيزة زمنياً من القرن التاسع عشر الى نهاية القرن العشرين فشلت في تكوين هيكلية سياسية ثابتة تعيد ترتيب دورها الدولي بعد ان تراجعت وظائفها الاقليمية والمحلية مع نهاية الحرب الباردة. تحولت الحرب الباردة الى سلم بارد. كل فريق يتربص بالآخر مستفيداً من حاجات كل طرف للآخر، فاليابان بحاجة الى رعاية أمنية اميركية وفي الآن لا تستطيع الاستغناء عن تنافسها الاقتصادي مع الولاياتالمتحدة. والولاياتالمتحدة تتخوف من نمو القوة الأوروبية الموحدة وفي الآن لا تريد ترك القارة من دون مظلة اطلسية تشرف على أوروبا وجوارها. وفي الوقت الذي تراقب واشنطن تراجع الوظائف المحلية والاقليمية لدول جنوب شرقي آسيا وتتطلع الى دول اميركا الجنوبية اللاتينية كسوق بديلة وكحوض استراتيجي للقارة الشمالية تتردد في اتخاذ قرار الانسحاب خوفاً من تقدم الصين لتعبئة الفراغ. القلق اذن هو العنوان المشترك. وهو الذي يفسر التوتر السلمي بين القوى الكبرى كذلك يوضح من بعيد صورة الموقف العربي المتقلب بين الشعور بالخوف من تعاظم القوة الاسرائيلية ونمو طموحات تل ابيب الاقليمية وبين الشعور بالضعف وتقلص امكانات المواجهة العامة في حال انحسار المظلة الدولية وانعدام البدائل التي تنقذ ما تبقى من مصالح عربية مشتركة. فالتجاذب الدولي على المراكز الأولى ينتج عنه التنافس المتوتر للسيطرة على الاسواق، الأمر الذي ينعكس هبّة باردة وهبّة ساخنة على القوى الاقليمية والعربية واختياراتها المتعرجة بين حدين: حد التضامن والانفتاح والتصالح مع المعارضة، وحد التخاصم والتبعية والتصادم الدموي مع المعارضة.