ترتبط الموارد الطبيعية، وعمليات استخراجها وإدارتها، ارتباطاً وثيقاً بالجهود الإنمائية في المنطقة العربية. ومع مضي البلدان العربية قُدُماً في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، حان الوقت لنقر بأننا لا نستطيع المضي قدماً كما من قبل. فالنقص الحادّ في المياه، وآثار تغيُّر المناخ والتصحر، واستنزاف احتياطات النفط، والحواجز التي تعترض الطاقة المتجدّدة، كلها تدعونا إلى التفكير بطريقة مختلفة. فنحن بحاجة إلى نهج جديد في الطريقة التي ندير بها مواردنا الطبيعية ونستخدمها، وعلينا أن نقرّ بأن ما هو خيرٌ للكوكب، فيه خيرٌ لشعوبنا. ونحن في حاجة إلى التنمية المستدامة في سبيل المصلحة العامة. اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وهي الذراع الإقليمية للأمم المتحدة التي تدعم البلدان العربية في تحقيق الأهداف الإنمائية الأساسية، تستقبل في هذا الأسبوع عدداً قياسياً من المشاركين في مقرّها في بيروت في إطار المنتدى العربي للتنمية المستدامة الذي تنظّمه سنوياً. وفي رعاية رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، سيلتقي أكثر من 250 ممثلاً من الحكومة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمنظمات الدولية والإقليمية، والشباب معاً في مكان مكرس لتعزيز ثقافة تبادل المعارف وحسّ التعاون والحوار. وسيكون المنتدى العربي بمثابة منبر رئيسي لدقّ ناقوس الخطر بشأن قضايا لم يعد من الممكن التعامل معها على أنها «بقاء الأمور على حالها»، إذا أردنا الوفاء بالوعود التي قُطِعت في «خطة عام 2030» التي اعتمدتها بالإجماع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة في عام 2015. معاً نضطلع بمسؤوليتنا في الاستجابة إلى توقّعات جيلنا والأجيال المقبلة. وعلى الرغم من كثرة القضايا الملحة التي تحتاج إلى المعالجة، لا سيما في ضوء التصعيد الديبلوماسي الذي حصل في الفترة الأخيرة والذي يؤجّج عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، اختار المنتدى العربي لعام 2018 أن يطرح في صدارة المداولات مسألة الروابط بين الموارد الطبيعية والمصلحة العامة على أنّها قضايا محورية لتحقيق العدالة بين الأجيال. وتتماشى نقطة التركيز أيضاً مع مناقشات عالمية ستجري في تموز(يوليو) في إطار المنتدى السياسي الرفيع المستوى في نيويورك. وموضوع هذا العام: الموارد الطبيعية، والأجيال المقبلة، والمصلحة العامة يطرح تحدياً في وجه عناصر المنتدى الأساسية وأولئك المسؤولين عن التخطيط التنموي الأفقي في البلدان العربية، عدم استخدام مصطلح «التنمية المستدامة المتكاملة» كلغة طنانة خالية من المعنى بل لمنحه حسّ الإلحاح، والأهم من ذلك، الأخلاقيات. وإن بدا لنا أن ما نقوم به الآن هو أمر صائب، فقد لا يكون كذلك في المستقبل. فطريقة تفكيرنا حيال كيفية استخدام بيئتنا ومواردنا المتاحة قد شابها التزييف، فأودت بنا إلى سياسات بالكاد تخدم احتياجاتنا الراهنة، فكيف لها أن تخدم احتياجات أطفالنا وأحفادنا؟ ثمّ إنّ الممارسات الحاصلة غير منيعة من الناحية البيئية، وبأوجهٍ كثيرة، من الناحية الاقتصادية، وهي أساساً مجحفة بحق من هم اليوم أقلّ حظاً، وبحقّ الأجيال المقبلة على حدٍّ سواء. والمنتدى العربي هو المنصة الإقليمية لحشد حكوماتنا والجهات غير الحكومية، لدعم هذا الانتقال التحوّلي في وجهة النظر، وإدراك بأنّ ما يُسمى عادةً قضايا «بيئية» يرتكز على التحديات الانمائية الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية والثقافية. فالتغيير التحولي هو بالفعل مسؤولية جماعية. ويتعين على الحكومات أن تبدأ بالنظر إلى الموارد الطبيعية على أنها سلع عامة لمصلحة الأجيال الحالية والمقبلة، وألاّ تنظر إلى الشواغل البيئية على أنّها مسائل خاصة بقطاعات محددة بل على أنّها تندرج تماماً ضمن اختصاصها وتتمركز في نهج متكامل. وفي الوقت ذاته، تكمن مسؤولية الجهات غير الحكومية في الدعوة إلى اعتماد نهج يُشرك الجهات المعنية كلّها، وفي تيسير اتخاذ موقف إقليمي متماسك، يرتكز على مبادئ أساسية للنجاح في الانتقال التحوّلي إلى مجتمعات مستدامة وقادرة على الصمود والتكيّف. ويحدوني الأمل في أن الأفكار التي ستنبثق عن مناقشات المنتدى العربي لعام 2018 ستكون بمثابة مدخل إلى التنمية القائمة على الحقوق، والعدالة الاجتماعية، والإدماج، ومبدأ «المصلحة العامة»، وهو مفهوم يبدو أنه لا يلقى حالياً سوى القليل من الرواج في منطقتنا. وكلّ نهج جديد يجب ألاّ يختلف فحسب من الناحية التقنية من خلال تحسين إدارة الموارد الطبيعية التي تأخذ في الحسبان الآثار البيئية والاقتصادية؛ بل ينبغي أن يطبق أيضاً أساليب مختلفة من النواحي السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والأخلاقية.