عاد الأوزون ليهدد البشر مجدداً، بشراسة أشد مما قد تذهب إليه أشد المخيّلات شططاً. رُصِدَت عودته للتآكل بقوة، مهدداً الأرض بزوال الدرع التي تقي البشر والكائنات الحيّة من الأثر المميت للأشعة فوق البنفسجية التي تتدفق أمواجها سيولاً عاتية من الشمس، على مدار الساعة. عاد الأوزون ليهدد بأشد مما فعل قبل قرابة ثلاثة عقود، عندما رصدت ظواهر تآكله فوق القطبين المتجمدين للأرض بأثر من تفاعله مع بعض المواد الكيماوية المرتبطة بالصناعة، في أعالي الغلاف الجوي. هذه المرة، يبدو الأمر أشد خطورة، إذ تتآكل طبقة الأوزون من دون أن تتفاعل مع أي مواد كيماوية من صنع البشر. هذه المرة، تنقرض طبقة الأوزون بأثر من الاضطراب في المناخ. الأسوأ، أن تضاؤل طبقة الأوزون لم يعد حكراً على المنطقة التي تعلو القطبين المتجمدين للأرض، بل انتشر ليطاول مناطق فوق جنوبالولاياتالمتحدة ووسطها، مع إمكان الانتشار الى بقاع كثيرة في الأرض! لم تعد آثار التغيّر في المناخ تضرب «تحتها» فتسبب كوارث شتى منها ذوبان الجليد في القطبين والتصحر والأعاصير والتقلّبات المتطرّفة في الفصول وتضاؤل التنوّع البيولوجي وغيرها. باتت قبضة الاضطراب المناخي تضرب «إلى أعلى»، بمعنى انها تطاول طبقة الأوزون في أعالي الغلاف الجوي، مسببة تآكلها. لنعيد صوغ الكلمات. ليس بوسع البشر ان يتصرفوا مع التآكل الجديد في غلاف الأوزون بالطريقة التي لجأوا إليها قبل ربع قرن فأعانتهم، حينها، على التصدي لهذه المشكلة وتقليصها ومكافحتها. تتمثل الحال الكارثية الجديدة في التمازج بين اضطراب المناخ وتآكل الأوزون، بل في نشوء دائرة مغلقة بين الأمرين، فلا يُستطاع التخلص من واحدة منها إلا بالقضاء على الاخرى. بعبارة ثانية، لن يملك البشر ما يصدون به غائلة التآكل في طبقة الأوزون والمخاطر الهائلة المتصلة بها، إلا إذا استطاعوا إيجاد سبل مجدية لمكافحة التغيّر في المناخ، وهو أمر أخفقوا به بامتياز، لحد الآن. الخلاصة؟ الأرجح أن المناخ بات مشكلة مستعصية، تهدد بأن تسير بالجنس بالبشري صوب الفصل...الأخير! بخار الماء المميت في بحث نشرته مجلة «ساينس»، الناطقة باسم «الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم» في عددها الأخير، أورد فريق علمي أميركي قاده البروفسور جايمس أندرسون، أن طبقة الأوزون عادت الى التآكل، بأثر من ضخّ كميات ضخمة من بخار الماء الى طبقة الستراتوسفير التي يتربع درع الأوزون في أعاليها. وذكّر الفريق بأن طبقة الأوزون، وهو غاز يتألّف من ثلاث ذرّات من الأوكسجين ويستطيع ردّ القسم الأكبر من الأشعة فوق البنفسجية التي يحملها نور الشمس، تآكلت سابقاً بأثر من تراكم رذاذ مواد ال «ترايفلوروكاربون» (اختصاراً «تي أف سي» TFC) المستخدمة في صناعة الثلاجات والمبرّدات ومواد إزالة روائح الجسم، وبخاخات تصفيف الشعر وغيرها. وتتفكك ال «تي أف سي» الأوزون مُطلقة مُكوّنات من الكلورين والبرومايد، التي لا تملك القدرة على صدّ الأشعة فوق البنفسجية، إضافة الى زوال مادة الأوزون في هذا التفاعل. وقبل قرابة 25 سنة، صيغت «إتفاقية مونتريال» التي ألزمت الدول كلها بوقف استخدام مواد «تي أف سي»، مع الاستعاضة عنها بمواد لا تتفاعل مع الأوزون. وبيّن الفريق أن مواد تحتوي البرومايد والكلورين عادت لتظهر في الغلاف الجوي عند القطبين، في مستهل الألفية الثالثة، ما أطلق بحوثاً عن سبب هذه العودة غير المفاجئة. وباستخدام أرصاد جوية متطوّرة، تبيّن أن هذه المواد ناجمة عن تفكك الأوزون بأثر من تفاعله مع بخار الماء. وتتبع الفريق الأميركي مصدر هذا البخار وعثر عليه في الأعاصير والزوابع، خصوصاً تلك التي تحمل كميات عالية من الرطوبة. وبيّن الفريق أن الأعاصير تحمل بخار الماء طبيعياً الى طبقة التروبوسفور القريبة نسبياً من الأرض. ومع إضطراب المناخ، بأثر من التلوّث والارتفاع في حرارة الأرض وهوائها، باتت الأعاصير تحقن بخار الماء الى طبقة الستراتوسفير العالية، ما يضع هذا الماء الحار في تماس مباشر مع الأوزون. ونبّه الفريق إلى أن التفكك الجديد للأوزون، وتالياً تآكله، قابل للحدوث في الأماكن التي تشهد أعاصير قوية، مثل رياح المونسون في شبه الجزيرة الهندية والمناطق الاستوائية في أفريقيا وآسيا، إضافة الى القطبين المتجمدين. وخلص الفريق الى نتيجة يائسة مفادها أن هذا التآكل للأوزون لا يمكن وقفه إلا بالقضاء على مصدر بخار الماء في الستراتوسفير، بمعنى التخلّص من التلوّث ووقف ظاهرة الاحتباس الحراري! ولكن عشرين سنة منذ «قمة الأرض» في ريو دي جينيرو البرازيلية، لم تؤد للسير قدماً في هذا الأمر، ما يعني أن الأرض تسير إلى هاوية سحيقة، بل أشد عمقاً مما ظنته أكثر الكوابيس سوءاً. وللحديث صلة. [email protected]