جاؤوا من كل حدب وصوب، الوجهة صيدا عاصمة الجنوب التي تغيرت ملامحها ليل الجمعة، الشوارع هي ذاتها مع ارصفتها ومصابيحها الليلية التي أنارت مداخلها على غير عادة، نظراً إلى أن المدينة تعاني كمثيلاتها من المناطق من تقنينٍ قاسٍ في الكهرباء. وربما كانت مصادفة أن "تأتي" الكهرباء في تلك الليلة، أم أنها توفرت خصيصاً للمناسبة. ولكن حتى لو كان ظلام، لأنارته وجوه القادمين لمشاركة مارسيل خليفة و"الميادين" ذكرى إنطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. منذ 20 عاماً، كان اللقاء في ملعب الصفا، تغير المكان ولم تتغير الذكرى. بعضهم أتى ليسمع أغان يسترجع بها ذكريات حقبة من تاريخ لبنان و إنطلاق مقاومته ضد الإحتلال الإسرائيلي: مع "لبسوا الكفافي ومشوا" و"منتصب القامة أمشي"... لاحت ذكريات لم يعد هناك فسحة لاسترجاعها سوى في مثل هكذا مناسبات. وهناك من حضر ليستذكر ملامح حبيبة في "ريتا" و"سجر البن" وكيف كان مستعداً لركوب الفرس ليأتيها بمفتاح القدس. لكل من جاء دافع وسبب، ولكن وجود مارسيل والميادين على المسرح كان كافياً لحضور الذكرى. بعد كلمة قصيرة من عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني ريمون كلاس مرحباً بالجمهور باسم الحزب ولجنته المركزية، قال فيها «إلى صيدا مشى، ومشى مع فرقة الميادين ليشاركنا فرحتنا في إحياء الذكرى ال29 لانطلاقة جبهة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي»، افتتح مارسيل الحفل بأغنية "ركوة عرب" توقف من بعدها لتوجيه التحية إلى صيدا، والى الجمهور الذي لم يلتقِه من زمان. ظهر خليفة كقائدٍ ليس فقط للفرقة بل أيضاً للجمهور واستطاع أن يأسر انتباههم على مدى ساعتين من الغناء والعزف، عبر التجاوب مع حماستهم وإشعال شوقهم إلى أغانٍ ثورية حيناً، ومن ثم تهدئتهم بمقطوعات موسيقية هادئة حيناً آخر. وكالعادة أبدع كل من بشار ورامي خليفة، في أغنية جواز السفر من خلال إرتجال معزوفة في منتصف الأغنية ادخلا فيها موسيقى النشيد الوطني اللبناني، الأمر الذي أصاب الجمهور بشتت طفيف، وكأن الأخوين أرادا الذهاب بهم في رحلة قصيرة ممتعة داخل الأغنية قبل العودة إليها. أميمة الخليل غنّت "عصفور طل من الشباك" وأهداها مارسيل إلى المعتقلين العرب في السجون الإسرائيلية والسجون العربية... قبل أن ينهي الحفلة بأغنية "يا بحرية" التي ظل يؤجلها على رغم طلبها تكراراً وإلحاحاً من الجمهور... في ما بدا وكأنها لعبة أخذ ورد، لطالما برع فيها مرسيل الذي راح يكرر مراراً قبل تقديمها "ختامها مسك".