دعا إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ عبدالرحمن السديس المسلمين إلى تقوى الله والاعتصام بالتقوى والعروة الوثقى في ظل ما تعيشه الأمة الإسلامية في هذه الأيام من فتن ومآسٍ. وقال السديس في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في المسجد الحرام: «إن من أشد تلك الفتن خطراً ما حل بالأمة وملتها، ووحدتها وألفتها، فتنة انحراف الفهوم والعقول، وتأويل النصوص والنقول إلى غير المراد واللا معقول، من قول الباري تبارك وتعالى وقول الرسول، ومنهج السلف، وخير الخلف – رحمة الله عليهم -؛ لذلك كان الفهم الوثيق والإدراك المتين الدقيق للوحيين الشريفين، من أزكى منن الباري وأسناها، وأجل حصائد العلوم وأغلاها، وأحمد وسائل الاستنباط وأزكاها، به يسمو صاحبه، وتجل مناقبه، وتنبو عن الفرطات عواقبه». وأضاف: «أن الفهم نوعان: أحدهما فهم الواقع والفقه فيه، والثاني فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه، أو على لسان رسوله...؛ لأن صحة الفهم، وحسن القصد، سلامة للدين والذمم، والأحكام والقيم، وانطلاق بالأمة وأمنها ووحدتها، صوب السبيل الأرشد للأمم». وتابع: «إن الاختلاف في فهم النصوص وتفسيرها كان أرضاً خصبة في بيان سعة الشريعة ومرونتها، وبرهاناً ساطعاً على يسر الدين وانسجامه مع المتغيرات ورعايته للمقاصد النيرات وتحقيقه للمناط في النوازل والمستجدات»، مستشهداً بالحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله قال لأصحابه: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة»؛ فاختلفوا - رضي الله عنهم - في فهم ذلك على رأيين أقرهما المصطفى، وكذا في جملة من المسائل والفروع عدها أهل العلم من اليسر والسعة التي لا يعيب فيها أحد على الآخر في ضوء القاعدة التيمية الذهبية «رفع الملام عن الأئمة الأعلام»، وقد بوَّب البخاري - رحمه الله - باب «الفهم في العلم»، كل ذلك شريطة أن يكون الفهم بمقتضى النصوص الصحيحة والمقاصد الصريحة، وأن يكون المتحلي به من أهل العلم المعتبرين. وحذر إمام الحرم من الآثار السلبية للفهوم المنحرفة الجانحة بين المسلمين؛ إذ ألهبت فيهم روح الكراهية والصراعات، وأججت نعرات التعصب والنزاعات، وها هو الواقع البئيس – عبر المجالس والمنتديات والإعلام والفضائيات - ينطق باستعلاء أباطيل وأضاليل وادعاءات وقناعاتٍ شاذة وافتراءات تقضم الأصول والثوابت، وتشرخ معالم الدين الثابتة. وتساءل السديس: «هل يكون الحرام الصريح يوماً حلالاً؟ وهل تكون شعيرة الحسبة التي حازت بها أمتنا الخيرية على العالمين اقتحاماً للخصوصية، وخرقاً للحرية الشخصية؟! وهل يكون ميراث الرجل «للذكر مثل حظ الأنثيين»، على السواء من المرأة؟»، مشدداً على أن «كل اقتحامٍ لثابت التشريعات ومسلم المحكمات بالتحوير وسيئ الأفهام هو افتراء على الله، وتهجم على الحق بغير علم، ولي لأعناق النصوص بما يخدم الهوى ويضل عن الهدى ويذكي رواج الشبهات».